السجادة الحمراء في مراكش السينمائي استحقاق فني أم ترضيات وأجندات؟
مراكش (المغرب) - تعد السجادة الحمراء في المهرجانات السينمائية الكبرى رمزا بارزا للاحتفاء والاعتراف بجهود المبدعين السينمائيين، وهي تقليد عالمي يمنح إشعاعا خاصا للمهرجان، حيث تمثّل نقطة لقاء بين الفنانين والصحفيين والجمهور، كما تعتبر مساحة لإبرز النجاحات السينمائية البارزة التي تستحق التقدير، بينما في المهرجان الدولي لفيلم مراكش يطفو على السطح جدل متكرر حول طبيعة المرور فوق هذه السجادة ،خاصة مع ظهور فنانين مغاربة على السجادة الحمراء دون أن تكون لهم مشاركات فعلية في الأفلام المعروضة أو المُكرمة داخل المهرجان.
هذا الأمر يثير تساؤلات عميقة حول المعايير التي تحدد من يحق له المرور على هذه السجادة، وهل يتم احترام قيمتها الرمزية أم أنها تستغل لأغراض ترويجية أو لتلميع صورة المهرجان بملء الفراغات الناتجة عن نقص التمثيل المحلي؟ إذا كانت السجادة الحمراء تمثل اعترافًا بالإنجاز والإبداع، فكيف يمكن أن نبرِر مرور من ليس له أي مساهمة بارزة في محتوى المهرجان؟
يعكس هذا الجدل قضايا أعمق تتعلق بالدور الحقيقي الذي يجب أن تلعبه السجادة الحمراء في مهرجانات السينما، فهل هي منصة تكريم تقتصر على أصحاب الإنجازات السينمائية أم أنها واجهة احتفالية مفتوحة أمام الجميع؟ وأين يقف مهرجان مراكش بين الحفاظ على التقاليد العالمية وتقديم محتوى يعبر عن خصوصية الثقافة المغربية؟ هذه الإشكاليات تضعنا أمام تساؤل أكبر حول كيفية تحقيق التوازن بين الاحتفاء بالإنجازات السينمائية الحقيقية وتعزيز الحضور الثقافي الوطني بمصداقية واستحقاق.
ولا يقتصر الجدل حول السجادة الحمراء على حضور فنانين بدون مساهمات فعلية، بل يتعداه إلى استغلالها كمنصة للترويج لأفكار تتنافى مع القيم الثقافية المغربية، كالترويج للمثلية الجنسية من خلال الملابس الجريئة التي يرتديها بعض المشاركين أو المشاهد السينمائية التي تعرض داخل المهرجان، فمثل هذه الممارسات تثير استياء الجمهور المغربي، الذي يرى في المهرجان فرصة للاحتفاء بالهوية الثقافية الوطنية، وليس للترويج لصور أو أفكار مستوردة لا تمت بصلة إلى واقع المجتمع وقيمه، وهذه التصرفات لا تؤثر فقط على مصداقية المهرجان بل تثير تساؤلات حول مدى احترام المنظمين للخصوصية الثقافية التي يفترض أن تكون في صلب أي تظاهرة سينمائية مغربية.
رغم أن مهرجان مراكش الدولي للفيلم يقام على أرض المغرب ويفترض أن يكون احتفالًا بالسينما المغربية وروادها، إلا أن العديد من السينمائيين المغاربة يجدون أنفسهم مُهمشين ومستبعدين من فعالياته، ففي دوراته السابقة اشتكى العديد من المبدعين المغاربة من المعاملة القاسية التي تلقوها، سواء من حيث الإقصاء من حضور فعاليات المهرجان أو التجاهل التام لإنجازاتهم السينمائية، وهذا الوضع أدى إلى شعور بعض السينمائيين المغاربة بأن المهرجان ليس موجها لهم، بل أشبه بفعالية ذات طابع فرنسي تُقام على أرض مغربية، حيث يستخدم المغاربة فقط لتأثيث المشهد وضمان الحضور الكمي دون اعتراف حقيقي بمساهماتهم.
