'الدشاش' ميلودراما سينمائية تبرز صراع حب المال ونقاء الروح

الممثل المصري محمد سعد ينجح في تقديم شخصية جديدة لا تشبه نمطية 'اللمبي'.

الرباط -يحكي فيلم "الدشاش" للمخرج المصري سامح عبدالعزيز قصة إنسانية عن شخص خارج عن القانون يسعى للتغيير وبدء حياة جديدة بعد سلسلة من الصراعات النفسية والعائلية والاجتماعية التي تجبره على مواجهة ماضيه، فتنطلق الأحداث في إطار درامي مليء بالمواقف التي تمزج بين الميلودراما الاجتماعية ذات القيم الإنسانية.

والعمل من سيناريو جوزيف، وبطولة كل من محمد سعد وزينة وباسم سمرة ونسرين أمين وخالد الصاوي ونسرين طافش.

تبرز قصة فيلم "الدشاش" فكرة مألوفة ومتكررة في الدراما الإنسانية، وهي أن المال الوفير غالبا ما يصبح مصدرا للصراع والفساد، وتأثير الثروة المفرطة على العلاقات الإنسانية، حيث تتفاقم مشاعر الحسد بين الأقارب والأصدقاء وتتحول إلى طمع يؤدي إلى خيانة عائلية واجتماعية مدمرة، وهذا الطرح يظهر أن المال لا يضمن السعادة أو الاستقرار كما في افتتاحية الفيلم التي تبين اعتكاف شخصية "الدشاش" في المسجد مستغنيا عن ماله وعائلته و أصدقائه الخونة، وهذه  الخيانة تصبح سببا رئيسيا لتفكك القيم والروابط الإنسانية، ومعرفة هشاشة العلاقات التي تعتمد على المصالح المادية فقط.

ويعيد السيناريو فيلم "الدشاش" إلى الواجهة فكرة التوبة بوصفها نتيجة للتأمل في الحياة بعد المرض أو مواجهة الموت، فشخصية " الدشاش" الرئيسية كانت تنغمس في الإجرام والطمع والشراهة، فتجد نفسها في النهاية مضطرة إلى مواجهة عواقب أفعالها، حيث يصبح المرض نقطة تحول في حياتها، بينما يدفعها إلى الندم والاعتراف بالخطأ رغم أن فكرة المرض المزيف يكون اختبارا قويا في دفع حركة الفيلم الى الامام، فمشهد سقوط " الدشاش" أرضا بسبب فقدانه للوعي المتكرر، كان المشهد الذي كسر الاستقرار و دفع بيقاع الاحداث الى مستوى مشوق، وهذه الفكرة  تركزعلى الجانب الإنساني لتغيير  النفوس، حيث يقود الضعف الجسدي والنفسي إلى مراجعة الماضي والبحث عن الخلاص الروحي، و يعيد مفهوم التوبة التي تكون  غالبا طريقًا لإعادة بناء الذات، حتى بعد حياة مليئة بالأخطاء.

تخلق الاماكن التي جرت فيها أحداث فيلم "الدشاش" صراع رمزي بين عالمين متناقضين: الكباريه الذي يرمز الفساد والانغماس في الملذات مثل الخمور والنساء، والمسجد البسيط الذي يمثل الهدوء والتوازن الروحي، وهذه التناقضات غالبا تخلق صراعا نفسيا في القصة بين القيم المادية والقيم الروحية، فيصبح الكباريه رمزا للحياة الفاسدة التي تقود إلى الهاوية، في حين يرمز المسجد إلى الطهارة والسكينة، فالرجل المسن شيخ  المسجد الذي يرضى بالقليل ويركز على أداء الصلاة في وقتها، يقف كصورة مضادة للشخصيات التي تغرق في الطمع والفساد، وهذا أهم ما منح أحداث الفيلم بعدا واقعيا حول الخيارات الأخلاقية وتأثيرها على حياة الإنسان.

