هديل إياد مكي تبحث في 'الإيكولوجيا وجماليات التشكيل المعاصر'

بما أنّ النتاجات الفنية المعاصرة تنحو باتجاه البحث والاستكشاف عن الأفكار الجديدة، فبالإمكان خلق نتاجات فنية يتداخل الفكر الايكولوجي معها على وفق أساليب فنية معاصرة كـالبوب آرت، التجميع والتركيب، الآرت بوفيرا، فن الارض، الكرافيك، التجهيز، وبذلك تنتج أعمالاً فنية ذات قيمة جمالية بمفهوم الفكر الإيكولوجي الأخلاقي تساهم في تغيير السلوك الإنساني تجاه محيطه.

إذا كانت "الإيكولوجيا" كعلم " تعد نقداً لاذعاً للأفكار الداعية الى تسخير الطبيعة وما عليها في خدمة الإنسان لتحسين العيش، وتحميل البشرية شعوراً ذاتياً بـ"أخلاق المسؤولية" تجاه النظام البيئي بالتعايش السلمي، ونبذ العنف بين البشرية، والإسراف في مواردها الطبيعية، والاستثمار والانتفاع بطرق محافظة على موارد البيئة كماً وكيفاً، في علاقة تفاعلية متكاملة"، فإن كتاب "الإيكولوجيا وجماليات التشكيل المعاصر" للباحثة هديل إياد مكي الصادر عن دار الفنون والآداب للطباعة والنشر والتوزيع في البصرة الفيحاء ويقع في 348 صفحة من القطع المتوسط، يتوقف عند الرؤية الفكرية التي تنطلق من عدّ الفن ونتاجه إحدى العمليات الفكرية والتطبيقية القابلة للتغيير والتجديد".

حسب الباحثة، "بما أنّ النتاجات الفنية المعاصرة تنحو باتجاه البحث والاستكشاف عن الأفكار الجديدة، فبالإمكان خلق نتاجات فنية يتداخل الفكر الايكولوجي معها على وفق أساليب فنية معاصرة كالبوب آرت، التجميع والتركيب، الآرت بوفيرا، فن الارض، الكرافيك، التجهيز، وبذلك تنتج أعمالاً فنية ذات قيمة جمالية بمفهوم الفكر الإيكولوجي الأخلاقي تساهم في تغيير السلوك الإنساني تجاه محيطه."

لهذا ترى الباحثة، "إن التأكيد على الإيكولوجي في المجال الفني للفنون التشكيلية المعاصرة، يعني البحث في انعكاساته على المفهوم القصدي للفنان في العمل الفني، وكيفية إختيار عناصر تكوينه، وطرق إشتغال الفنان في إيصال الفكر الايكولوجي القيمي الأخلاقي المسؤول، الداعي إلى التوعية البشرية في تغيير تفكير وطرائق العيش البشري في علاقته بمحيطه، للإرتقاء بالمستوى المعيشي والمستوى الثقافي الفني، نحو خلق فن إيكولوجي ذي قيم جمالية عالية ترتقي إلى أخلاق المسؤولية."

جاء الكتاب، بعد مقدمة ضافية وتحديد المصطلحات، في فصول عدة، أولها تناول الأُسس الفكرية والجمالية للإيكولوجيا، ومفهومها ومساراتها تاريخياً وفلسفياً، والفصل الثاني تناول علم الإيكولوجيا وعلاقته بالعلوم الأخرى: الإجتماع، والاقتصاد والنفـس، والسياسة، والثقافة، والاعلام، إضافة إلى الإيكولوجيا ومفهوم التربية البيئية للمجتمع، الفصل الثالث ـ المفاهيم المعاصرة للإيكولوجيا واشتغالاتها عبر تناول مفهوم التنمية المستدامة وأبعادها الوظيفية والجمالية في المجتمع في المجال البيئي، والاقتصادي، والإجتماعي، والتقنـي، والسياسي، والثقافي.

