البروفيسور فاضل البدراني يسلط الضوء على 'الإعلام في عين العاصفة'

الكتاب يعد أول دراسة تجمع بين الصحافة والإعلام والسياسة في محاولة الوصول لموضوع تشكيل الرأي العام وتتناول البحث في متغيّرات معالجة الصحافة العراقية للحراك السياسي واتجاهات النخبة نحوها.

من المعروف أن العنوان عتبة أساس، تستوقفنا قبل ولوج عوالم النص المرشح للقراءة، بغض النظر عن جنسه الأدبي أو منزعه الفكري، سواء أكان بحثاً أكاديمياً أم رواية، أم قصة أم قصيدة، أم لوحة تشكيلية، أم سواها من الأعمال الثقافية والفنية والمعرفية. وكتاب "الإعلام في عين العاصفة" الصادر عن منتدى المعارف في لبنان، ينطبق عليه هذا التوصيف شكلاً ومضموناً، إذ نجد مطابقة تامة ما بين العنوان والمضمون، وبرع فيه مؤلفه الإعلامي والأكاديمي الكبير الأستاذ الدكتور فاضل البدراني، المعروف بمكانته ومسيرته وسيرته العملية والنظرية والعلمية والمهنية التي خاض من خلالها غمار تجارب ميدانية عدة، وهو الأستاذ المتخصص في علوم الإعلام والاتصال، وعميد كلية الإعلام بالجامعة العراقية (سابقاً)، وعضو شبكة كراسي اليونسكو للاتصال (أوربيكوم)، ومدير مكتب أكثر من وكالة أنباء عراقية وعربية وأجنبية، ووكيل وزارة الثقافة والسياحة والآثار للشؤون الثقافية (حالياً)، فقدم للقاريء المتخصص وغير المتخصص، وعلى امتداد أكثر من مائة وستين صفحة من القطع الكبير، دراسة بحثية عن مرحلة وقضية غاية في الصعوبة، لأنها تقترب من مفهوم ، إن لم تكن، استقصائية ومغايرة و متجاوزة لكثير من البحوث والدراسات التي يعج بها الوسط الأكاديمي والصحفي والإعلامي عراقياً وعربياً.

ولعل قراءتي السريعة لمجهوده العلمي الرصين هذا، لا تفي بجهود هذا الرجل وبما قدمه للصحافة العراقية والعربية، إذا أخذنا – بنظر الاعتبار- مؤلفاته الرصينة الأخرى التي جاوزت العشر والصادرة عن دور نشر عربية مهمة ، وهي: "حرب الفيروسات وصدمة الاعلام النفسية" 2022، "التربية الإعلامية صناعة فك تشفير الإعلام" 2019 ، "الإعلام الرقمي في عصر التدفق" 2018،"أسس التحرير الصحفي والتلفزيوني والإلكتروني" 2015، "فن الاتكيت في بناء العلاقات الاجتماعية والدبلوماسية" 2014، "الأعلام وتشكيل الرأي العام وصناعة القيم"، (مجموعة مؤلفين) 2013، "الأعلام صناعة العقول" 2011، "ثورة الصورة"، "المشهد الإعلامي وفضاء الواقع"، (مجموعة مؤلفين) 2009، "العلاقات العراقية المصرية في الصحافة العراقية"، "القاهرة" 2007، "الفكر السياسي للأحزاب والحركات السياسية في العراق"، "دراسة في صحافة الأحزاب2006" .

نتفق مع المؤلف البروفيسور فاضل البدراني في أن هذا الكتاب "يعد أول دراسة تجمع بين الصحافة والإعلام والسياسة في محاولة الوصول لموضوع تشكيل الرأي العام.. وتناولت البحث في متغيّرات معالجة الصحافة العراقية للحراك السياسي في العراق واتجاهات النخبة نحوها، وتضمّ هذه النخب، بحسب الدراسة، الرموز الإعلامية كمعيار لجمهور الصحفيين المؤثّرين في تشكيل اتجاهات الرأي العام حيال موضوع الحراك السياسي. كما تناولت بيان آراء هذه النخب في أسلوب تعاطي الصحف لهذه القضية بكل ما تحمل من قيم إخبارية ومهنية رفيعة، والتي ربما تعنى بحدوث تغيّرات سياسية في العراق تكون لها نتائج وانعكاسات غير متوقّعة على الواقع العربي عموماً. وربما تكون نتائجها على المستقبل البعيد ذات تأثير أكبر في مستقبل البلدان العربية وأنظمة الحكم فيها، وطبيعة المشاركة السياسية".

