الترجمة تعمق في يومها العالمي التواصل الحضاري بين الشعوب

مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض تستعرض جهودها في ترجمة الثقافات العالمية عبر اثنتي عشرة لغة.
توفيق قريرة: لا سبيل لإلغاء العقل البشري في الترجمة وتعويضه بآلة

نيويورك (الولايات المتحدة) - تحتفي الأمم المتحدة باليوم الدولي للترجمة الذي يوافق الثلاثين من سبتمبر/أيلول من كل عام، لتعميق التواصل الحضاري بين الشعوب، وإتاحة الفرصة للإشادة بعمل المتخصصين في اللغة، الذين يقومون بدور مهم في التقريب بين الدول، وتسهيل الحوار والتفاهم والتعاون، والإسهام في التنمية وتعزيز السلام والأمن العالميين.

وبحسب مركز إعلام الأمم المتحدة، فإن نقل العمل الأدبي أو العلمي، بما في ذلك العمل الفني، من لغة إلى لغة أخرى، والترجمة المهنية، بما في ذلك الترجمة المناسبة والتفسير والمصطلحات، أمر لا غنى عنه للحفاظ على الوضوح والمناخ الإيجابي والإنتاجية في الخطاب العام الدولي والتواصل بين الأشخاص.

وبمناسبة اليوم العالمي للترجمة، تسلط مكتبة الملك عبدالعزيز العامة الضوء على جوانب من مجالات الترجمة في المكتبة بالرياض، إذ حرصت المكتبة على تفعيل هذا النشاط الكبير، ونقل المعارف الإنسانية بمختلف توجهاتها العلمية إلى الحياة الثقافية العربية، والعمل على فتح نوافذ عالمية  تقدم كل جديد إلى القراء والباحثين والدارسين.

وتضطلع مكتبة الملك عبدالعزيز بدور مهم يرسخ لحضور البعد الوطني في معايشة الثقافة العالمية، ويشير إلى ما تنهض به السعودية للتعايش مع العصر، وتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، حيث قامت المكتبة بترجمة أنواع عدة من الكتب من مختلف اللغات العالمية الرئيسة من الإنكليزية والفرنسية والألمانية والروسية والهندية والإسبانية واليابانية والصينية وغيرها من اللغات.

وتشهد حركة الترجمة في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة حراكا متميزا، حيث قامت المكتبة بترجمة العديد من الكتب التاريخية والأدبية والعلمية والثقافية إلى اللغة العربية من 12 لغة عالمية، في ما نقلت إلى عدد كبير من اللغات العالمية مجموعات كبيرة من الكتب التي تعنى بالثقافة والتاريخ السعودي والعربي والإسلامي.

وترجمت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة أكثر من مئة كتاب من مختلف اللغات العالمية، تدور حول ثلاثة مجالات الأول: ترجمة الكتب الخاصة بتاريخ المملكة العربية السعودية وسيرة الملك عبدالعزيز آل سعود، والثاني: ترجمة الكتب التي تعنى بالثقافة العربية والإسلامية، والثالث: ترجمة الكتب الأدبية والعلمية والفنية.

ومن أبرز الكتب التي ترجمتها المكتبة "الجزيرة العربية حديقة الرسامين" لتييري موجيه، "الرياض: المدينة القديمة" من تأليف وليم فيسي، "الطائف: التطور والبنية والمعمار في مدينة عربية ناهضة" لهاينز غاوبة، "ابن سعود ملك الصحراء" من تأليف Yves Besson، وكتاب "في شبه الجزيرة العربية المجهولة" لـR.E. Cheesman، و"ياباني في مكة" من تأليف تاكيشي سوزوكي و"الطريق إلى مكة" لمحمد أسد، وكتاب "في شبه الجزيرة العربية المجهولة" من تأليف آر إي تشيزمان، و"فيلبي الجزيرة العربية" لإليزابيث مونر، وكتاب "شبه "الجزيرة العربية في كتابات الرحالة الغربيين في مائة عام" لألبرخت زيمة، وكتاب "الحج إلى مكة" للمؤلفة الليدي إيفيلين كوبولد، وكتاب "شهور في ديار العرب" من تأليف العلامة مسعود عالم.

