شركات الانتاج تحتكر وجوه رمضان والممثل المغربي متهم بريء
الرباط - أثارت دراما رمضان 2025 جدلًا واسعًا في الأوساط الفنية المغربية، حيث وُجهت اتهامات لعدد من الممثلين باحتكار الأدوار الرئيسية في عدة مسلسلات رمضانية. ويرى البعض أن هذا الاحتكار يتجسد في تكرار ظهور الأسماء نفسها في الأعمال التي تتنافس على شاشات التلفزيون خلال الشهر الفضيل. ومن بين هذه الأعمال، مسلسل "الدم المشروك" و"يوم ملقاك" و"الشرقي والغربي"، إلى جانب مسلسلات أخرى وسيتكومات مثل "مبروك علينا" و"ولاد إيزة 2".
بينما يعتبر البعض أن هذا التكرار يمنح الممثلين فرصة للتألق وتقديم أدوار متنوعة، يرى آخرون أنه يحدّ من فرص المواهب الصاعدة لإثبات نفسها داخل الساحة الفنية المغربية. لكن هل الممثل هو المتهم حقًا؟ أم أن شركات الإنتاج هي من تتحكم في ذلك؟ أم أن بعض المخرجين يفضلون العمل مع فرق اعتادوا عليها لسهولة التعامل؟
عند الحديث عن الممثلين الذين يسيطرون على المشهد الدرامي المغربي، تبرز أسماء مثل رفيق بوبكر، عزيز الحطاب، ماجدولين الإدريسي، دنيا بوطازوت، طارق البخاري، سلوى زرهان، أمين الناجي، عزيز داداس وغيرهم، الذين يظهرون بشكل متكرر في الأعمال الرمضانية. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل حقيقة أن هؤلاء مجرد ممثلين يتم التعاقد معهم للعمل في مهنة يعتمدون عليها كمصدر رزق. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هؤلاء الممثلون يتحكمون فعلًا في اختيار أدوارهم؟
الإجابة ببساطة هي لا. فمعظم هؤلاء النجوم لا يحددون اختياراتهم بأنفسهم، بل يتعاملون مع شركات الإنتاج وصُنّاع القرار في القطاع الفني، الذين يملكون اليد العليا في تحديد "الكاستينغ" وتوزيع الأدوار. إذن، لماذا يتم اتهام هؤلاء الممثلين وكأنهم هم من يتحكمون في هذا النظام؟
في الواقع، المنتجون والمخرجون هم المسؤولون عن تحديد الأسماء التي تظهر في الأعمال الفنية، وذلك بناءً على عوامل متعددة مثل شهرة الممثل، جماهيريته، وملاءمته للشخصيات التي يتم تصميمها في النصوص الدرامية. هذه العوامل تؤدي إلى تكرار ظهور نفس الوجوه في عدة أعمال، حتى لو كانت المواضيع والأنماط الفنية مختلفة.
لكن تحميل الممثلين مسؤولية هذا "الاحتكار" ليس منصفًا، فهم يسعون لتقديم أفضل ما لديهم في كل دور، بحكم أنها مهنتهم ومصدر دخلهم. المسؤولية الحقيقية تقع على المنتجين والمخرجين الذين يتحكمون في صناعة الدراما ويختارون الممثلين بناءً على معايير تسويقية وتجارية بحتة. فالممثل الذي يمتلك قاعدة جماهيرية واسعة يكون خيارًا جذابًا للمنتج والمخرج لضمان النجاح التجاري والجماهيري للعمل. وبالتالي، فإن تكرار ظهور نفس الوجوه هو نتيجة لاستراتيجيات تسويقية تهدف إلى تحقيق أعلى نسب مشاهدة وجذب أكبر عدد من المتابعين.
هذا الوضع يثير تساؤلات حول فرص الممثلين الجدد في الساحة الدرامية المغربية. كيف يمكن للمواهب الجديدة أن تجد مكانها وسط هذه الوجوه المكررة؟ وهل لديهم فرص حقيقية لمنافسة النجوم الكبار الذين يحظون بشهرة واسعة؟ يبدو أن هناك تهميشًا غير مقصود للمواهب الصاعدة، إذ تفضل بعض شركات الإنتاج الاستثمار في النجوم المضمونين لضمان النجاح، خصوصًا في حالة الثنائيات الشهيرة مثل عزيز داداس وماجدولين الإدريسي. لكن اتهام الممثلين بالاحتكار يظل غير دقيق، لأنهم في نهاية المطاف مجرد عناصر ضمن منظومة تتحكم فيها شركات الإنتاج والمخرجون.
