نقد حاد للطمع والهوس بالمظاهر في 'فرصة ثانية'
الرباط - تدور أحداث الشريط التلفزيوني "فرصة ثانية" للمخرج المغربي هشام الجباري حول "سعاد"، ربة منزل تبلغ من العمر 24 عامًا، متزوجة من "عادل"، نادل في مقهى متواضع. تعيش "سعاد" حياة يملؤها الملل والإحباط بسبب بساطة زوجها وانعدام طموحه، بينما تحلم بالثراء والرفاهية، متأثرةً باليوتيوبر "أمل". بدافع الطموح، تقرر شراء تذاكر يانصيب سرًا، لتفوز بمبلغ 500 مليون سنتيم، وتبدأ حينها التخطيط لحياة جديدة دون "عادل". لكن محاولاتها للتخلص منه تفشل حتى يكتشف الزوج خطتها ويطلب الطلاق، لتنطلق "سعاد" في رحلة إنفاق مفرط، بحثًا عن السعادة المفقودة.
العمل من تأليف بسمة الهجري، وبطولة فاطمة الزهراء لحرش، الزبير هلال، زهور زريق، وهاجر بوزاويت.
يكشف "فرصة ثانية" ثغرات النفس البشرية المتأثرة بالطمع والهوس بالمظاهر الزائفة التي تروجها وسائل التواصل الاجتماعي. من خلال شخصية "سعاد"، يُظهر الفيلم كيف يمكن للمال أن يفسد القيم ويحول الإنسان إلى كائن أناني يتخلى عن أقرب الناس إليه. هذه الصورة تعكس دراسة اجتماعية حادة لكيفية تغيّر المبادئ أمام إغراءات الثروة.
في المقابل، ترسم شخصية "عادل" صورة للأصالة والثبات، إذ يرفض الانجراف وراء مطامع زوجته، رغم افتقاره للطموح من وجهة نظرها. لكن قرار الطلاق الذي اتخذه بعد كشف خيانتها يعكس كرامة ومبادئ راسخة، ويؤكد أن التربية الشريفة تصنع الإنسان، لا المال أو الشهرة.
ينتقد السيناريو الهوس الاجتماعي بالثراء السريع والرفاهية على حساب الأخلاق، خصوصًا بين النساء. فشخصية "سعاد"، المتأثرة بحياة اليوتيوبر "أمل"، تسعى لتقليدها دون امتلاك المهارات اللازمة، مما يجسد واقعًا اجتماعيًا يدفع الأفراد للتضحية بالعائلة والمبادئ من أجل وهم النجاح. النهاية تحمل رسالة مفادها أن الرجوع إلى الأصل فضيلة، وتطرح سؤالًا عميقًا: هل المال وحده قادر على منح السعادة، أم أنه مجرد وهم استهلاكي؟
يتميز الفيلم بأداء تمثيلي قوي يُضفي على القصة مصداقية أكبر. إذ يقدم الفنان الكوميدي الزبير هلال دورًا دراميًا متمايزًا في شخصية "عادل"، حيث يمزج بين الرصانة والجدية بعيدًا عن أسلوبه الكوميدي المعتاد. أما فاطمة الزهراء لحرش، فتتألق في تجسيد شخصية "سعاد"، مظهرةً الهوس بالثراء بنكهة من السذاجة، مما يعزز تفاعل المشاهدين مع القصة ويجعل الشخصيات قريبة من الواقع.
يظهر الإخراج والتصوير كعنصرين داعمين للسرد، إذ يبرع هشام الجباري في استخدام اللقطات القريبة جدًا لإبراز انفعالات الشخصيات ومشاعرها العميقة. كما تضيف إدارة التصوير لوليد المحرزي العلوي جمالية بصرية تتماشى مع السياق التلفزيوني، ما يعزز الواقعية البصرية للعمل. ومع ذلك، يبقى مشهد الشجار حول التحرش نقطة ضعف، إذ بدا مفتعلًا ومبالغًا فيه من حيث الانفعالات وآثار الدم، وكان من الأفضل معالجته بحركية أكثر واقعية أو الاستغناء عنه، انسجامًا مع قاعدة "المشهد الذي يمكن حذفه دون التأثير على السرد لا حاجة له".
هشام الجباري هو مخرج وكاتب سيناريو ومنتج مغربي، اشتهر بإخراج العديد من الأفلام والمسلسلات التي لاقت نجاحًا كبيرًا. من أبرز أعماله السينمائية: "الزبير وجلول"، "ظلال الموت"، "الذئاب لا تنام"، "دموع إبليس"، "خفة الرجل"، "آلو ابتسام"، و"قلبي بغاه". كما قدم مجموعة من المسلسلات الناجحة مثل: "دار الورثة"، "عش البنات"، "البخيل والمسرف"، "ناس وناس"، "بنت الناس"، "فالصالون"، "الوريث الوحيد"، "أنا ومنى ومنير"، "مومو عينيا"، "فرصة العمر"، "نهار مبروك"، "الماضي لا يموت"، "دابا تزيان"، "زهر الباتول"، "سلمات أبو البنات" بأجزائه المتعددة، "قهوة نص نص"، و"بين لقصور". كما أبدع في المسرح من خلال أعمال مثل "الدق والسكات"، "درهم الحلال"، "ميعادنا العشا"، "سعد البنات"، "دير مزية"، "طالب راغب"، و"ضربنا التران".
حصل الجباري على عدة جوائز تقديرًا لموهبته، منها جائزة الشاشة الذهبية في مهرجان الشاشات السوداء بياوندي بالكاميرون عن فيلم "دموع إبليس"، وجائزتا أفضل إخراج وأفضل فيلم درامي عن "الذئاب لا تنام" في مهرجان مكناس، بالإضافة إلى جائزة أفضل فيلم درامي لنفس العمل في مهرجان القاهرة.