نهاية مأساوية لأعظم قادة العصر في 'بوتين'

المخرج البولندي باتريك فيغا يوظف الذكاء الاصطناعي لتجسيد قصة حياة الرئيس الروسي، في عمل يبدو دعائيا تشويهيا أكثر منه تحليلا متوازنا لشخصية سياسية معقدة.

الرباط- تدور أحداث فيلم "بوتين" للمخرج البولندي باتريك فيغا حول شخصية سياسية قوية تكشف الجوانب المتناقضة للطاغية ذي اليد الحديدية والرجل الملاحَق بالخوف. الفيلم من سيناريو باتريك فيغا وبطولة كل من تومش ديديكا، جوستينا كارلوفسكا، وتوماس كريتشمان.

يبدأ الفيلم بصدمة بصرية وزمنية  حينما بدأ المخرج باتريك فيغا بتقنية الفلاش فورورد  ليضع المشاهد في عام 2026، فيبين بوتين في حالة ضعف غير مسبوقة ومن منظور ساخر ومبالغ فيه، ليخلق صورة تهكمية لحاكم لطالما ارتبط بالسلطة المطلقة، فينتقل السرد إلى استعراض محطات مهمة من حياة بوتين، لكن بأسلوب مشتت يفتقر إلى التماسك الزمني، خاصة عندما يقفز السيناريو بين طفولته المضطربة في لينينغراد، وفترة عمله في الاستخبارات السوفيتية، وصعوده إلى السلطة، بطريقة تجعل الأحداث تبدو وكأنها مقتطفات غير مترابطة، وهذا التناول السردي يضعف البناء الدرامي ويجعل من الصعب على المشاهدين تتبع تطور الشخصية، كما أن محاولة المخرج المبالغة في بعض الشخصيات الثانوية، مثل سامييل وليجيون، لم تضف قيمة حقيقية، بل جعلت الحبكة تبدو مشوشة وغير واضحة الهدف.

وركز متتاليات المشاهد على الجانب السياسي والجرائم المنسوبة إلى بوتين، في حين نسي بعض الجوانب الأساسية مثل دور الأوليغارشية الروسية وتأثيرها على سياسات بوتين، بينما يسهب في تصوير عمليات الاغتيال والمؤامرات، ويغفل عن تحليل كيفية بناء نظامه السياسي وتطويعه للمؤسسات لصالح بقائه في السلطة، وهذه الانتقائية تجعل الفيلم يبدو كعمل دعائي تشويهي أكثر منه تحليلا متوازنا لشخصية سياسية معقدة، ورغم محاولاته الجريئة في طرح بعض القضايا،  فإن هناك ثغرات تكمن في غياب البعد الاقتصادي والاجتماعي يقلل من شمولية الطرح.

ويعتمد فيغا على أسلوب قريب من إنتاجات التسعينيات، إذا ركز في الاضاءة وطريقة التصوير  ونجد أن تكوين اللقطات يغلب عليه طابع قاتم وألوان باهتة تشبه أفلام الجاسوسية الروسية القديمة، وهذه الاختيارات الجمالية قد تكون محاولة لخلق أجواء تناسب طبيعة القصة، لكنها تفشل في تقديم تجربة سينمائية متجددة خاصة وأن بوتين رجل كلاسيكي وعصري، وهناك بعض المشاهد الوثائقية أُدخلت بشكل غير متجانس تبرز بوتين الحقيقي في حفلات الولاء، بينما  اللقطات المصورة التي تتناول حياة بوتين الشخصية تبدو سطحية، كلحظات عابرة، مثل مشهد طلاقه أو ممارسته لرياضة الجودو، دون تقديم سياق عاطفي يوضح عقلية الرجل الماكرة .

ويعاني الفيلم من مشكلتين رئيسيتين تجعلان من الصعب اعتباره عملًا سينمائيا متكاملا، عندما تكشف تقنية الذكاء الاصطناعي المستخدمة لإظهار شخصية بوتين عن طابع مصطنع يشبه الروبوت في حركاته، إذ يفشل الوجه الرقمي في محاكاة التعابير الطبيعية، فنشاهده كقناع جامد يفتقر للحيوية، وتفشل هذه التقنية في ضبط تناسق الجسد مع ملامح الوجه، فنبرى الحركات غير متناسقة، تولد شعورا بعدم الارتياح لدى المشاهد، حتى مع محاكاة المشية وتعابير الوجه، يظل الأداء الرقمي أقل إقناعا من أداء ممثل متمكن قادر على تجسيد الشخصية بعمق وحرفية. 

وتظهر الفوضوية في السرد الزمني كعائق آخر أمام نجاح الفيلم، فإيقاع الأحداث يفتقد إلى الترابط الدرامي المحكم، والكرونولوجيا تخفق في تقديم تطور منطقي لحياة بوتين، جعلت المشاهد يشعر بأنه يتابع مقاطع منفصلة تحتاج بناء متماسكا، ثم تتنقل الأحداث بشكل متخبط بين الأزمنة دون تمهيد واضح، وهذا يضعف التأثير الدرامي ويجعل القصة أقرب إلى تقرير وثائقي مبعثر بدلا من عمل سينمائي مترابط، بينما يحاول الفيلم أن يكون تجربة بصرية وتقنية غير مسبوقة، لكنه يسقط في فخ ضعف الأداء الرقمي وتشتت السرد، يعجز عن تحقيق التوازن بين الشكل والمضمون، و الاسوأ  أن يترك انطباعا بأن المشاهد يراقب محاكاة رقمية غير مريحة رغم أن شخصية بوتين تحتاج عملا رصينا وقويا.

نأخذ على سبيل المثال بداية الفيلم في سنة متقدمة أي استعمال تقنية الفلاش فورورد 2026، تبين الرئيس الروسي في حالة مرض مميت، غير قادر على التحكم في أطرافه أو السيطرة على جسده، كرسالة عن تدهور صحته كليا، ويبرز هذا المشهد بداية قوية تحمل طابعا سوداويا، وتطرح سؤال محوريا: هل هذه بداية تلميح مكشوف إلى نهاية قريبة لروسيا كدولة كبرى تحت حكم بوتين؟ أم أنه مجرد فيلم عابر يرسم صورة مستقبلية سوداوية؟ فالفوضى التي تعصف بروسيا سياسيا واقتصاديا واجتماعيًا في هذا المدخل، تجعل من الصعب تجاهل الرسائل المباشرة التي يراد منها الإيحاء بزوال النظام الروسي الحالي.

وما يثير الاستفهام أيضا هو طريقة تناول الأفلام السير ذاتية الخاصة بالزعماء السياسيين، حينما نجد أنها عادة ما تظهرهم في إطار الطغيان والقتل والخداع والمكر للوصول إلى السلطة، وهو ما يتناقض مع أفلام أخرى مثل "أبراهام لينكولن" و"غاندي"، التي تبين الشخصيات أكثر إنسانية، مع التركيز على مبادئ النضال من أجل الحرية والعدالة، بينما يبرز فيلم "بوتين" مثلا مسارا حافلا بالعنف والتلاعب الانتخابي، وهذه نظرة نقدية متشددة تجاه الشخصيات السياسية التي تتولى زمام السلطة من خلال ممارسات قمعية، وهذه الصورة السينمائية تظهر وكأنها تغذي الصورة السلبية التي كثيرا ما يتم رسمها عن هؤلاء الحكام، وتجعل السؤال قائما حول مدى مصداقية هذه الأعمال في تقديم صورة واقعية عن التاريخ السياسي.