الجيجان وماجد ونقار يتأملون شعرا الحنين وأسئلة الروح والحياة

الأمسية تشكل أولى الفعاليات في البيت بعد افتتاحه مقره الجديد.

في أولى أمسيات "بيت الشعر" في الشارقة بمقره الجديد، بعد افتتاحه، وضمن فعاليات منتدى الثلاثاء، بحضور سعادة عبدالله بن محمد العويس، رئيس دائرة الثقافة، والشاعر محمد عبدالله البريكي، مدير بيت الشعر، وجمهور غفير من محبي الشّعر من مختلف أنحاء الإمارات، منهم نقاد وأكاديميون وشعراء، الذين تفاعلوا مع الأجواء والقصائد التي ألقيت على المسرح، وترددت أصداؤها في المكان.

شارك في الأمسية الشعراء: سليمان الجيجان، عبد الله ماجد، وأماني نقار، وأدارت مفردات الأمسية رقية الجيلاني، حيث بدأت الأمسية بكلمة قدمت الشكر فيها إلى صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على هديته القيمة للمشهد الثقافي والمتمثلة في مقر بيت الشعر الجديد، كما أشادت بدور الشارقة التي "حَملتْ على عاتِقَها رسالةَ الثقافةِ والفِكرِ في العالمِ العربيِّ. الشارقةِ، التي استحَقَّتْ بِجدارةٍ لَقبَ عاصِمةِ الثقافَةِ العربيّةِ والإسلامية بجدارة".

 القراءات الأولى أفتتحها الشاعر سليمان الجيجان، الذي قرأ نصوصا غاصت في أرواح الشعراء، وسبرت تحولاتها وتماهيها مع الشعر، وتعبها الإنساني الذي يقطع مسافات الخيال والكتابة والجمال، يقول في قصيدة له:

"أرِحنا يا مِدادُ بها قَلِيلا

حرُوفاً أُشرِبَت معنىً أصيلا

وأطلق للخيالِ عِنانَ شعرٍ

ليَعلُو في مسامِعِنا صهيلا

فما أبقَت لنا الأَوجاعُ إلَّا

خيالاً من بقَايَانَا هزيلا

أنا وطَنٌ وأحمِلُ في سمائِي

جمالاً باتَ في المنفى قتِيلا

وقرأ أيضا نصا مفعما بمشاعر الحنين والاشتياق، صاغه في صور بلاغية أصيلة، تستلهم أجواءها من عيون القصائد العربية، وتستحضر صيغها وأغراضها، نقتطف منها:

"ألا ليتَ شعرِي يطرُقُ البابَ حرفُهُ

و يا لَيتَ لي نحوَ الأحِبَّةِ هادِيا

فكَم ليلَةٍ أزجَيتُ هجرَ تُرابها

ففِيها تعَلَّق واستَهامَ فؤَادِيا

ألا أيها الوادِي الّذِي باتَ روضُهُ

هما لِيلَ، للأنواء أمست نوادِيا

أرى جذوةَ الأشواقِ فِيّا تسَعَّرَت

منَ البُعدِ حتّى أصبَحَ الشَّوقُ حادِيا

بيت الشعر بالشارقة
الفعالية حضرها عبدالله العويس ومحمد البريكي

الشاعر عبدالله ماجد، حيث هذه أولى أمسياته الشعرية، استطاع أن يسجل حضوره الفاعل على المنصة بنصوصه العالية، وأدائه الجميل، وقرأ نصوصا موحية، سافرت بالحاضرين بين غابات الإيحاء والبلاغة والجمال، ففي نص "موقف الفحوى"، يستحضر سيلا من الدلالات التي وظفها ضمن صور متناغمة الانسياب، تحيل إلى الرؤى والشعر والذات،  يقول فيها:

"أوْقَفْتَني خارجَ الفَحْوى فكيفَ أَرَى؟

أنا الذي أَوْثَقَ الأشياءَ والصُّوَرَا

وقالَ للنَّرْدِ: في عيْنَيَّ مُتَّسَعٌ

لِما تُريدُ كأنّي أَخْدَعُ البَصَرَا

لي مِن رؤايَ هَباءٌ لا انتهاءَ لَهُ

ومِن هبائكَ قلبي يَحْلِبُ المطَرَا

رأيتُ فيما يَرى النعناعُ كَيْفَ دَمِي

يَسيلُ في النَّهْرِ حتّى جَفَّفَ النَّهَرَا".

واستلهم ألوانا من أسئلة الشاعر والروح ومن طرق البحث عن المعنى، ليرسم بها رؤاه الشعرية في نص آخر جميل، نقتطف منه:

"متى النهايةُ؟ -  مهما قلتُ، نائيَةٌ

عن الفَتَى وطريقُ الحُزْنِ مُطَّرِدُ

أُعِيذُها مِنْهُ، مِن أعباءِ فِكرَتِهِ

عن الوصولِ، مِنَ الجوعِ الذي يَجِدُ

أُفَرِّقُ الحَشْدَ كي أُصْغي إلى مَطَرٍ

في ضِفَّتَيْهِ وبالأسرارِ أَحْتَشِدُ

وقَدْ نَسيرُ سَوِيًّا مَدَّ لي قَلَقِي

مسافةَ القَيْدِ حتى يَنْعَسَ الأَبَدُ

الشاعرة أماني نقار، افتتحت قراءتها بأبيات أهدتها إلى الشارقة وبيتها الشعري، فقالت:

"من موطن العز دارِ العلمِ من حلبٍ

 إلى الثقافة قد أشرَقتُ للآتي

أذوب في الشعر والأشعار ملءَ فمي

وصانعُ الحرفِ بيتُ الشعرِ بالذاتِ

بيتٌ بشارقة الأحلامِ يجذبُني

إلى حقولٍ بها قد أينعت ذاتي".

ثم قرأت قصيدة "عصفور وبندقية" جسدت فيها ألم الوداع، ومعاناة الاغتراب والفراق، نطالع منها:

"حُزنٌ عظيمٌ عندَ حَزمِ الأمْتِعَةْ

أنْ تُرجِعَ العُصفورَ، لا لن تُرْجِعَهْ

يا مَنْ تَرى القُضْبانَ مَحْضَ حَواجزٍ

لا تسألِ المَحْبوسَ عَمَّا أوْجَعَهْ

والصَّمتُ سادَ، وفي السُّكوتِ مَنافعٌ

في صَمْتِه العُصفورُ يَلقى مَنْفَعَةْ

دَعْني أغرِّدْ دونَ أيِّ لَجاجةٍ

صَوتي الجَميلُ بقسوةٍ لَنْ تَسْمَعَهْ".

وفي ختام الأمسية، كرّم عبدالله العويس المشاركين، بحضور الشاعر محمد البريكي.