ويعتمد  السرد السينمائي على أسلوب الميلودراما، خاصة في مشاهد وضع مادة في الشراب تسبب فقدان الوعي لـ"الدشاش"، إذ تمت المبالغة في تصوير هذه المشاعر والصراعات لإثارة تعاطف الجمهور وإشراكه عاطفيا في الأحداث كونه معقول في زمننا هذا، ويظهر ذلك من خلال تصعيد درامي مكثف للصراعات التي تنشب بين "الدشاش" وعائلته واصدقائه، و التركيز  على التحولات المفاجئة في حياة  البطل وعلاقته بين عائلته القروية و بين عائلته العصرية، وبين المرض والندم والتوبة، والطمع والخيانة من جهة اخرى، وهذا يخلق تأثير الرسائل الأخلاقية الشعبية البسيطة التي يحملها الفيلم، ويجعل الاحداث أقرب إلى الجمهور ويتيح لهم التواصل مع مشاعرهم وتجاربهم الشخصية، رغم بساطة الفكرة وتكرارها في السياقات الدرامية.

تميز السيناريو بإيقاع زمني مركز ومكثف، حيث تم تقديم الأحداث بشكل سريع ومتلاحق دون ترك مساحة للشعور بالملل، إذ اختصر العمل المقدمات الطويلة وركز على إيصال الصراع الأساسي مباشرة باستعمال تقنية الفلاش باك للسرد القريب الذي يجعل المشاهد ينخرط سريعا في تفاصيل القصة، ولم يترك للجمهور وقت طويل لانتظار تصاعد الحبكة، فتم تقديم خط الانتقام من الخيانة منذ البداية وبشكل واضح، وهذا التوجه الإيقاعي يبرز ذكاء ترتيب اللقطات والمشاهد في السرد، إذ يوازن بين تسارع الأحداث وحبك التفاصيل، وهذا في القاعات السينمائية يحافظ على اهتمام المشاهد طوال مدة الفيلم ويجعله متشوقا لمعرفة ما سيحدث لاحقا.

و يعتبر أداء محمد سعد  من أبرز نقاط القوة في الفيلم، فهو جسد شخصية جديدة ومغايرة تمامًا لما اعتاد الجمهور مشاهدته منه، بعيدا عن النمطية المرتبطة بشخصية "اللمبي"، وهذا التغيير كان بمثابة ولادة فنية جديدة له،  كما أظهر قدرات تمثيلية مختلفة أثبتت أنه قادر على تقديم أدوار جدية وعميقة، بينما الشخصيات الاخرى كانت منسجمة و متعاونة مثل الممثلة زينة وباسم سمرة، إذ قدما أداء متوازنا أضاف خفة على المشاهد القاسية، كما أن نسرين أمين وخالد الصاوي ونسرين طافش ومريم الجندي نجحوا في تقديم شخصيات ثانوية شريرة مكملة، ساهمت أدوارهما في خلق الحدث الاكبر الذي غير ايقاع الفيلم.

ويعتمد المخرج سامح عبدالعزيز في أسلوبه الإخراجي على اللقطات المتوسطة والقريبة جدًا خاصة تلك التي تركز على ملامح شخصية الدشاش وبين ملامح موجوه من خانوه، وهذا عادة معقول لأنه يتيح للمشاهد الشعور بالقرب من الشخصيات وفهم مشاكلها النفسية، كما استخدم زوايا التصوير العلوية والسفلية سواء في مشاهد الكابريه او في مشاهد فيلا الدشاش أو في ابراز جمالية المسجد البسيطة، وهذه التقنيات استخدمها المخرج ليرسّخ التناقضات الاجتماعية والنفسية التي تشهدا حياة الدشاش، وهذا التناغم بين اختيار الزوايا واللقطات لا يجعل الصورة النهائية زحمة، ويخلق تكوين لقطات مريح في التلقي.