أحمد بلبولة يرصد الحركة النقدية وخصائص الشعرية المعاصرة في مصر

الناقد المصري يعتمد في رصده على إصدارين فقط، هما "النهار الآتي" عن تجربة الشاعر رفعت سلام والكتاب الدوري الذي يصدره بيت الشعر بالأقصر.
المجلدات الثلاث دارت حول إبداع تسعة وعشرين شاعرا مصريا شابا تتراوح أعمارهم ما بين العشرين والثلاثين عاما
بلبولة يرى أن المجلدات الثلاث تعد عينة دالة كافية على اتجاهات الدراسات النقدية المصرية المعاصرة في تعاطيها مع الشعر

يعرض الناقد المصري د. أحمد بلبولة لحالة النقد الأدبي المصري في متابعة الشعر المصري المعاصر على المستويين: الأكاديمي وغير الأكاديمي، سواء في المؤسسات الرسمية أم غير الرسمية، ويرصد أهم معوقاته على المستوى الأكاديمي التي تجلت في انصرافه عن الشعر إلى السرد إذا ما قورنت نسبة الرسائل المسجلة في السرد بنظيرتها المسجلة في الشعر، وفي التناقض الذي يقع فيه الناقد بين ما يطرحه من أطر تنظيرية وما يقدمه من تطبيق على المادة الشعرية التي يدرسها، بالإضافة إلى أن معظم المقاربات النقدية غالبا ما تكون هابطة على النص دون أن يستدعيها هو بما يحمل من شفرات وإشارات.
وفي بحثه المنشور في التقرير الأول لحالة الشعر العربي الصادر عن أكاديمية الشعر العربي بجامعة الطائف السعودية 2019 اعتمد بلبولة على إصدارين فقط، الأول "النهار الآتي" وهو كتاب صدر بالجهود الذاتية عن دار الأدهم للنشر والتوزيع في 2018 يحوي بين دفتيه كل ما كتب عن الشاعر المصري رفعت سلام، من دراسات قام بإعداده وتحريره الشاعر أحمد سراج ضمن مشروع له يطلق عليه "سلسلة أدب المصريين"، والكتاب مقسم لثلاثة أبواب ما بين دراسات ومقالات وشهادات شارك في كتاباتها 26 مشاركا.
أما الإصدار الثاني فهو الكتاب الدوري الذي يصدره بيت الشعر بالأقصر ويشرف عليه الشاعر المصري حسين القباحي، ويصدر عن دائرة الثقافة بالشارقة، وقد صدر منه ثلاثة مجلدات أخذت عناوين: المبشرون بالشعر، ويمطرون شعرا، وموعد مع الشعر، وقد وقعت فيما يقرب من ألف وخمسمائة صفحة، واشتملت على اثنتين وثلاثين دراسة لواحد وثلاثين باحثا من مختلف الأعمار، ودارت حول إبداع تسعة وعشرين شاعرا مصريا شابا تتراوح أعمارهم ما بين العشرين والثلاثين عاما. 

يصعب متابعة كل ما تصدره المطابع سواء من دواوين شعرية أو دراسات نقدية في بلد مثل مصر، ناهيك عما يُنشر لحظيا على صفحات التواصل الاجتماعي ومواقع النشر الإلكتروني المختلفة.

