
شكوك بشأن قدرة لبنان على تنفيذ مطلب تسليم سلاح حزب الله
بيروت - تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولات كبرى وضغوط غربية متواصلة، لا سيما من الجانب الأميركي، لإحداث تغييرات جذرية بدعوى إحلال الأمن والاستقرار إقليميا. وفي هذا الظرف تعود إلى الواجهة مسألة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وهي قضية شائكة تتداخل فيها الأبعاد السيادية والسياسية والطائفية والأمنية.
ومنذ انتهاء حرب إسرائيل الأخيرة على لبنان بدعم أمريكي في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، تتزايد ضغوط واشنطن لنزع سلاح "حزب الله"، الذي يتمسك به طالما استمر الاحتلال الإسرائيلي.
ويتحضر لبنان لإرسال مسودة رد على مقترح قدّمه المبعوث الرئاسي الأميركي توم باراك للمسؤولين اللبنانيين، خلال زيارته بيروت في 19 يونيو/حزيران الماضي.
وتقول واشنطن ان سلاح "حزب الله يمثل تهديدا مباشرا للاستقرار الإقليمي، وتطالب بيروت بخطوات عملية لحصر السلاح المؤسسات الرسمية. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل تملك الدولة اللبنانية القدرة على تنفيذ المطلب الأميركي؟
حاليا يقود رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام مشاورات مع رئيسي الجمهورية جوزيف عون والبرلمان نبيه بري، لصياغة موقف يستند إلى مرجعيات ثلاث: اتفاق الطائف، والقرار 1701، والبيان الوزاري، دون إحداث صدام مباشر مع "حزب الله".
ووفق بيان للرئاسة اللبنانية في يونيو فإن لقاء عون وباراك آنذاك تطرق إلى "الخطوات التي يتخذها لبنان تحقيقا لمبدأ حصرية السلاح".
وأكد عون في اللقاء أن "الاتصالات قائمة في هذا المجال، على الصعيدين اللبناني (مع حزب الله) والفلسطيني (الفصائل في لبنان)" معربا عن أمله في أن "تتكثف (الاتصالات) بعد استقرار الوضع الذي اضطرب في المنطقة نتيجة احتدام الصراع الإسرائيلي- الإيراني".
وفي 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، شنت إسرائيل عدوانا على لبنان تحول إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر/أيلول 2024، ما أسفر عن أكثر من 4 آلاف قتيل ونحو 17 ألف جريح، وبدأ في 27 نوفمبر/كانون الثاني 2024 وقف لإطلاق النار بين "حزب الله" وإسرائيل.
لكن إسرائيل خرقت الاتفاق أكثر من 3 آلاف مرة، ولم تنفذ سوى انسحاب جزئي من جنوب لبنان، وواصلت احتلال 5 تلال سيطرت عليها في الحرب الأخيرة. كما تحتل إسرائيل منذ عقود أراض في لبنان وسوريا إضافة إلى فلسطين.
ومرارا، أعلن "حزب الله" تمسكه بسلاحه ورفضه أي نقاش بشأن تسليمه، إلا ضمن شروط يصفها بأنها مرتبطة بالسيادة الوطنية.
ومساء الأربعاء، أعرب الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم رفضه أي تدخل إسرائيلي في النقاش داخل لبنان بشأن "موضوع السلاح"، مشددا على أن الحزب "لن يسلم سلاحه للعدو الإسرائيلي".

وتبقى الحسابات السياسية بشأن سلاح "حزب الله" معقدة، خاصة مع غياب إجماع وطني لبناني على مسألة السلاح، والانقسام الحاد حول أولويات المرحلة المقبلة.
وقال مسؤول لبناني الأربعاء إن المقترح الذي قدمه باراك إلى بيروت في يونيو، يتمحور حول 3 عناوين أولها حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.
وأضاف المسؤول، مفضّلا عدم نشر اسمه، أن المقترح مكون من خمس صفحات، ولا يتضمن مهلة زمنية لتطبيقه.
وأردف "العنوان الأول سحب السلاح وحصره في يد الدولة اللبنانية، وثانيا إنجاز الإصلاحات المالية والاقتصادية، وضبط الحدود ومنع التهريب وزيادة الجباية (الرسوم) الجمركية وتشديد الإجراءات على المعابر والمرافق العامة".
