ثقافة الاستعراض تسرق تكريمات مستحقة من رواد الفن المغربي

تظاهرات توزيع الجوائز الفنية تتحول من نهج الاعتراف للترويج والشهرة المؤقتة.

الرباط - يعرف المشهد الفني المغربي تناقضًا صارخًا بين الشعارات التي ترفعها فعاليات توزيع الجوائز الفنية، وبين الممارسات الفعلية التي تشهدها هذه الأحداث، إذ تنظم هذه الفعاليات بهدف تكريم الرواد وصناع الفنون الذين ساهموا في بناء الهوية الثقافية والفنية المغربية، إلا أن هذا الهدف يبدو بعيد المنال في ظل السياسات المتبعة، اذ تقام حفلات توزع فيها جوائز رمزية على المبدعين الحقيقيين، لكنها تفشل في التعبير عن حجم إنجازاتهم التاريخية ودورهم الريادي في صناعة السينما والتلفزيون، فتتحول هذه الأنشطة إلى استعراضات إعلامية، حيث يتم التركيز على المظاهر بدلاً من المضمون، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى التزام هذه الفعاليات برسالتها المعلنة.

توجه الجمعيات التي تنظم هذه الحفلات الدعم المالي والإعلامي بشكل لا يخدم الهدف الأساسي لهذه الفعاليات، وهو الاحتفاء بالإبداع، إذ تتلقى هذه الجمعيات ميزانيات ضخمة من جهات حكومية وشركات خاصة تحت مبرر تعزيز الثقافة والفن المغربيين، لكنها تنفق هذه الأموال في الجوانب السطحية التي لا تعود بالنفع على المحتوى الفني فيتم استثمار جزء كبير من هذه الميزانيات في تجهيز ديكورات فاخرة ودعوة شخصيات مؤثرة إعلاميًا والترويج الإعلامي المكثف، بينما تهمل الجوائز نفسها التي تخصص بشكل رمزي ولا تعبّر عن قيمة الإبداع الحقيقي، بينما المنطقي  هو استغلال هذا الدعم لإبراز الفن الراقي والاحتفاء بالمبدعين الذين أثروا الساحة الفنية لعقود وليس العكس.

تهمش هذه الفعاليات رواد السينما والتلفزيون الأوائل الذين قدموا أعمالاً أثرت المشهد الفني وأسست لثقافة فنية مغربية أصيلة، وشكلوا الهوية الفنية المغربية من خلال أعمال تعد علامات فارقة في تاريخ السينما والتلفزيون المحلية، في حين يجدون أنفسهم في موقع التهميش خلال هذه الفعاليات، وتخصص لهم جوائز رمزية بالكاد تبرز التقدير اللازم لمسيرتهم الحافلة بالعطاء ويغيب ذكر أسمائهم وقصص نجاحاتهم في التغطيات الإعلامية، التي تركز بدلا من ذلك على الشخصيات الحديثة التي تحظى بمتابعات واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، ويعمق هذا التهميش من الإحساس بالخذلان لدى الرواد الذين يستحقون التكريم الحقيقي والاحتفاء بمسيراتهم الطويلة.

استغلال الشهرة الإعلامية على حساب الإبداع الحقيقي

ويتصدر المشهد في هذه الفعاليات تكريم الشخصيات الأكثر متابعة على مواقع التواصل الاجتماعي عوض المؤسسون، في مناسبات تعكس استغلال الشهرة الإعلامية على حساب الإبداع الحقيقي، فبينما يقدم هؤلاء الأشخاص كنجوم الحدث، يكاد تاريخهم الفني يكون خاليًا من الإنجازات، ثم تمنحهم جوائز ومزايا تفوق ما يقدم للرواد الحقيقيين، وهذا يدل على  انحيا نحو الجوانب التجارية والترويجية، فتتحول الحفلات إلى منصات للاستهلاك الإعلامي بدلًا من أن تكون مناسبة للاحتفاء بالقيم الفنية، ويفقد هذا النهج الجوائز قيمتها الرمزية، ويعمل على تشويه صورة الفن المغربي، حيث يتم تقديم الشهرة المؤقتة كمعيار أساسي للنجاح والتكريم.

ويجسد نكران الجميل في مجال الفنون الدرامية والسمعية البصرية بالمغرب أزمة أخلاقية وثقافية حقيقية، فيجد الرواد الذين قدموا سنوات طويلة من العمل والإبداع، أنفسهم مهملين وغير معترف بفضلهم في مرحلة حياتهم التي يكونون فيها بأمس الحاجة إلى التقدير، ويتركون لمصيرهم دون أي دعم معنوي أو مادي يعكس مكانتهم، بينما توجه الموارد لتكريم شخصيات جديدة دون أي اعتبار لإسهاماتهم الفنية، وهذا الواقع حقيقة يبرز غيابا شبه تام لثقافة الاعتراف والوفاء تجاه من ساهموا في بناء هذا المجال الفني، فيصبح من الضروري إعادة النظر في طريقة تنظيم هذه الفعاليات، لضمان تحقيق توازن عادل بين الاحتفاء بالمبدعين الحقيقيين واستثمار الدعم في تطوير المجال الفني بطريقة تحترم القيم الثقافية والفنية للمجتمع المغربي.