ويتجلى هذا الإقصاء في ضعف تمثيل الأفلام المغربية في المسابقات الرئيسية للمهرجان، حيث تُخصص معظم العروض المغربية لقسم البانوراما فقط، بينما تغيب تمامًا عن أقسام المسابقات الكبرى، وهذا التوجه يعكس تقليلًا ضمنيًا من قيمة الإنتاج المغربي، بينما الطريقة المهينة التي يعامل بها الجمهور المغربي، خاصة من قبل حراس الأمن الذين يفرضون قيودًا صارمة على دخول المغاربة الذين لا يحملون بطاقات الولوج، وهذا الوضع الذي يتكرر في كل دورة أصبح وصمة عار تلاحق المهرجان وتؤكد على الفجوة بينه وبين الجمهور المحلي.
فجوة بينه وبين الجمهور المحلي
إن استمرار هذه السياسة الإقصائية والمعاملة التمييزية يهدد بفقدان المهرجان لمصداقيته، ليس فقط محليًا ولكن على الصعيد الدولي أيضا، فالمهرجانات السينمائية الكبرى تُقيم نجاحها على قدرتها على تحقيق شمولية ثقافية وتكريم كل من يساهم في تطوير السينما، خاصة على المستوى الوطني، إذا أراد مهرجان مراكش أن يرسخ مكانته كأحد أهم المهرجانات السينمائية في العالم، فلا بد أن يراجع توجهاته بشكل جذري ويضمن مشاركة عادلة وحضورًا يليق برواد السينما المغربية، مع احترام الجمهور المحلي الذي يعد العمود الفقري لأي فعالية ثقافية.
ويتمثل التحدي الأكبر الذي يواجه مهرجان مراكش في تحقيق توازن بين الحفاظ على التقاليد العالمية للسجادة الحمراء وبين تعزيز الهوية الثقافية المغربية، ففي الوقت الذي تحمل فيه السينما العالمية قيمًا متنوعة، ينبغي أن يسعى المهرجان إلى تقديم محتوى يعكس عمق الثقافة المغربية ويروج للإبداع الوطني، بدلا من الانسياق وراء قيم أو تصورات مستوردة، إذ تكمن قوة المهرجان في خصوصيته الثقافية التي تميزه عن غيره، وبالتالي فإن تعزيز هذه الخصوصية يعد الخطوة الأهم للحفاظ على مصداقيته وجعله حدثًا سينمائيًا ذا وزن على المستوى العالمي.
ومن المفارقات المؤسفة أن يقبل العديد من رواد السينما المغربية بحضور مهرجان لا يحترمهم بالشكل الذي يستحقونه، بل يستخدمهم فقط كأداة لتأثيث الفضاء وإضفاء الطابع المحلي على فعالية يهيمن عليها الطابع الأجنبي، رغم مساهماتهم الكبيرة في تطوير السينما الوطنية، كما انه نادرا ما يتم ذكر إنجازات هؤلاء الرواد في المهرجان وغالبا ما يتم تجاهلهم تمامًا إلا بعد وفاتهم، وكأن الاعتراف بهم لا يستحق الحياة، وهذا التجاهل الممنهج يعكس أزمة عميقة في علاقة المهرجان برواد السينما المغربية، الذين يفترض أن يكونوا القلب النابض له، لكنه بدلً من ذلك يكتفي باستثمار حضورهم كديكور يعطي الحدث مظهرا زائفًا من الاحتفاء المحلي.
ويمكن تفسير قبول هؤلاء الرواد بهذا الوضع بحبهم العميق للسينما وإيمانهم بضرورة التواجد مهما كانت الظروف أو التباهي بالملابس و حب الظهور، بينما في الحقيقة هذا التوجه يساهم في ترسيخ سياسة الإقصاء واللامبالاة تجاههم، فكيف تتظاهر بالنجومية بدون أن يكون لك فيلم مشارك؟ وكيف تسمح لنفسك بالافتخار بمرورك فوق السجادة الحمراء المخصصة للنجوم المشاركين وليس المارة من هنا وهناك؟ ولمن تخصص السجادات الحمراء هل لنجوم السينما أم لنجوم التلفزيون؟ لصناع الافلام أم لرواد الاعلام؟ وهلم جرا من الأسئلة.