لقد جاء الكتاب – بعد المقدمة الوافية – في ثلاثة أقسام تضمنت تسعة فصول، القسم الأول منها الذي جاء تحت عنوان "دراسة تحديات الإعلام والديموقراطية في العراق"، ناقش الباحث في الفصل الأول منه، موضوع "الحراك السياسي والإعلامي ومعوقات التحول الديمقراطي"، عبر المجتمع المدني وخطو النتقال الى البيئة الديمقراطية، وعوامل التحول في المجتمع نحو البيئة الديمقراطية، ولغة الحوار الوطني وثقافة التعايش السلمي، والإعلام وتحديات صناعة الفضاء الديمقراطي، ورؤية الاعلام في التحول نحو الديمقراطية، والإعلام العراقي ومتوالية صناعة المكونات والمذاهب.

ليفضي في الفصل الثاني الى معالجة مسألة "الديمقراطية وخصوصية الشعب العراقي في الممارسة والتطبيق"، متناولاً أطروحة الديمقراطية شعار طاريء على العراق، مسلطاً الضوء على وطنية العهد الملكي، وديمقراطية بلا ديمقراطيين، والعشيرة السياسية بديل الديمقراطية، والتشبث بالمسار الديمقراطي، ومن ثم يعمل على تفكيك البنية السياسية والاجتماعية العراقية من خلال البحث في تغييرات في تشكيلة الدولة السياسية، وكذلك تغييرات في التشكيلة الاجتماعية، وصولاً الى البحث عن مخرج لوهم الديمقراطية في الحالة العراقية، والهويات الفرعية في ديمقراطية مأزومة، ومعالجات لحل الأزمة، واعتماد مجموعة من الحلول والمعالجات اللازمة لضماد جراحات العراق النازفة منذ 2003، والنتائج التي خرج بها الباحث هي من الاهمية بمكان ولا يمكن تجاوزها لواقعيتها وتماهيها مع التجربة العراقية المتباينة.

في حين تضمن القسم الثاني الذي جاء تحت عنوان "التغطية الصحافية والمعالجة الإخبارية للحراك السياسي"، ثلاثة فصول، توقف – بموجب تسلسل فصول الكتاب - في الفصل الثالث عند أصداء الحراك السياسي في الصحافة العراقية، متوقفاً عند القائم بالاتصال في الصحافة المطبوعة من حيث العوامل المؤثرة كالقيم الاجتماعية والمعايير الذاتية والمهنية. في حين توقف في الفصل الرابع عند موضوع التغطية الصحافية وأنواعها والفنون الصحافية المرتبطة بها، من حيث المفهوم والاصطلاح والخطوات والأنواع، وتناول في الفصل الخامس مفهوم المعالجة الإخبارية والسياسة التحريرية للصحف، من خلال المعالجات المثيرة والناقصة والمتكاملة، فضلاً عن التناول الاعلامي للأزمات بما فيها المفهوم، والسيكولوجيا، وهيمنة وضغوط الحكومات، والسياسات الاتصالية للدولة، وضغوط المصادر الاخبارية.

وعالج في القسم الثالث وقد حمل عنوان "الحراك السياسي واتجاهات النخبة الإعلامية"، مناقشاً في الفصل السادس منه أصداء الحراك السياسي في الصحافة العراقية، من خلال أزمة الاحتجاجات الشعبية في العراق عام 2012 وعلاقة الصحافة بها، فلم يغفل في ذلك نظريات الإعلام والتنشئة الاجتماعية والسياسية.

وفي الفصل السابع المعنون "المشاركة السياسية لأفراد المجتمع"، يستعرض المفهوم، ودوافع المشاركة السياسة وآلياتها ومستوياتها، وممارسة الأنشطة السياسية، ومراحلها، وخصائصها، وتأثيراتها، ودور الإعلام فيها.

لينتقل في الفصل الثامن الى "الحراك السياسي واتجاهات النخبة الإعلامية، ودورها في المجتمع" دون أن يوفر القوى السياسية والإعلامية والنخب الغائبة ،لاسيما الأحزاب السياسية، والمجتمع المدني، ووسائل الإعلام والمثقفين، وختم بالفصل التاسع بتسليط الضوء على "مفهوم ومكونات الاتجاه وعلاقته بالسلوك الإنساني" مروراً بالأسرة، والمدرسة، والمجتمع، ناهيك عن خصائصه.

الكتاب يعد إضافة غنية للمكتبة العراقية والعربية في أبعاده الإعلامية والفكرية والتاريخية والسياسية..