أبواليزيد الشرقاوي يشخِّص حالة الشعر بين الفنون الإبداعية في مصر

الباحث المصري يؤكد أن الفترة الحالية تشهد تطورات مهمة في الشعر بسبب اقتباس تكنيكات من الفنون الإبداعية الأخرى.
الأفكار المنقولة من مجال الفن التشكيلي إلى عالم الشعر تعد تحولا مهما في مسار الشعرية
نظرية الاتصال أعلت من "الاتصال غير اللفظي" وأصبح الاتصال اللفظي أحد وجوه الاتصال

يرى الباحث د. أبواليزيد الشرقاوي أن الفترة الحالية تشهد تطورات مهمة في الشعر بسبب اقتباس تكنيكات من الفنون الإبداعية مثل: المسرح والسينما والرسم ونظريات الاتصال، مما ترك أثره القوي على الحركة الشعرية المعاصرة.
وقال في بحثه المنشور في التقرير الأول لحالة الشعر العربي الذي أصدرته أكاديمية الشعر العربي بجامعة الطائف السعودية - ووقع في حوالي 40 صفحة من صفحات التقرير البالغة 900 صفحة – إنه إذا تحدثنا عن ازدهار الحركة الشعرية في هذا الوقت لا نكون مبالغين، ويكفي أن تتابع الندوات والمنتديات والأمسيات التي يقيمها المثقفون للشعر، وستدرك أنه في حال انتشار كمي، قد نختلف حول قيمة هذا الشعر، لكن يتم تقديمه إلى المستهلك باعتباره شعرا.
ويرى الشرقاوي أن الثقافة العالمية تنحو نحو إزاحة الحواجز بين الأجناس الأدبية، وما يتبقى منها هو "النص" وليس النوع الأدبي الذي ينتمي إليه هذا النص، ويقول إن الكتابات حول تداخل الأنواع بل وإنكار الأنواع، أكثر من أن تحصى، وأن غالبية من يكتب "الشعر" المعاصر ليس دارسا مختصا، ولا يفهم فكرة النوع أو الحدود التي تقيمها الأنواع، أو حتى تقاليد النوع، هذه التقاليد التي تبدو الكتابات الأدبية المعاصرة في حالة خروج ممنهج عليها.
ثم يتحدث د.أبواليزيد الشرقاوي عن تكنيك شعري مستمد من السينما، وهو المونتاج، ويطبق ذلك على نص طويل (صدر عام 1994) هو قصيدة "الغبار" للشاعر عبدالمنعم رمضان، حيث استفاد الشعراء من تقنيات تيار الوعي المستخدمة في السينما، فاتجهوا إلى تقنيات مثل: الفلاش باك والقطع والكلوس أب والتداعي الحر والمونتاج، ولعل المونتاج يكون التكنيك الأكثر مناسبة للشعر من بين هذه التكنيكات التي تناسب الرواية أكثر من الشعر. والمونتاج في أبسط تعريف له هو"عبارة عن تنسيق وتوليف اللقطات المختارة الصالحة، بما في ذلك من تصميم الانتقالات بين المشاهد".

أبواليزيد الشرقاوي حاول دراسة الشعر المصري المعاصر من خلال علاقته بالفنون، وقد اختار بضعة تكنيكات مستمدة من الفنون، وحاول بحثها في الشعر