في حين قدم الفصل الرابع مقاربة إيكولوجية لفنون ما بعد الحداثة، من خلال تحليل ومعالجة البوب آرت Pop Ar واستثمار النفايات، وفـن التجميع والتركيب Assemblage Art وإعادة التدوير، والفن المفاهيمي Conceptual Art وتوظيف الارض، والفن الكرافيتي Art Craffiti الثقافة والبيئة، وفن التجهيز Art Installation في الفضاء وتجميل المكان، وفن البوفيرا Art Povera القمامـة والمهمل.أما الفصل الخامس فقد توقفت الباحثة فيه عند الأسس الفكرية والجمالية للإيكولوجيا المعاصرة.

وبما أن الإيكولوجيا تعني دراسة العلاقات الناشئة بين الإنسان والبيئة ودراسة التأثيرات الناتجة من تلك العلاقة، فإن الباحثة خلصت الى أن الإيكولوجيا " بدورها تؤثر على مفهوم الفنان عن الفكر الايكولوجي، والذي يتضح في ضوء عمله الفني، الناتج عـن كـون الفنان كائن، لا يستطيع العيش الا في بيئته، مرتبط بها ضمـن نظام ايكولوجي متكامل، يتأثر بها ويؤثر عليها."

استناداً الى تحليل عينة البحث، توصلت الباحثة الى الى جملة من النتائج تجاوزت التسع نتائج لعل أهمها:" إن نتاجات الفن الايكولوجي تتم عن وعي المدرك للفنان المعاصر، وتجربته القصدية للإنتاج الايكولوجي الجمالي الذي يحتوي على قيم ايكولوجية، وتوظيف المواضيع والعناصر والأشكال العضوية وغير العضوية في الأعمال الفنية الإيكولوجية، كدلالة إيكولوجية، تثير الانتباه وتحرك مشهد العمل الفني، كما في جميع نماذج عينة البحث. وكذلك فإن " الفن الإيكولوجي يحمل فكراً إيكولوجياً نتج عن وعي مدرك لبعض من الفنانين المعاصرين، وتجربتهم القصدية لإنتاج فني ايكولوجي جمالي، يحمل قيماً إيكولوجية تمثلت بأخلاق المسؤولية، لتغيير السلوك البشري نحو التواصل الأخلاقي والجمالي المسؤول مع الآخر من كائنات وبيئة طبيعية وحضرية."

وخلص البحث إلى جملة من الاستنتاجات في أن "الإيكولوجيا فكرياً شاملة ومتجددة ومرنة تتداخل مع كل الأبعاد الطبيعية والاجتماعية والثقافية والعلوم الأخرى كالإقتصاد والسياسة والإعلام، في ضوء كافة مجالات الحياة المختلفة ."،كما أن الفنان انفتح "على كل الفنون في العالم، في ضوء سياسات التوسعة للتنمية المستدامة في تغيير الوعي والثقافة العالمية، وتأثيراتها على المجتمع الدولي، مما غير توجهات الفنان المعاصر، وفتح المجال له في التنويع بتقنيات عمله، في الإستعمال اللامحدود للخامات المتوفرة، وبألاخص النفايات الإستهلاكية."

الكتاب تخوض فيه الباحثة هديل إياد مكي جهداً بحثياً معرفياً دقيقاً وشاملاً في جنباته البحثية والفكرية والفنية بإطارها الإيكولوجي، عبر تأكيد حقيقة جوهرية ترتكز على " أن المشاركة التفاعلية وخوض المتلقي التجربة الفنية في إطار المشاركة الجماعية بين الفنان والمتلقي لإتمام العمل الفني، تخلق علاقة تكيفية تعكس الفكر الايكولوجي الداعي في ترابط العلاقة بين الانسان والآخر من جنسه وبينه وبين البيئة المحيطة به، والتي تعد خوض تجربة فنية تفاعلية ايكولوجية معاصرة".