الممثل الذي يمتلك قاعدة جماهيرية واسعة يعتبر خيارا مغريا للمنتج والمخرج
تعتمد شركات الإنتاج الكبرى، سواء في الدراما أو السينما، على استراتيجية واضحة في اختيار المؤثرين والنجوم الذين يتمتعون بشعبية واسعة لضمان نجاح أعمالهم. فالمنتجون يفضلون أسماء معينة بسبب شعبيتها الكبيرة، خاصة في مجال الكوميديا، لأن الجمهور المغربي يميل إليها. ومن بين هؤلاء نجد يسار، باسو، رشيد رفيق، الزوبير هلال وغيرهم، الذين يجذبون نسبة كبيرة من المشاهدين بفضل شهرتهم على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات العرض.
هذه الاستراتيجية ليست جديدة أو مقتصرة على المغرب فقط، بل هي نهج عالمي تتبعه كبريات شركات الإنتاج. فمثلًا، في هوليوود، تعتمد الشركات الكبرى على نجوم مثل توم هانكس، ويل سميث، ميريل ستريب، براد بيت، جورج كلوني لضمان نجاح الأفلام. الأمر نفسه ينطبق على السينما الهندية، حيث يتم إقحام نجوم مثل أكشاي كومار، سلمان خان، شاروخان في أدوار قصيرة جدًا داخل أفلام جديدة بهدف الترويج لها وجذب الجماهير. هذه الاستراتيجيات لا تعيب الصناعة، بل تعكس بُعدًا اقتصاديًا بحتًا قائمًا على التسويق والترويج الفعّال.
اختيار النجوم ذوي الشعبية الكبيرة هو جزء من فلسفة اقتصادية في صناعة الإنتاج الدرامي والسينمائي، حيث يعتمد على فهم السوق واحتياجات الجمهور. ومن حق المنتجين أن يستثمروا في هؤلاء النجوم لضمان النجاح، وهو ما يُعد تطورًا طبيعيًا في المجال الفني.
من بين الإشكالات التي تشهدها صناعة الدراما المغربية أيضًا، هناك بعض الممثلين الذين يقبلون بأجور زهيدة للغاية مقابل الظهور في أعمال متعددة خلال الموسم الرمضاني وغيره. لكن المثير للجدل أن المبلغ المتفق عليه في العقد قد لا يكون هو ما يحصل عليه الممثل فعليًا، حيث يتعرض بعضهم لخصومات أو اتفاقات غير معلنة تؤثر على أجرهم النهائي. هذه الممارسات تُكرّس استمرار ظهور نفس الوجوه في الأعمال الرمضانية، لكنها ليست مسؤولية الممثلين فقط، بل ترتبط بطريقة إدارة السوق الفني.
هذه الظاهرة لا تقتصر على الممثلين فقط، بل تشمل أيضًا المخرجين والفريق التقني. ففي كثير من الأحيان، يتم تقديم عروض مغرية للممثلين الجدد أو الموهوبين مقابل أجور منخفضة، مما يدفعهم للمنافسة على أدوار في أعمال قد لا تكون ذات قيمة فنية كبيرة، لكنها تضمن لهم الظهور والانتشار. هذا الوضع يكشف عن ثغرات كبيرة في النظام الإنتاجي، حيث تتداخل المصلحة التجارية مع الجودة الفنية.
في النهاية، هذه الممارسات تعكس مشكلات أعمق في صناعة التلفزيون بالمغرب، حيث يبقى التركيز منصبًا على الربح السريع على حساب تحسين المستوى الفني. صحيح أن هذه الممارسات تأتي نتيجة لواقع اقتصادي ضاغط، لكنها في الوقت ذاته تُكرّس وضعًا يُهمّش المواهب الشابة التي تحتاج إلى فرصة حقيقية للظهور دون الحاجة إلى تقديم تنازلات مالية أو مهنية.
ورغم أن هذا النقاش يتكرر كل عام مع حلول الموسم الرمضاني، إلا أنه يظل مطروحًا كقضية أساسية في صناعة الدراما المغربية، التي تحتاج إلى إعادة النظر في سياساتها الإنتاجية لتحقيق توازن بين المتطلبات التجارية والجودة الفنية.