أما تداخل الشعري مع الفن التشكيلي فيشير الباحث إلى أن الأفكار المنقولة من مجال الفن التشكيلي إلى عالم الشعر تعد تحولا مهما في مسار الشعرية وقد ظهر ذلك من خلال رسم صور شعرية جديدة على الذائقة العربية، وتمت صياغة العالم من جديد في صور شعرية جديدة لا تقوم على المحاكاة، ويضرب مثالا على ذلك بتجربة الشاعر محمد سليمان في ضوء مقولات الفن التشكيلي.
وعن نظرية الاتصال والإعلام وأثرها على الوعي الشعري يؤكد الشرقاوي أن نظرية الاتصال أعلت من "الاتصال غير اللفظي" وأصبح الاتصال اللفظي أحد وجوه الاتصال، ومن ثم دخلت وسائط كثيرة لتحل محل اللغة، ومن ثم تم تعديل كثير من الأفكار الموروثة عن التواصل نفسه، ويضرب مثالا على ذلك بمقاطع مستمدة من ديوان الشاعر حلمي سالم "فقه اللذة" الصادر عام 2013.
ويرى الشرقاوي أن الإعلامية تتحقق بوسائل عدة بعد تطبيقها على ديوان سالم، منها: الانقطاعات والفجوات، حيث الانقطاعات هي إكمالات نصية فيها تبدو تشكيلة ما خالية من المادة، أما الفجوات فهي اللا تساوق الأساسي بين النص والقارئ، فالافتقار إلى موقف مشترك وإطار مرجعي مشترك يماثلان اللاشيء، فاللاتساوق واللاشيء هما شكلان من أشكال الفراغات اللامحدودة والتكوينية. ويوضح الباحث أن هذه الفجوات والانقطاعات من محفزات القراءة والتأويل. وبذلك تتوالد الاستعارات والمجازات والتشبيهات والصور الشعرية التي تحلق متباهية بوجودها على ما هي عليه، وهي تشير إلى ذاتها، ولا تحيل إلى شيء واقعي.
ثم يأخذنا أبواليزيد الشرقاوي إلى القصيدة اللوحة التي تعددت محاولات كتابتها لكنها لم تستو بصورة مقنعة؛ لأنها تحتاج إلى وعي بمبادئ الفنون الإبداعية التي تشكل هذه القصيدة، ومن الصعب استخدام الألوان، كما في حال الرسم، فتكون الرسومات باللون الأسود فقط، كما أن تداخل الأشكال والحروف على الصفحة يجعل من طباعتها أمرا شاقا، لأن أي تغيير في تنسيق الصفحة يؤدي إلى إعادة توزيع العناصر على الصفحة. ويتوقف الشرقاوي عند تجربة ناجحة بقدر لم يتوفر لسواها في ديوان "أرعى الشياه على المياه" للشاعر رفعت سلام (2018) ويشير الباحث إلى أن الشاعر قدم تجربة سابقة في ديوان "حجر يطفو على الماء" وكان قد رسمه بيده وكتبه وطبعه مرتين واستاء من إحداهما وتدارك ذلك في الثانية، واستفاد بتجربته تلك في إخراج ديوانه الأخير، فخرج بصورة رضي عنها الشاعر. 

The case of Arabic poetry
في مواجهة بناء درامي 

ويرى الشرقاوي أن رفعت سلام يسعى لإحداث "ابتداع في الشكل كما في المضمون، أو في الدال كما في المدلول" على حد قول صلاح بوسريف في كتابه "الكتابة خارج الشكل"، وعلى ذلك فإن الكتابة خارج الشكل تجعل الأفق الكتابي مختلفا فتتعدد الدوال على الصفحة، فلم تعد الألفاظ هي الحاملة للدلالة فقط. وهذه القصيدة وما يشبهها تحتاج إلى قارئ آخر غير الذي اعتاد على قراءة السواد فقط على الصفحة، وما يجعل من مثل هذه القصيدة شعرا هو القارئ الذي يعترف بهذه الكتابات، فإن أنكر القارئ هذا النمط من الشعر كفَّ عن أن يكون شعرا، بل كف عن أن يكون نصا.
أما عن الجانب السردي في القصيدة المعاصرة فيرى الباحث أن قصيدة "طفل في المخيم" للشاعر أحمد نبوي تقدم تجربة مميزة في هذا الصدد، حيث تختفي "أنا" الشاعر ليضعنا في مواجهة بناء درامي بما يسمح لعرض الصراع، والتناقض، والتوتر من خلال رسم مشاهد ثلاثة تمثل لوحات ثلاثة في حياة "طفل وحيد في المخيم". وقصيدة نبوي من شعر التفعيلة بعكس النماذج السابقة التي جاءت من قصيدة النثر.
ويلفت الشرقاوي أن الألفاظ المعدودة والجمل المكثفة في قصيدة نبوي استطاع تداخل الأنواع أن يحميها من نبرة الخطاب والغنائية، حيث ينجح السرد في تقديم تجربة متماسكة وبنية أدائية وتعبيرية واضحة أجاد الشاعر في استغلالها وتفعيلها ضمن قصيدته، مؤكدا أن نجاح ديوان نبوي يرجع جزء كبير منه إلى غياب المسكوت عنه، والذي لا يمكن بناء عناصر المشهد إلا من خلال استرجاعه.
وخلاصة القول في بحث د.أبواليزيد الشرقاوي أنه حاول دراسة الشعر المصري المعاصر من خلال علاقته بالفنون، وقد اختار بضعة تكنيكات مستمدة من الفنون، وحاول بحثها في الشعر، مثل: المونتاج والصورة ونظريات الاتصال والرسم والسرد، ودرس كل تكنيك من خلال ظهوره عند بعض الشعراء المصريين الذين تناولهم بالدراسة.