أحمد جويلي عاشق الأدب

جويلي نبّه إلى لغوية وعالمية جورجى زيدان في مجال الدراسات اللغوية في الجامعات المصرية.
الكاتب الراحل وضع الأجمل والأعمق عن مسرح عبدالرحمن الشرقاوي
في شعره يميل إلى كتابة الطقطوقة الغنائية والأزجال الساخرة

عرف الوسطُ الأدبي في الإسكندرية, لفترة تزيد على أربعين عاماً الدكتور أحمد علي جويلي إنساناً رقيق المشاعر, نبيل المعاملة, هادىء الطبع, مترفعاً عن الصغائر, غير مزاحم في طلب المشاركة الأدبية لمجرد الظهور أو الوجود غير المبرّر لأنه أول من يحضر اللقاءات الأدبية والأمسيات الشعرية و– أيضاً – مناقشات رسائل الماجسيتر والدكتوراه بكل من كليتي: الآداب والتربية بجامعة الإسكندرية، ولا نشعر بوجوده إلا حين يهل علينا للسلام والاطمئنان, ولم نعهده قادماً لتحقيق مطلب شخصي أو رغبة في مأرب ذاتي, كان دائماً في استغناء عن كل ما يحتاج إليه الآخرون إلا حاجته إلى الوقوف على الحالة الصحية لزملائه وأحبائه فضلاً عن حرصه على تقديم التهنئة إليهم في المناسبات السعيدة والوقوف بجانبهم في المناسبات غير السعيدة.
وكثيراً ما كان يبادر بتقديم الهدايا العينية للأصدقاء المقربين إيماناً منه بحديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " تهادوا تحابوا".
وكما عرفناه إنساناً دمث الخلق, صادق العهْد, جريئاً في الحق, عرفناه – أيضاً – ناقداً أدبياً واعياً وشاعراً محُبِاً للشِعر والزجل, فضلاً عن دوره الإداري في تسيير حركة الأدب في الإسكندرية من خلال عضويته بكل من : هيئة الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية, إبَّان رئاسة الدكتور محمد زكريا عناني لها, وجمعية المخطوطات والتراث بالإسكندرية، وجماعة الأدب العربي، ورابطة الأدب الحديث بالقاهرة، ونادى الأدب بقصر ثقافة الأنفوشي. وقد اشتهر بيننا بقدرته على التدقيق اللغوي للأعمال الأدبية نظراً لتمكنه من قواعد اللغة العربية وفنونها, و– أيضاً – كان يتسم بحبه الجم للقراءة وإطلاعه على الإصدارات الأدبية والثقافية الجديدة ومطالعة الجرائد والمجلات والمبادرة بالاتصال بأصحاب الأعمال المنشورة وأحاطتهم بالنشر مشفوعاً برأيه المستحسن لمضمون العمل. ولذا أطلق عليه عاشق الأدب والشِعر.

