قيس سعيد يرفض التدخل الخارجي في ملف قضية التآمر
تونس - جدّد الرئيس التونسي قيس سعيد رفضه القاطع لأي تدخل خارجي في الشأن الداخلي لبلاده، وذلك على خلفية انتقادات صدرت عن جهات أجنبية ومنظمات حقوقية بشأن الأحكام القضائية الأخيرة التي طالت عدداً من المعارضين في قضية "التآمر على أمن الدولة"، واصفاً تلك التصريحات بأنها "تدخل سافر في السيادة الوطنية".
وشدد سعيد في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية مساء الاثنين، على أنّ "التصريحات والبيانات الصادرة عن جهات أجنبية مرفوضة شكلاً ومضموناً، وتُعدّ تدخلاً غير مقبول في الشأن التونسي" مضيفا في لهجة شديدة "إذا كان البعض يُعبّر عن أسفه لاستبعاد المراقبين الدوليين فإنّ تونس يمكن أيضا أن تُوجّه مراقبين إلى هذه الجهات التي عبّرت عن قلقها وعن أرقها المزعوم وتُطالبها أيضا بتغيير تشريعاتها واستبدال إجراءاتها".
وكانت محكمة تونسية قد أصدرت في وقت سابق من أبريل/نيسان الجاري أحكاماً مشددة بالسجن، وصلت في مجموعها إلى أكثر من ستين عاماً، بحق نحو أربعين شخصية من المعارضة، ومحامين ورجال أعمال، بعد إدانتهم بتهمة "التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي". وشملت الأحكام شخصيات معروفة، من بينها من يقبع في السجن منذ عامين، وآخرون حوكموا غيابياً لتواجدهم خارج البلاد، مثل الفيلسوف الفرنسي برنار-هنري ليفي، الذي صدر في حقه حكم بالسجن 33 عاماً.
وأثارت هذه الأحكام موجة انتقادات دولية، حيث أعربت كل من فرنسا وألمانيا، إلى جانب الأمم المتحدة، عن "قلقها البالغ" حيال ما اعتبرته غيابًا لمقومات المحاكمة العادلة، داعية إلى احترام الحريات العامة وضمان استقلال القضاء.
الرئيس التونسي ردّ بحزم على هذه الانتقادات، مؤكداً أن القضاء في بلاده يمارس سلطاته باستقلال تام، وأن الأحكام الأخيرة صدرت في إطار القانون ولا تقبل التشكيك أو الضغط الخارجي. وقال في تصريحات سابقة "العدالة في تونس لا تُدار من الخارج، ولا تُمارس تحت إشراف أجنبي. من يتحدث عن المحاكمات يجب أن يُدرك أولاً أن تونس دولة ذات سيادة، ولن تقبل بأي إملاءات مهما كان مصدرها".
وأضاف أن "التعاطي مع جهات خارجية في قضايا تخص الأمن الداخلي للبلاد، يُعدّ تجاوزاً للسيادة وخروجاً عن روح الانتماء الوطني". مؤكداً في الوقت ذاته أن السلطات التونسية لن تتهاون مع أي محاولة للمساس بوحدة القرار الوطني، أو استخدام ملف الحريات كذريعة للتدخل في الشأن التونسي.
ويأتي موقف الرئيس التونسي امتداداً لنهج اعتمده منذ إعلان الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021، حين قام بتجميد عمل البرلمان السابق، وإقالة الحكومة، ثم تولى لاحقاً السلطة التنفيذية والتشريعية، مستنداً إلى ما وصفه بـ"الشرعية الشعبية والدستورية".
ومنذ ذلك التاريخ، عبّر سعيد مراراً عن رفضه لما سماه "الوصاية الأجنبية"، مؤكداً أن تونس تسعى لاستعادة استقلال قرارها الوطني بعد سنوات من التدخلات والضغوط التي مارستها أطراف دولية، سواء عبر تمويل منظمات أو من خلال المواقف السياسية التي تُستخدم، حسب وصفه، كأدوات لابتزاز الدولة التونسية.
وداخلياً، أثارت هذه الأحكام انقساماً في الشارع التونسي، إذ يرى مؤيدو الرئيس أن الإجراءات القضائية الأخيرة تمثل "خطوة ضرورية" لإعادة الاعتبار للدولة ومحاسبة من يخططون لإثارة الفوضى أو التآمر مع قوى خارجية. بينما ترى أطراف في المعارضة أن القضاء يُستخدم لتصفية الخصوم، وسط تراجع متزايد للحريات العامة.
ويؤكد المدافعون عن الرئيس أن استقلال القضاء خط أحمر، وأنه لا يمكن قبول التشكيك فيه بناءً على مواقف سياسية أو ضغوط خارجية، خاصة في ظل الوضع الإقليمي والدولي المعقّد.
ويرى مراقبون أن تصعيد سعيد في لهجته ضد التصريحات الغربية يُعبّر عن إصراره على تثبيت معادلة السيادة الوطنية مقابل ما يعتبره محاولات للابتزاز السياسي، لكنهم يحذّرون في الوقت ذاته من أن استمرار هذه المواجهة قد يوسّع الفجوة بين تونس وعدد من شركائها التقليديين، خصوصاً في ملف الدعم الاقتصادي والمالي، الذي تعوّل عليه البلاد للخروج من أزمتها الخانقة.
غير أن أنصار الرئيس يعتبرون أن "العزلة" هي ثمن ضروري لاستقلال القرار الوطني، وأن الكرامة الوطنية لا يجب أن تكون موضع مساومة، حتى وإن كان ذلك على حساب العلاقات الدولية.
وفي خضم السياق القضائي والسياسي الذي تمر به تونس، يبدو الرئيس قيس سعيد متمسكاً بخطابه الرافض لأي تدخل خارجي، مدافعاً عن استقلال القضاء والسيادة الوطنية كقيمة لا تقبل التنازل. وفي وقت تتصاعد فيه الانتقادات الحقوقية الدولية، تؤكد رئاسة الجمهورية أن "تونس لا تتلقى التعليمات من أحد"، ما يشير إلى أن العلاقة مع بعض القوى الخارجية قد تتجه لمزيد من التوتر، وسط تحديات اقتصادية وسياسية داخلية متزايدة.