ويرى الناقد أحمد بلبولة أن هذه المجلدات الثلاث بما تشتمل عليه من دراسات تعد عينة دالة كافية على اتجاهات الدراسات النقدية المصرية المعاصرة في تعاطيها مع الشعر، وعلى الوقوف على خصائص الشعرية المصرية الشبابية المعاصرة، وإن كنت لا أتفق معه في هذا التوجه لأن هناك شعراء كثيرين لم تصل إليهم يد المجلدات الثلاث، في محافظات ومدن مصرية أخرى مثل الإسكندرية على سبيل المثال.
وأيا كان الأمر فإن بلبولة يرى أن بعض الدراسات التي نشرت في مجلدات بيت الشعر بالأقصر جاءت قشرية مدرسية، بل منها ما جاء انطباعية ساذجة، وعروضية مدرسية، وخطابية تسقط من الشعر أكثره تجريبا، كما يرى أن بعض الدراسات انفصلت مقدمتها المنهجية عن الجانب التطبيقي لدى الباحثين، وهي بلا شك إشكالية خطيرة تكشف عن عدم قدرة الباحث بشكل عام على التعامل مع المنهج من الناحية التطبيقية الأمر الذي يجعل منه مهما أتى بمقولات معجبة شيئا لا نفع فيه ولا طائل من ورائه.
ويشيد بلبولة بما قدمه الناقدان عماد حسيب ومدحت صفوت في دراستيهما من تصور عن المنهج ونسبيته، ومن محاولة جادة لتطبيق إستراتيجيات التفكيك، فيعطيان مؤشرات بأن ثمة تيارا نقديا واعدا – رغم ضعف نسبته مقارنة بالدراسات الأخرى – يحاول التعامل مع متغيرات الإبداع الشعري، مبرهنا على جديته في فتح الباب أمام شعرية عربية جديدة تعاني من تعثراتها التي تأتي من عدم الحسم بين خياراتها المتعددة.
ويخلص بلبولة إلى أهم الخصائص التي تمت معالجتها في الدراسات المختلفة التي تناولت مجلدات "بيت الشعر" الثلاث "قصائد ودراسات" ومنها حضور التراث العربي، والحضور البيئي، ومنه ظاهرة الانتظار في شعر الشعراء الشباب وهي نابعة من البيئة الزراعية التي نشأ فيها هؤلاء الشعراء الشباب، والتعالي الإجناسي حيث الانتقال بأريحية بين الأنواع الشعرية المختلفة من قصيدة عمودية إلى قصيدة تفعيلة إلى قصيدة نثر، وهو ما يعكس تسامحا في التعامل مع الفن ينأى عن الشوفونية الضيقة التي تتغذى على الإقصاء والنفي والاستبعاد.

The case of Arabic poetry
شعرية عربية جديدة

غير أنه يلاحظ على مجمل التجربة الشبابية التي قدمها "بيت الشعر" أنها تعرضت لتجربة الشعراء المصريين الشباب، متوسلة بمعظم الإجراءات النقدية القديمة والحديثة، وأنها قدمت رصدا جيدا لخصائص هذه التجربة التي بدت رغم يفاعتها مبشرة بما قدمته من نماذج تفوق فيها القالب العمودي على شعر التفعيلة، وغلبت فيها الغنائية على الدرامية، والذاتية على الموضوعية، واستثمرت ما أنجزته الشعرية العربية عبر تاريخها الطويل من قيم إيقاعية وتقنيات كالمونتاج السينمائي أحيانا واستلهام التراث أحايين كثيرة والمفارقة والتناص والسرد.
بطبيعة الحال لم يعالج الناقد د. أحمد بلبولة كل ما نشر من دراسات نقدية تتناول الشعر المصري في عامه الأخير والمنشورة في مجلات شهرية سواء منتظمة في الصدور أو متعثرة مثل: الثقافة الجديدة، وعالم الكتاب، وإبداع، والهلال وغيرها، أو المجلات العربية التي تنشر شعرا لشعراء مصريين ودراسات نقدية عن دواوينهم الشعرية. ولكنه أخذ عينتين فقط، عينة عن ما كتب عن شاعر واحد وهو رفعت سلام، رغم أن ما كتب عنه يمثل رحلة قوامها ثلاثون عاما من النقد، وبالتالي فكتاب "النهار الآتي" لا يمثل النقد الآن أو لا يمثل الحركة النقدية عام 2018 أو 2019، كما يذهب عنوان تقرير أكاديمية الشعر العربي بجامعة الطائف، أما المجلدات الثلاث الصادرة عن "بيت الشعر" بالأقصر، فهي أيضا لا تمثل الحالة المصرية ككل، ولا تمثل خصائص الشعرية المصرية المعاصرة في أبرز تجلياتها، لأنها أغفلت أجيالا وأجيالا لا تزال تبدع وتنشر ويصدر لها دواوين إما من جهات حكومية أو من قطاعات النشر الأهلية، ولكن في حقيقة الأمر يصعب متابعة كل ما تصدره المطابع سواء من دواوين شعرية أو دراسات نقدية في بلد مثل مصر، ناهيك عما يُنشر لحظيا على صفحات التواصل الاجتماعي ومواقع النشر الإلكتروني المختلفة.