'الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد' بين المترجم والترجمة

المترجم التونسي منصور مهني يقر ان الترجمة 'خيانة بدرجات متفاوتة، ولكنها تقريبا الخيانة الوحيدة المحبذة'.

قام المترجم التونسي منصور مهني مؤخرا بترجمة رواية "الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد" للكاتب والروائي السكندري أحمد فضل شبلول إلى اللغة الفرنسية، وصدرت الترجمة عن دار نشر لارمتان المعروفة في باريس، بعد أن صدرت الطبعة العربية عن سلسلة "روايات الهلال" التي تصدرها مؤسسة الهلال بالقاهرة، خلال عام 2020.

ومنصور مهني باحث جامعي (أستاذ متميز بجامعة تونس المنار) وكاتب ومفكر ومترجم وإعلامي تونسي. تمحورت دراساته وبحوثه الجامعية حول الآداب الفرنسية والآداب الناطقة بالفرنسية، وحول القضايا الحضارية خاصة مفهوم "المتوسطية"، وحول مسائل إنشائية مثل "النص المختلط" وتقاطع الثقافات، وخاصة مفهوم "الإبراخيليا" (والعبارة من استنباطه) الذي استمده من فكرة بقيت مهمشة في فكر سقراط الفيلسوف والذي يسعى منصور مهني، منذ 2012، إلى إكسابه أبعادا متعددة المجالات تتوافق ومتطلبات الزمن الراهن. وانتشر المفهوم اليوم في حوالي 15 دولة في أربعة أقطار وانتظمت حوله عديد اللقاءات الدولية ونشرت أعمال بعضها في تونس وفي بلجيكا وساحل العاج وفرنسا وإسبانيا، خاصة بعد أن نشر منصور مهني الكتاب المخصَّص له بالفرنسية (عودة سقراط) في طبعة أولى بتونس (2015) وطبعة ثانية بباريس (2017).

لمنصور مهني 8 كتب منشورة باللغة الفرنسية في مجال البحث والفكر والدراسات. يمكن الإشارة أيضا إلى جملة من العناوين لأعمال جماعية أدار نشرها منصور مهني لوحده أو بمعية باحثين من البلدان المغاربية والأوروبية وقد تم نشرها في تونس وفرنسا وإيطاليا والجزائر والمغرب.

أما الكاتب منصور مهني فهو صاحب 7 مجموعات شعرية ناطقة بالفرنسية منشورة في تونس وفي فرنسا. له أيضا مجموعة قصصية "جزاء سنمار" أعيد نشرها ضمن مجموعة موسعة "نسمات ورذاذ"، ثم قصة "العنكبوت"، عرَّبها المرحوم الشاعر التونسي محجوب العياري، ونشرت في طبعتين عربيتين بتونس والقاهرة، ورواية "ليلة الألف ليلة أو ملك المشنوقين" المتوجة بالجائزة الدولية الأدبية كاتب ياسين بمدينة قالمة بالجزائر في يناير 2014. وعرَّب الرواية الجامعي والكاتب والمترجم محمد آيت ميهوب ونشرها معهد تونس للترجمة. كما ترجم أحد دواوينه إلى العربية وصدر في القاهرة ("الثانية بعد..."، عن دار بتانة)، كما ترجمت مختارات من أشعاره إلى الإنكليزية وصدرت في لندن، ثم إلى الإسبانية وصدرت بكوستاريكا (في أميركا) بمناسبة الدورة 12 للمهرجان الدولي للشعر، وبعدها إلى الإيطالية في مختارات لشعراء تونسيين.

ومن ترجمات منصور مهني، خاصة إلى الفرنسية، روايتا "حركات" لمصطفى الفارسي و"المؤامرة" لفرج الحوار، وديوان شعر لآدم فتحي "نافخ الزجاج الأعمى" وكلها صدرت عن المركز الوطني للترجمة بتونس. كما ترجم رواية "خان الشابندر" للروائي العراقي المقيم بهولندا، محمد الحياوي، ورواية "ابرة الرعب" للكاتب السوري المقيم في لندن، وصدرت الروايتان بباريس عن دار لارماتان.

أشرف منصور مهني أيضا على دوريات ثقافية وعلمية باللغتين لعل أبرزها ثلاث مجلات وهو مؤسسها: "تيتيس" (مجلة ثقافة المتوسط وفنونه)، و"محادثات" (مجلة الدراسات الإبراخيلية)، و"صوت المستقبل" (مجلة المسائل والمفاهيم المستقبلية).

