'الخائن' يعزز رصيد المسلسلات المعربة من التركية

القوة الناعمة التركية تحكم قبضتها على الشاشة العربية الصغيرة من بوابة الأعمال المقتبسة عن الدراما القادمة من تركيا.

ساعات قليلة تفصل عشاق الدراما اللبنانية - السورية المشتركة عن مصافحة عمل جديد بعنوان وحبكة تركيين، فبعد انتهاء مسلسل "كريستال" سيبدأ "الخائن" لينضاف إلى قائمة مسلسلات مقتبسة عن أعمال تركية أغلبها عرض مدبلج على نفس القنوات!

ومن جديد يجد المشاهدون أنفسهم أمام عمل ضخم من إنتاجات أستوديوهات "إم.بي.سي" يأتي استكمالا لسلسلة من الأعمال التي دأبت على عرضها في الآونة الأخيرة المنصات العربية وكبرى القنوات التلفزيونية، فمن "عروس بيروت"، "ستيليتو"، "الثمن"، ثم "كريستال"، فـ"الخائن".

لكن رغم أن بعض المسلسلات المذكورة عرف متابعة كبيرة وانتظارات أكبر من جمهور قناة "إم بي سي" وكذلك مستخدمي منصة شاهد، إلا أن ماكينة الانتقادات طالته، كان آخرها تغريدة للفنانة الإماراتية أحلام التي على ما يبدو جاءت نهاية مسلسل "كريستال" المقتبس عن نظيره التركي "حرب الورود" مخالفة لتوقعاتها.

وكتبت أحلام في تغريدتها التي نشرتها على حسابها بموقع إكس (توتير سابقا) "شو هالنهاية (ما هذه النهاية) السخيفة.. كريستال لا تعليق"، لكنها في الوقت نفسه أشادت بأداء إحدى بطلاته، قائلة "تحية عظيمة لباميلا الكيك وتكسر الكريستال تكسير".

وفتحت الفنانة أحلام من خلال التغريدة بابا للنقاش حول المسلسلات، مثمنة في التعليقات عددا من الأعمال العربية الصرف من بينها مسلسل "العربجي"، في إشارة إلى ثراء الأرشيف العربي بإنتاجات درامية حملت توقيعا سوريا أو لبنانيا وأحيانا مشترك.

ردة فعل أحلام تسلط الأضواء على ما يمكن أن تصنعه هذه المسلسلات من نجومية سريعة للفنانين العرب، كما أنها تثير عدة تساؤلات حول جدوى إعادة إنتاج أعمال تركية بطاقم عربي، لاسيما أن أغلب النسخ العربية التي قدمت حتى الآن معربة عن مسلسلات تركية شهيرة حافظت على العمل الأصلي دون تغييرات تذكر، ما عدا ما يتعلق بالممثلين.

هذه النسخ التي وصفها البعض بـ"المشوهة" تم تعريبها من أعمال تركية وتم تصوير بعضها أيضا في تركيا على غرار نسخة معربة من مسلسل "حب للإيجار" جمعت منذ فترة نخبة من نجوم سوريا في إسطنبول.

ومع إنتاج المزيد من المسلسلات المعربة عن الدراما التركية تثير أستوديوهات "إم.بي.سي" المزيد من التساؤلات حول سبب إصرارها على إعادة إنتاج المسلسلات التركية التي سبق وعرضتها مدبلجة على قنواتها؟ خصوصا أن نسبة كبيرة من محبي هذا النمط  الدرامي سبق وشاهدوا الأعمال التركية الأصلية!

يقول الناشط السياسي الحائز على جائزة نوبل للسلام مارتن لوثر كينغ "لا بأس من الاستفادة من تجارب الغير، لكن تقليد الآخرين لا يعني أنك ستحصل على ما حصلوا عليه"، فهل يمكن معالجة مواضيع تهم المنطقة العربية باختلاف دولها وثقافاتها بأفكار مقتبسة عن الأتراك؟

كان "نور" ثالث مسلسل تركي يقتحم العالم العربي منذ أكثر من العقد ونصف العقد ومنه انطلق عصر المسلسلات التركية في الدول العربية، وأصبحت بذلك الدراما التلفزيونية التركية تحظى بشعبية كبيرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والبلقان.

