الاعلام مطية للنجومية او لا يكون في عقيدة بعض رواد الفن المغربي

غياب الاعتراف بالجميل والتكبر يطغيان بين منتسبين لميادين فنية في مقابل نماذج عالمية تحتضن المواهب وتقدّر دور الإعلام والنقد.

الرباط ـ يتهاوى الاعتراف بالجميل في الساحة الفنية والإعلامية المغربية، كما تتساقط أوراق الخريف تحت وطأة الرياح، ليكشف عن أزمة عميقة في العلاقة بين رواد السينما والفنون الدرامية والصحافة الفنية ونقادها. إذ يرى بعض الفنانين، أو "الأقزام" المنسوبين إلى الفن، في الإعلام أداة للتمجيد الشخصي، وفي النقاد خصوماً يستحقون التجاهل أو المواجهة، عوضًا عن رؤيتهم كشركاء في صناعة النجومية.

بينما يرفض بعض الفنانين تقدير دور الإعلام الذي ينقل أعمالهم إلى الجمهور، ويتجاهلون الشباب الموهوبين خوفًا من المنافسة أو تمسكًا بوهم التفرد. ويبرز الفرق بين الفنان الراقي الذي يحتضن الوجوه الجديدة ويقدر الإعلام، وبين القزم الذي يتكبر وينكر الجميل، متوهمًا أن نجوميته وُلدت من فراغ.

ويتجلى الفن في قدرته على الإلهام والتجديد، وهو ما يدركه كبار الفنانين عالميًا، وقلة من المغاربة الذين يدعمون الشباب بإخلاصٍ حقيقي. ففي بوليوود مثلًا، يبرز شاروخان كمثال رائد، إذ أسس شركة "ريد تشيليز إنترتينمنت" التي أنتجت أفلامًا للشباب، وساهم سلمان خان في إظهار العديد من الوجوه الجديدة.

وفي مصر، فعلها الراحل فؤاد المهندس مع عادل إمام، وفعلها الأخير مع العديد من الشباب. وفي المغرب، فعلها الأستاذ عبد الله شاكيري، مؤسس المسرح الجامعي، الذي قدم المساعدة والتكوين المجاني لعشرات الشباب في الجامعات، ورعى مواهب مسرحية دون تباهٍ. كما يدعم المخرج سعيد خلاف كل من يحتاج إلى دعم، وفعل ذلك أيضًا المخرج إدريس المريني. ووفّر المخرج رؤوف الصباحي دعمًا لإنتاج أفلام الشباب وإخراجها أيضًا دون أن يتباهى بذلك.

ويظل هؤلاء استثناءات، بينما يحارب العديد من الفنانين المغاربة المواهب الناشئة ويتجاهلونها خوفًا من المنافسة، مما يشكل عقبة تعيق تطور الفن المغربي، خاصة في الفنون الدرامية.

ويصنع الإعلام النجوم، وهذه حقيقة عالمية مطلقة، ويظل الفنان ظلًّا في الظلام بدون الصحافة الفنية والنقاد والبرامج التلفزيونية. بينما يرى بعض الأقزام هذا الدور "تطبيلًا"، فيتجاهلون دعوات الصحفيين، ويرفضون اللقاءات، ويتعاملون مع النقاد باستعلاء، متوهمين أن نجاحهم ذاتي.

ويحترم النجوم الكبار، سواء في هوليوود أو بوليوود، دور الإعلام، فيخصصون وقتًا للمقابلات، ويتفاعلون مع النقد بمهنية عالية، مدركين أن هذا التفاعل جزء من نجوميتهم، وهذا أيضًا كتعبير عن التواضع وثقة الفنان بنفسه.

وعلى النقيض، نجد أشباه الفنان في المغرب أنانيين، يرون في الشباب تهديدًا، وفي الإعلام أداة لخدمتهم، ويرفض هؤلاء الامتنان، ويمكرون ضد زملائهم، ويحاربون النقاد، ظنًا أن ذلك يقوّي مكانتهم.

وتبرز نورة فتحي، المغربية الأصل، التي صنعت اسمها في بوليوود، كنموذج للاستفادة من دعم النجوم الكبار، إذ حصلت على فرص من منتجين هنود، وساعدها ذلك على تحقيق شهرة عالمية.

ويُعمّق هذا النهج أزمة الثقة بين الفنانين والإعلام، إذ يجد الصحفيون والنقاد، الذين يغطّون الأحداث الفنية بجهد، أنفسهم أمام جدار من الاستعلاء. ويضر هذا الموقف بالفنان، إذ يفقد فرصة التواصل مع جمهوره، ويصبح الفنان الذي يرفض الامتنان كمن يقطع الجسر الذي يقف عليه.

بينما يبرز نجوم بوليوود كنموذج مغاير، فهم يشاركون في حملات إعلامية واسعة، ويدعمون مبادرات ثقافية، مثل مهرجانات السينما الهندية التي تروّج لأفلام الشباب.

ويستدعي هذا الواقع إعادة تقييم العلاقة بين الفن والإعلام في المغرب، وإحياء الاعتراف بالجميل كقيمة أساسية. إذ يدرك الفنانون أن نجاحهم نتيجة جهود جماعية تشمل الإعلام والنقاد والجمهور، ويتحلى الإعلام بالمهنية لتقوية هذا التفاعل. ويعبر الفن عن الإنسانية، وتزدهر هذه الإنسانية في مناخ التواضع، ويقدّم الكبار دائمًا يدهم للشباب دون أن يكون ذلك أمام الملأ.

وتُعتبر الإنسانية والتواضع وحب الخير للغير من القيم السامية وجوهر الفن الحقيقي، فالفنان بطبيعته يمتلك حسًّا مرهفًا يتجلى في قدرته على التعبير عن المشاعر النبيلة ونشر الجمال والمحبة من حوله. وهذه الصفات تجعل الفن وسيلة للارتقاء بالروح الإنسانية وإلهام الآخرين، ويصبح الفنان مرآة تبرز أجمل ما في البشرية.

بينما الحقد والحسد وتمنّي الشر أو الفشل للآخرين هي صفات سلبية بعيدة كل البعد عن روح الفن، فهي تناقض الإبداع الذي يقوم على الحب والتسامح والانفتاح. فمن يحمل هذه الصفات الدنيئة قد يُنسب إلى الفن زورًا، لكنه في الحقيقة ليس فنانًا، لأن الفن الحقيقي لا يتّسع إلا للقلوب النقية التي تسعى لنشر الخير والجمال في العالم.

ويُظهر النجوم الكبار في عالم الفن غالبًا احتضانًا للشباب الموهوبين، فيقدّمون لهم الدعم والإرشاد للوصول إلى الشهرة، سواء عبر التعاون في أعمال فنية أو تقديم النصائح بناءً على خبراتهم الطويلة. ويتميّز هؤلاء النجوم بتقبّل النقد بصدر رحب، معتبرينه فرصة للتطوير والنمو، وهو ما يعبر عن ثقتهم بأنفسهم واحترافيتهم.

بينما يفتقر بعض الأشخاص العاديين المحسوبين على الفن إلى هذه الروح، فينظرون إلى الشباب كتهديد، والنقد كإهانة شخصية، وهذا يعيق تقدمهم، ويظهر محدودية رؤيتهم مقارنة بالنجوم الحقيقيين.