كما ترجمت كتاب "مشاهدة الحرمين الشريفين ومظاهر الحج من خلال عدسة الحاج أحمد مرزا" من تأليف الدكتور صاحب عالم الأعظمي الندوي، وكتاب "الحرمان الشريفان في ثقافة الطباعة الهندية المبكرة"، إضافة إلى كتاب "دور العالم العربي الإسلامي في نهضة الغرب: الآثار المحتملة في العلاقات التثاقفية المعاصرة" من مراجعة وتحرير الأكاديمي نايف بن رزق بن فارس الروضان، و"مسارات الرحلة والترجمة في زمن العولمة" لجيمس كليفورد، و"الإسلام: مستقبل السلفية بين الثورة والتغريب" لشارل سان برو.

ومن الكتب العلمية والثقافية التي ترجمتها المكتبة كذلك "كأس الشوكران: سقراط أثينا والبحث عن الحياة الطيبة" لبيتاني هيوز، و"التمثيل الضوئي والتنفس وتغير المناخ" من تحرير كاتي بيكلين، وجوي ك. وارد، وجوي أ. واي، و"ثقافة القهوة: التجارب المحلية، الروابط العالمية" من تأليف كاثرين .إم. تاكر، و"سعادة الإنسانِ مع الخيل" من تأليف إلمار شنتسر و"سقوط البرية" لبن إيه مينتير، وكتاب "المدير غير التقليدي" تأليف: لاريس كوليند ويعقوب بوتر، وغيرها من العناوين.

وحققت جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العامة للترجمة حضورا عالميا نوعيا، بعد مرور 18 عاما على إنشائها، حيث أقِرّت الجائزة في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2006، بمقر مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض، لتمنح الجائزة سنويا للأعمال المترجمة من اللغة العربية وإليها، لتعزيز التواصل بين الثقافة العربية والإسلامية والثقافات الأخرى، وإثراء المكتبة العربية باحتياجاتها من مصادر المعرفة التي تدعم خطط وبرامج التنمية والتعريف بالنتاج الثقافي والإبداعي والعلمي العربي على المستوى العالمي.

وعقدت الجائزة دوراتها السابقة في عواصم عالمية بدأت من الرياض ثم الدار البيضاء فباريس وبكين وبرلين وساوباولو وجنيف وطليطلة والرياض والقاهرة.

وتحرص مكتبة الملك عبدالعزيز العامة على إثراء المشهدين العربي والعالمي بمشاريع وبرامج ثقافية ومعرفية متميزة، ومد جسور ثقافية عالمية تتواءم ورؤية المملكة 2030 التي تسعى إلى ربط المشهد الثقافي السعودي بما تنتجه منجزات الثقافات والحضارات العالمية.

واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 مايو/أيار 2017، القرار 71/288 بشأن دور المتخصصين في اللغة في ربط الدول وتعزيز السلام والتفاهم والتنمية، وأعلنت يوم 30 سبتمبر/أيلول يوما دوليا للترجمة، لما لها من أهمية إستراتيجية للناس وكوكب الأرض.

ويعد تعدد اللغات عاملا أساسيا في الاتصال المنسجم بين الشعوب، كما تعتبره الجمعية العامة للأمم المتحدة قيمة أساسية للمنظمة، ومن خلال تعزيز التسامح، يضمن تعدد اللغات المشاركة الفعالة والمتزايدة للجميع في عمل المنظمة، وزيادة الفاعلية والأداء الأفضل والشفافية المحسنة.

