الانفجار الايراني مسألة وقت

الصراعات الدموية باتت وشيكة ما لم يتم التوافق على حلول حقيقية.

منذ عام 1979، حيث إعتمد الخميني آخر جمعة من كل شهر رمضان بمثابة "يوم القدس" حيث تم إعتباره يوم للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وكان النظام يتفاخر بهذا اليوم وحتى إنه يقوم بالتباهي به أمام الشعوب العربية والاسلامية وكأنه قد قدم إنجاز ومكسب لم يتسنى لغيره الاتيان بمثلها.

هذه المناسبة التي كان النظام الايراني وفي آخر جمعة من كل رمضان يقوم فيها بتظاهرات واسعة من أجل إبراز قوة النظام وشعبيته الواسعة على الرغم من إنه كان يقوم بإجبار الشعب على المشاركة فيها، لكنها هذه السنة لم تكن كما كانت في الاعوام السابقة، بل وحتى إنها لفتت الانظار الى حالة الحيطة والحذر التي إتسمت بها ولعل بيان الحرس الثوري الصادر بهذه المناسبة في الثاني من أبريل الجاري، قد أعطى إنطباعا غير مباشرا من خلال قراءة ما بين أسطر ما جاء في البيان المذكور.

أكثر ما لفت النظر، إن بيان الحرس الثوري بمناسبة ما يسمونه بيوم القدس لهذه السنة، هو إتسامه بإزدواجية واضحة إذ في حين تحدث عن "التهديد الخارجي" و"وحدة الامة" فإنه لم يتمكن من أن يخفي القلق العميق من هشاشة الجبهة الداخليـة.

بيان الحرس الثوري وإن كان في ظاهره قد حمل لغة القوة والوحدة ضد"العدو الخارجي" واعتبر المشاركة في المسيرات تجليا ل"القوة الناعمة" للنظام. غير أنه وفي نفس الوقت وفيما بين السطور، اعترف البيان أن المجتمع الإيراني يرزح تحت "أقصى درجات الضغط الاقتصادي"، وأن "الشقاق الاجتماعي" و"تغلغل النفاق" يشكلان تهديدا داخليا حقيقيا، مع ملاحظة إن الشقاق الاجتماعي وتغلغل النفاق هي في الحقيقة مصطلحات يستخدمها النظام الايراني في وصف المحتجين والمعارضين.

والواقع إن تكرار الحديث في البيان المذكور عن "الوحدة الوطنية" لم يتمكن كما يبدو من عكس قوة النظام وتماسكه، بل إنه قد جسد بصورة وأخرى القلق من التصدعات الداخلية ولاسيما وإنه حينما يدعو الشباب إلى الانخراط في الدفاع عن الوطن، فإنه يقر بغيابهم عن الساحة، وبتآكل شرعيته لدى الجيل الجديد. هذه ليست لغة الانتصار، بل لغة الخوف من انفجار محتمل.

والمثير في الامر، إن المخاوف من الانفجار الاجتماعي لم تعد حكرا على المعارضة أو النشطاء المستقلين، بل باتت أصواتا صادرة من داخل دوائر النظام نفسه. ومن بين هؤلاء، مرتضى الويري، المحافظ السابق لمدينة طهران والمقرب من بعض تيارات ما يسمى "الإصلاحيين"، والذي حذر من أن النظام يعيد أخطاء الشاه تماما، عبر قمع الحريات وغياب الإصغاء لصوت الناس.

كما أن أحمد زيدآبادي، وهو صحفي ومحلل سياسي محسوب على الخط الوسطي داخل النظام، كتب بوضوح أن الصراعات الدموية باتت وشيكة ما لم يتم التوافق على حلول حقيقية. تصريحاته لم تأت من فراغ، بل من قراءة دقيقة لحالة المجتمع الإيراني الذي لم يعد يتحمل مزيدا من الإهانة والفقر والاستبداد. ولعل ما يجمع هذه التحذيرات، هو أنها لا تصدر من معارضين تقليديين أو ناشطين في المنفى، بل من أوساط قريبة من النظام. وهذا ما يعطيها ثقلا إضافيا. المجتمع الإيراني اليوم يشبه بركانا خامدا، تنبعث منه الغازات والاهتزازات… وكل شيء يوحي بأن الانفجار ليس احتمالا، بل مسألة وقت.