والعنوان الثالث، حسب المسؤول اللبناني: "تصليح العلاقة مع (الجارة) سوريا على المستويات المختلفة الأمنية والسياسية وضبط الحدود، وصولا إلى ترسيم الحدود وتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية".
وشدد المسؤول على أن لبنان "يلتزم بحصر السلاح بيد الدولة"، ويتم العمل حاليا على إنجاز رد موحد ينطلق من البيان الوزاري وخطاب قسم عون حين تولى رئاسة البلاد.
واستدرك "لكن لبنان سيطالب بوقف مباشر لاعتداءات إسرائيل وبضرورة انسحابها وإطلاق مسار إعادة الإعمار لجنوب البلاد".
وتابع "لا معلومات حتى الآن حول موقف حزب الله إذا وافق على حصر السلاح بيد الدولة، وهو ما ننتظره الأيام المقبلة".
ولفت المسؤول اللبناني إلى أن "المبعوث الأميركي سيزور لبنان الأسبوع المقبل".
وقال المحلل السياسي جورج العاقوري إن لبنان يعيش "لحظة مفصلية" في ظل المتغيرات الإقليمية المتسارعة موضحا أنه "لا يمكن التلكؤ أكثر في معالجة ملف السلاح غير الشرعي. الوقت ليس لصالحنا، وليس لدينا ترف تأجيل هذا النقاش". واعتبر أن حصر السلاح بيد الدولة "أمر سيادي بحت لا يحتاج إلى تفاوض".
واستند في رأيه إلى الدستور، واتفاق الطائف (أنهى حربا طائفية بين 1975 و1990)، وخطاب القسم، والبيان الوزاري، التي تنص جميعها على ضرورة أن تحتكر الدولة وحدها استخدام السلاح.
ورجح العاقوري أن "أي رد شكلي (غير جدي) على الرسالة الأميركية سينعكس سلبا على لبنان. علينا أن نقرأ الأمور بشمولية ونتّعظ مما يجري حولنا، من الضربة التي تلقّتها إيران إلى باقي المتغيّرات الإقليمية".
ولمدة 12 يوما، شنت إسرائيل بدعم أميركي مباشر عدوانا على إيران، ردت عليه الأخيرة، قبل أن تعلن الولايات المتحدة في 24 يونيو/حزيران وقفا لإطلاق النار.
كما ترتكب إسرائيل بدعم أميركي، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، جرائم إبادة جماعية بقطاع غزة، خلّفت أكثر من 191 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، فضلا عن مئات آلاف النازحين.
ودعا الدولة اللبنانية إلى "تحمّل مسؤوليتها، كما تفعل الدول حين تُمنح الحصرية باستخدام العنف والفصل بين المواطنين ومؤسسات الدولة".
وأضاف "لا يمكن أن يكون حزب الله هو مَن يتصدى للدولة... بل على الدولة أن تطبّق القانون بكل الوسائل. لا قائمة للبنان طالما أن هناك سلاحا غير شرعي خارج إطار الشرعية".
أما المحلل السياسي آلان سركيس فاعتبر أن الدولة اللبنانية كان يفترض أن ترد بسرعة على الورقة الأميركية مشيرا إلى أن سلام عقد اجتماعات مع كل من عون وبري لبحث الرد.
ورأى أن "العرقلة ليست عند الرئيس عون ولا عند سلام، بل عند نبيه بري الذي يتولى التفاوض مع حزب الله، والذي يرفض مبدأ خطوة مقابل خطوة، أي تسليم السلاح مقابل انسحاب إسرائيل".
وأكد أن "الحزب لا يثق بالتزامات إسرائيل، ويشترط أيضا إعادة الإعمار كجزء من المعادلة، ما يؤخر صدور الرد الرسمي".
وتابع سركيس "حزب الله ينتظر ما سيجري في إيران، ولا يمكنه التصرف بمفرده ما لم يحصل على ضوء أخضر إيراني يبدو غير متوفر حتى الآن".
وحذر من أن "لبنان قد يُفتح على عدة احتمالات صعبة في حال استمر التلكؤ، خصوصا مع تحذيرات أميركية من إمكانية تجدد الحرب، إذا لم يتم وضع جدول زمني واضح لتسليم السلاح".
وختم بأن "المطالب الأميركية ليست خارجية بقدر ما هي مطالب لبنانية داخلية في جوهرها، لا سيما ما يتعلق بحصر السلاح بيد الدولة، وهو ما يجب أن يكون أولوية وطنية".