راكمت المسلسلات التركية رصيدا كبيرا على القنوات العربية التي قامت بشراء حقوق نشرها ودبلجتها غالبا باللهجة السورية، بينما كانت الدراما لعقود طويلة عربية خالصة، وهو ما دعا البعض للمطالبة بقطع الطريق على ما وصفته إحدى الدراسات بـ"القوة الناعمة التي تستعملها تركيا لتحسين صورتها بين شعوب المنطقة".

إلا أن البلدان العربية بدل من ذلك عمقت الثقافة التركية ومصطلحاتها في المناخ العربي، فبعد إنكار استمر لفترة طويلة أصبح منتجو الأعمال الدرامية يعملون على الاقتباس صراحة، وإن كان البعض لا يرى في ذلك إضافة تذكر.

ولعل أسباب اكتساح موجة المسلسلات المستنسخة من التركية للدول العربية مجانا وبدون اشتراك عائد لمحاولة تغطية الساعات الطويلة من البث أمام خلو الساحة الفنية من الأعمال العربية مستفيدين من نجاح الدراما التركية في استقطاب اهتمام شريحة كبيرة من المشاهدين في مختلف ربوع الوطن العربي.

لكن هل استلهام أفكار غربية وتعريبها حتى إن كانت لا تتماشى أحيانا مع الثقافات المحلية يعكس افتقار الدراما العربية لكتاب السيناريو؟

نادين جابر مؤلفة المسلسل اللبناني "للموت" أثبتت مؤخرا، أن هذه الفرضية يمكن دحضها، حيث نجحت في قلب المعادلة لتحط إسطنبول هذه المرة في بيروت ويتم إنتاج دراما تركية أصولها لبنانية.

فاجأت نادين جابر متابعيها عبر حساباتها على المواقع الاجتماعية بإعلانها عن التعاقد مع شركة إنتاج تركية تحضيرا لنسخة تركية من مسلسلها "للموت" الذي عرف بموسمه الثالث نجاحا كبيرا في الوطن العربي.

هذه الخطوة تكشف أن عجلة الإنتاج العربية يمكن تصديرها أيضا إذا ما عرف القائمون عليها كيفية توجيهها، لاسيما من خلال الاستفادة من المواهب والكفاءات العربية، لعل المجتمعات العربية بذلك تتخلص شيئا فشيئا من إرث المسلسلات المكسيكية المدبلجة للعربية يليه صرعة المسلسلات التركية المدبلجة، فالمعربة.

ومع ذلك يبدو أن قائمة الأعمال التركية التي ستجد طريقها لأستوديوهات "إم.بي.سي" بهدف إعادة استثمار نجاحها مدبلجة، ستطُل، في ظل تحقيقها نسب مشاهدة عالية في الوطن العربي، وهو المقياس الذي تركز عليه الصناعة لتحديد ما يطلبه المشاهدون حتى وإن كان هذا النمط من الأعمال الدرامية طويل يجاوز بعضه التسعين حلقة، فالأعمال الدرامية المعربة لا تحكمها قيود المساحات الضيقة التي فرضها كتاب السيناريو العرب لتحركاتهم على الورق.

ومن غير المستبعد أن تصبح هذه الظاهرة مستشرية في دول شمال أفريقيا التي واكبت هي الأخرى موجة دبلجة الأعمال داخل أستوديوهاتها باللهجات المحلية، بعد أن كانت تحرص على شرائها مدبلجة باللهجة السورية.

كما أن دوامة استنساخ الأتراك بالتعريب بعد الدبلجة فتحت أبواب الانتشار السريع داخل العالم العربي وخارجه للممثلين العرب الذين تماهى الكثير منهم مع شخصياته التركية حتى الانصهار قلبا وقالبا.

وهذا الانتشار يرى فيه البعض فرصة لإعادة الكثير من الوجوه السورية واللبنانية إلى الأضواء، إذ أصبح نجوم الوطن العربي يتنافسون لاقتناص دور في مسلسل مقتبس عن عمل تركي.