Poetry
زهرة تشدو 

وُلد أحمد على جويلي بالإسكندرية في السادس عشر من أكتوبر في عام 1939 لأسرة ترجع أصولها إلى محافظة المنوفية, وحصل على دبلوم المعلمين الذي أهّله للعمل مدرساً للغة العربية بمدرسة العطارين الإعدادية، قبل أن يشرع في استكمال مراحل تعليمه التي وصلت به إلى الحصول على الدكتوراه بإمتياز مع مرتبة الشرف في الأدب العربي الحديث من جامعة المنوفية في عام 2000.
وقد عمل بالتدريس بجامعتي المنيا والمنصورة، وكليات المعلمين بالمملكة العربية السعودية.
وفي خضم ذلك لم يألُ جهداً في سبيل المشاركة في المجتمع الأدبي في الإسكندرية والتعاون مع القائمين على منصاتها وموائدها, والعمل على تفعيل أنشطتها الثقافية والحرص على إحياء ذكرى المبدعين الراحلين.
وقد رحل عن دنيانا في الأول من ديسمبر في عام 2020، ولم نعلم بهذا الأمر إلا بعد الإنتهاء من دفنه بالإسكندرية, وقد قدمنا العزاء فيه إلى حرمه المصون وولديه الدكتور خالد والصيدلانية يسرا. وعزاؤنا أن ترك لنا من السيرة الطيبة والمسيرة الفضلى في دروب الأدب والشعر ما يجعلنا نسعد بما قدّم وننهل مما أضاف.
فقد صدر له من الإنتاج النقدي والشعري أربعة أعمال: اثنان منهما في الدراسات النقدية هما: كتاب "جورجى زيدان – حياته في أعماله اللغوية والأدبية"، وقد طُبع بدار الثقافة العلمية بالإسكندرية في عام 2008. ويتضمن بابين الباب الأول تناول تحليل كتاب الفلسفة اللغوية لجورجي زيدان، والباب الثاني تناول تحليل كتاب "كائن حي" لجورجى زيدان. وكان هذا الكتاب هو موضوع رسالته لنيل درجة الماجستير في علم اللغة العربية من كلية الآداب بجامعة الإسكندرية في عام 1983.
وأصدر كتابه "عبدالرحمن الشرقاوى – حياته وأدبه" في عام 2006 وطُبع فى دار الثقافة العلمية بالإسكندرية. وكان هذا الكتاب محل رسالته لنيل درجة الدكتوراه في الأدب العربى الحديث من جامعة المنوفية في عام 2000.
وفي هذين العملين يقول الناقد الأدبي الدكتور مختار عطية الأستاذ بكلية الآداب جامعة المنصورة: "ولعل الله قد أتاح للجويلي أن يقع على أولى الخطوات في هاتين الدراستين دراسة أولى فهو من نبّه إلى لغوية وعالمية جورجى زيدان في مجال الدراسات اللغوية في الجامعات المصرية، وفي الكيانات المختلفة بجانب الدراسة الأجمل والأعمق في مسرح عبدالرحمن الشرقاوى."
ويقول الناقد الأدبي الدكتور محمد زكريا عنانى الأستاذ بكلية الآداب جامعة الإسكندرية في مقدمته لكتاب "عبدالرحمن الشرقاوي حياته وأدبه": "والحق أن جوانب الإجادة في هذه الدراسة من الكثرة بمكان, وقد استوعب فيها جوانب التأليف المسرحي عند الشرقاوي كافة, وجاءت الرسالة محكمة البناء إذ ابتدأت بتحليل المواقف ثم انتقلت إلى لغة المسرح، تدرج بعد ذلك إلى عرض الإطار الفكري لمسرح الشرقاوي حتى إذا ما اكتملت هذه العناصر عرج على دراسة الشخصيات المسرحية, وفي خضم هذا تطلب الموقف أن يصول ويجول ويناقش ويحلل ويعرض على الأصول المسرحية الدقيقة ثم ليقدم كل هذا في إطار شيقٍ من لغة حيّة وتسلسل منطقي ومعالجة أخاذة, وفي كل هذا ما جعل من هذه الدراسة واحدة من أجمل ماكتب عن عبدالرحمن الشرقاوى."
ومن إنتاجه جويلي الشعري ديوانان: "ترنيمة الهدهد الحزين" ويتضمن عدداً وافراً من قصائد العامية والأزجال، وقدّمه الدكتور مختار عطية بقوله "ربما تشاركني الرأي في أنك حين تقرأ قصائد هذا الديوان فربما تشعر أنك أمام قصيدة واحدة، رؤية واحدة، منطلق واحد، فربما دلّل ذلك على شخصية صاحب الديوان الذي يتجلى أمامنا زهرة تشدو أو أنشودة تزهر في زمنٍ غامت فيه الرؤى, وخارت القوى, واختلط فيه الحابلون بالنابلين, فيغزوك بحسّه ويتحسسك بغزوه ويداعبك بأنامل ذلك الكائن العجيب."
وممّا جاء بهذا الديوان قوله فى "إوعى تحكي":
إنت ليه تحكي لصحابك ** ع اللى كان م الود بينا!
ليه تمللى تخّلى بابك ** يحكي أسرارنا وعبيرنا؟ّ!
ليه بتحكيها تمللى ** نفسي ع الشمعة تدارى؟!
ما انت عارفهم ياخلىّ ** يحسدونا .. وأنت داري
وقوله:
معلهش حاسامحك تاني ** ولو أنى عاتبه عليك
يرضيك الناس ظلماني ** ولو إن الحق عليك!!

شعر
هادىء الطبع مترفع عن الصغائر

ونلمس مِما تقدم – ميله إلى كتابة الطقطوقة الغنائية والأزجال الساخرة، وقد اشتهر فى كتابتها بخفة ظلّهِ وحُسن أدائه.
وله – أيضاَ – ديوان شعر الفصحى بعنوان "الأشواق التائة" وفيه أودع عدداً من القصائد المتباينة الأغراض المتعددة الرؤى المحافظة على البحر الخليلى الشعري، فهو لم يجنح لكتابة قصيدته التفعيلية أو قصيدة  النثر معتزاً بإتقانه كتابة القصيدة البيتية ذات البحر الواحد.
ومن هذه القصائد قصيدته بعنوان "صديقي"، ومنها قوله:
صديقى مَنْ أراه بعين قلبي ** ومن بالود والنعْمى يراني
ومن لو غبْت عنه, غبتُ عنِّي ** ومن يتلو بما يتلو لساني
ولو أحد هجاني في غيابي ** يرد الغيب عنّي في ثواني
يقول الحسْن عنّي في وفاءٍ ** لأني في اكتمالٍ قد هداني
وأنى لا أرى أحداً صفاني ** يُراعى ودّنا يحمي كياني
يصون السرّ يحفظه دواما ** وعهدي عهدهُ صونُ اللسانِ
وتربطنا المودةّ في دوامٍ ** وتحفظنا – دواما – من هوانِ
وأوثره على نفسي ليرقى ** صعوداً في ذرا أعلى عَنانِ
لأني قد حظيتُ بكل مجدي ** أليس علوّه خيراً لشاني؟!
وعلى غرار ذلك جاءت قصائده الأخرى ذاتية جليّة صادقة.
وكما عاش وديعاً رحل وديعاً ناعماً بالحب مطمئناً, وأراني من مرسلاً له في مثواه الأخير بيت ابن زيدون الشهير: 
بالأمس كُنَّا ويخشى تفرقنا ** واليوم نحن وما يرجى تلاقينا.