وفي إطار إحياء اليوم العالمي للترجمة، انطلقت الاثنين بمعهد تونس للترجمة بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي، فعاليات ندوة دولية بعنوان "الترجمة ومجتمع الغد" وتتواصل هذه التظاهرة إلى غاية 1 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

وحول اختيار موضوع الترجمة ومجتمع الغد للاحتفاء بيوم الترجمة العالمي أوضح توفيق قريرة مدير عام معهد تونس للترجمة لوكالة تونس أفريقيا للأنباء أن المعهد اختار هذا الموضوع من منطلق أن مجتمع الغد الذي يطمح إليه الأفراد دائما ويستشرفونه يتطلب السفر إليه إتقان ألسن متعددة، إذ لم يعد من الممكن اليوم العيش بلسان واحد وتتنزل هذه التظاهرة في إطار السعي لأن يكون مجتمع الغد حاملا لقضايا وتطلعات الشعوب.

وبين مدير عام المعهد أن الترجمة لم تعد تهم النخب فقط وإنما تحولت إلى مركز اهتمام كل شخص يسعى إلى السفر من بلد إلى آخر، إذ تساعد في فهم الإنسان وانغماسه في الثقافات الأخرى، مضيفا أنه فضلا عن التطور التكنولوجي أصبحت الترجمة مطروحة بشكل كبير خاصة من خلال البرامج الرقمية المخصصة لذلك والتي تسعى إلى إلغاء دور الإنسان من هذه العملية، موضحا بأنه من أهداف هذه الندوة تبيان أنه لا سبيل لإلغاء العقل البشري في الترجمة وتعويضه بآلة.

وكشف قريرة عن مشروع قادم لمعهد الترجمة ينجز بالشراكة مع عدد من المؤسسات الجامعية في اختصاصات مختلفة ويتمثل في إقامة ورشات ترجمة مع الطلبة دون أن يقدم تفاصيل أكثر عن هذا المشروع.

وانطلقت أشغال الندوة بمحاضرة افتتاحية فلسفية بعنوان "الترجمة والترجمان" قدمها الأستاذ الجامعي المختص في الفلسفة عبدالعزيز العيادي، تضمنت تحليلا لفعل الترجمة وأصنافها من علمية ووصفية ومرجعية وإنتاجية وتأملية، كما تحدث عن المترجم والشروط التي يجب أن تتوفر فيه على غرار التمكن الجيد من اللغتين المترجم منها وإليها والإلمام بالسياقات الثقافية والفكرية للغات، إضافة إلى ضرورة تمتعه بقدرة تأويلية وحس نقدي، مشيرا إلى أن عملية الترجمة لا تخص المترجم وحده وإنما يتدخل فيها مجموعة من الفاعلين على غرار دور النشر ولجان التحكيم وغيرهم.

وفي مداخلته، اعتبر العيادي أن عملية ترجمة الكتب العلمية أيسر من الكتب الفلسفية والأدبية، لأنها تضم مصطلحات تقنية سبق وأن تمت ترجمتها ومتفق عليها.

وقالت صفاء شبيل عضوة اللجنة العلمية ولجنة تنظيم الندوة في تصريح لـ"وات"، إن اللجنة تلقت ترشحات حوالي 30 مقالا من عديد البلدان على غرار تونس وليبيا والأردن وايطاليا وإسبانيا وبلجيكيا وروسيا.

ويقام بمناسبة هذه الندوة العلمية معرض لإصدارات معهد تونس للترجمة وذلك ببهو المؤسسة بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي.

وأكدت الأمم المتحدة على أن هناك وعيا متزايدا بأن اللغات تقوم بدور حيوي في التنمية، وفي ضمان التنوع الثقافي والحوار بين الثقافات، وفي تحقيق التعليم الجيد للجميع وتعزيز التعاون، وبناء مجتمعات المعرفة الشاملة والحفاظ على التراث الثقافي، وفي تعبئة الإرادة السياسية لتطبيق فوائد العلم والتكنولوجيا للتنمية المستدامة.