نحو مؤشر علمي لقياس الكرامة العربية
في خضم الصراع الدائر في لبنان وغزة، يجد العالم العربي نفسه أمام اختبار حقيقي لقدرته على التحرك بفاعلية للتأثير على مجريات الأحداث، والدفاع عن القضية الفلسطينية وحماية الكرامة العربية في مواجهة التمادي الإسرائيلي.
ويخيم التردد على المشهد السياسي العربي، وهو انعكاس مباشر لأزمة شرعية عميقة تعاني منها العديد من الأنظمة. هذه الأزمة تمثلت في غياب الديمقراطية والمشاركة السياسية، وتفاقمت مع تصاعد التحديات الخارجية التي ضاعفت من هشاشة هذه الأنظمة وعجزها عن اتخاذ قرارات حاسمة.
إن غياب التأثير العربي الفاعل على مسار الأحداث الدولية، وتراجع الدور السياسي العربي، هما نتاج تراكم عوامل فكرية وثقافية وسياسية متعددة. ويمكن قياس هذا التراجع من خلال خمسة مؤشرات رئيسية هي:
1- مؤشر التجزئة: يهدف هذا المؤشر إلى رصد أثر النزاعات بين الدول العربية في اضعاف موقفها التفاوضي، حيث عجزت الدول العربية عن تطوير رؤية مشتركة تعزز مكانتها. ولعل أبرز مثال هو الصراع العربي-الإسرائيلي، حيث لم تستطع الدول العربية تقديم اي موقف مؤثر في مسار مواجهة جريمة الابادة في غزة.
2- مؤشر تآكل السيادة: يهدف هذا المؤشر إلى قراءة أثر التدخلات السياسية والعسكرية والاقتصادية في تآكل سيادة الدول العربية، وفي الحد من قدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة، مما يضعها في مواقف صعبة للغاية، وربما يجبرها على التحرك في اتجاهات لا ترغب بها تحت ضغط الاتفاقات الامنية والعسكرية.
3- مؤشر الفجوة الاستراتيجية: يهدف هذا المؤشر إلى تحديد حجم الفجوة بين مصادر الثقافة وبين اتخاذ القرار السياسي، والتي تؤدي الى اتساع الهوة بين اتجاهات الرأي العام والمواقف السياسية للدولة، وهو ما نتلمسه من انفصال مشاعر الشارع العربي عن المواقف الرسمية للحكومات.
4- مؤشر القوة الناعمة: يشكل هذ المؤشر بارومترًا هامًا لتقييم تأثير الدول العربية في الساحة الدولية. هذه القوة، التي تتجاوز القوة العسكرية والاقتصادية التقليدية، وتعتمد على قدرة الدول العربية على جذب الآخرين والتأثير فيهم ثقافيا، والإصلاحات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وسمعتها الدولية، وسياساتها الخارجية الناعمة.
5- مؤشر الانقسام المذهبي: يهدف هذا المؤشر إلى قياس الدور الذي تلعبه النزاعات المذهبية في تمكين الصهيونية والدول المعادية من الاستمرار في انتهاك الاراضي العربية، حيث أضعفت التجزئة المذهبية الدول العربية. فبدلا من تلاحمها مع جبهات المقاومة، واستثمار ذلك لصالحها كورقة رابحة امام الضغوطات الخارجية، تم مخاصمتها وتصنيفها مذهبيا.
تساعد هذه المؤشرات على تلمُّس أسباب التراجع العربي، ويمكن استخدامها لصياغة السياسات، أو لتوعية الرأي العام، كما تحدد اثر كل موقف على المسار المستقبلي للامة، وتُبرز أهمية بناء مشروع موحد يجمع بين دول المنطقة ومناضليها، والسياسيين ومثقفيها، والحكومات وحركاتها الفاعلة، بحثا عن الذات وانتصارا للكرامة.