هو أيضا ناشط في مجال الإعلام المكتوب والرقمي والإذاعي والتلفزي، كمنتج وكمسؤول.

وقد قام منصور مهني مؤخرا بترجمة رواية "الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد" للروائي المصري أحمد فضل شبلول، التي صدرت عن سلسلة "روايات الهلال" بالقاهرة عام 2020 فما الذي جذبه في هذه الرواية لترجمتها إلى اللغة الفرنسية؟

يقول منصور مهني: في البداية كان الفضول الثقافي بمحبة خاصة لمصر وأصدقاء لي فيها وبتطلع لمزيد التعرف على رموزها الفكرية والأدبية والفنية. ثم شدَّني تصور القصة وصياغة الحبكة القصصية مع ذاك الهاجس البشري الساكن في كل واحد فيها، ألا وهو اللقاء الحتمي مع ملاك الموت، لحظة الغوص في أعماق ليل انتهاء الحياة على أمل أن لا يكون انتهاء الوجود.

ونسأله: ما الوقت الذي استغرقته عملية الترجمة حتى استوت على عودها، وأصبحت صالحة للنشر؟

يقول: الترجمة، في مرحلتها الأول، استغرقت 6 أشهر (من غرة يوليو 2020  إلى 31 ديسمبر 2020). وبعدها تولى الصديق المشترك والجامعي والكاتب والمترجم محمد آيت ميهوب مراجعة العمل وإرجاعه في منتصف مارس/اذار 2021، مرفوقا بالكلمة التالية:

"العزيز الدكتور منصور مهني

تحية المودة والتقدير

فرغت الآن من مراجعة الترجمة، وقد كانت قراءتها متعة خالصة لي؛ فأهنئك وأهنئ الروائي أحمد فضل شبلول بهذا الإنجاز الرائع الذي سيزيد النص الأصلي ألقا وإشعاعا. وأرفق إليك نص الترجمة من جديد وقد علمت باللون الأحمر بعض التعديلات البسيطة جدا التي لا تتجاوز تصويب عدد من الأخطاء الطباعية وأرجو للمترجم والمؤلف مزيدا من النجاح والتميز. محبتي. محمد".

ثم أُرسل نص الترجمة إلى الناشر نهاية الشهر نفسه وطرأت تعطيلات عدة اقترنت مع تعقيدات الوضع الصحي العام الناتج عن جائحة الكورونا حتى استكملنا، لداية فبراير 2021، نهائيا كل المسار التقني والإداري المتعلق بالترجمة.

كيف تم الاتفاق بينك وبين دار النشر "لارمتان" الفرنسية، لنشر هذه الترجمة لرواية عن فنان تشكيلي مصري، ربما تكون هي الأولى من نوعها عربيا؟

في الواقع علاقتي بدار النشر "لارمتان" تعود لبداية التسعينيات عندما ربط صلتي بها الصديق والأستاذ الباحث الألمعي "مارك قنطار" (وكان وقتها مدير سلسلة هو مؤسسها وفيها تصدر الترجمة الآن، "سلسلة آداب العالم العربي") فنشرت سنة 1994 مجموعة أعمال أدرتها حول الكاتب المغربي الطاهر بن جلون. وفي بداية سنة 2017 استرجعنا العلاقة بعد انقطاع طويل وتوطدت صداقة مع الرئيس المدير العام المؤسس "دونيس بريان" ثم مع المدير العام "كزافيي بريان" بناء على مشاعر متبادلة من المودة والثقة والاحترام، ومنهما إلى مجموعة من العاملين في دار النشر. فنشرت مع لارمتان كتاب "عودة سقراط" وهو كتاب فكري بالفرنسية مؤسس لمفهوم "الإبراخيليا"، في طبعته الثانية (الأولى كانت بتونس سنة 2015)، ثم ديواني الشعري السادس باللسان الفرنسي، ثم ترجمتين إلى الفرنسية لروايتين عربيتين هما: "خان الشابندر" للعراقي محمد حياوي و"إبرة الرعب" للسوري هيثم حسين. وبناء على هذه الثقة المتبادلة وعلى التجارب السابقة ومصداقيتها لم أجد صعوبة في الاتفاق مع دار النشر في خصوص ترجمة "الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد".

'الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد'
عمل استغرق 6 أشهر

"الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد" رواية مصرية سكندرية، ومعظم أحداثها تدور في النصف الأول من القرن العشرين، وقد تحتاج بعض الألفاظ أو المفردات إلى تفسير أو تعريف بها للقارئ الأجنبي. كيف تعاملتم مع هذا الجانب؟

لقد عبَّر المؤلف منذ البداية عن استعداده لأي توضيح أحتاجه وأطلبه وأكد على خصوصية بعض الألفاظ أو بعض الأوضاع التي قد تستدعي تفسيرا دقيقا وشرحا مستفيضا، لكن نظرتي لعملية الترجمة تنطلق من وضع مسافة ضرورية تحد من إمكانية توجيه الترجمة، بفعل ميولات ذاتية للمؤلف، إلى غير ما يوحي به أو ما يعنيه النص بذاته وبمكوناته. لذلك حاولت أن أقتصر على ما استعصى على إدراكه جيدا بعلاقته الوطيدة بالسياق الزمني والمكاني. وفي هذه المناسبات التي أردتها أن تكون أقل ما يمكن، كان الأستاذ أحمد فضل شبلول سخيا بالإعلام والتفسير. أما أنا فقد كنت أبحث وأقرأ كل ما أجده في علاقة بمحتوى النص، خاصة ما يتعلق بالفنان محمود سعيد الذي أصبح صديقًا ولمدينة الإسكندرية التي حلمت بأن أراها والتي صرتُ أعرفها نسبيا – من خلال الرواية - رغم أني لم أزرها.   

ونسأله عن أهم العوائق التي قابلته أثناء ترجمة تلك الرواية من العربية إلى الفرنسية؟

فيقول: في غير ما أشرت إليه أعلاه بخصوص بعض العبارات المحلية والتي قد تتقاطع لفظا مع كلمات أخرى دون تطابق أو ترادف في المعنى، كان البحث عميقا والجهد شاقا ولذيذا في مختلف أعمال محمود سعيد، خاصة تلك التي لا تجد لها اسما مكرّسا بالفرنسية أو تلك التي عرفت بعنوان غير الذي أتى في نص الرواية. فجنيت من ذلك ثمارَ تثقيفٍ لنفسي في مجال الفن التشكيلي المصري، لكنني أعتقد أنه غير كاف لما يهزني من طموح لمعرفته أكثر. أما أهم القضايا، فقد كانت مع شخصية "مَبهج"، ملك الموت والطريقة التي وظفته بها الرواية لتأدية المعاني المتناقضة والمتكاملة. لا أريد أن أضيف على ذلك ما قد يحد من حرية القارئ في التعاطي مع النص وترجمته.

هل تعتقد أن هناك تشابهات بين سيرة الفنان التشكيلي في مصر مثل محمود سعيد، وفنانين تشكيليين أجانب قد تكون قرأت عنهم أو ترجمت لهم من قبل؟

لا يمكنني أن أدعي معرفة الفنانين التشكيليين في مصر والفنانين التشكيليين في أقطار أخرى وفي أزمان أخرى بدرجة تسمح لي بالحكم عليهم أو بالمقارنة بينهم، فأنا كما قلت متطفل على القطاع رغم حبي له وإعجابي بأهله، ورغم بعض الصداقات من الفاعلين فيه. لكن ما يمكنني القول انطلاقا من سؤالك، يمكن أن أشير إلى أنني لا أتذكر أن من عرفت وأعرف في القطاع من 10 بلدان على الأقل، يكاد كل فنان ينفرد بقصة حياته وبمشاعره الفنية، رغم أي تشابه قد يظهر للعيان.

لا أريد أن أتوقف عند الأسماء حتى لا أظلم أحدًا لكنني أعتقد أن القراءات المقارنة في فنون البلدان العربية يمكن أن يستفاد منها. حقل شاسع ليس المجال للغوص فيه، لذلك أكتفي بالإشارة لأهمية الموضوع.  

مثلا، عندما أحاول المقارنة بين لوحات محمود سعيد والتونسي محمود السهيلي أتساءل عن إمكانية أن يكمن الفارق في المرور بنفس المحتوى تقريبا من الواقعية وخطوطها أو حدودها الواضحة إلى انتفاء التحديد سواء تعبيرا لصعوبة إدراك حقيقة الأشياء أو لنزعة لا متناهية للتحرر والانعتاق, أذكر على سبيل الذكر لوحة "مدام بتانوني بيه" للفنان محمود سعيد (1923) ولوحة "امرأة بربرية" لمحمود السهيلي (1993).

وعندما أتأمل لوحات "مدرسة تونس للفنون التشكيلية" التي "لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن نتجاوزها عند الحديث عن الفن التشكيلي أو الجماليات التونسية"، كما يؤكد ذلك الفنان والجامعي سامي بن عامر صاحب أول منجد عربي للفنون على ما أظن (2021)، تستوقفني "لوحة للرسام زبير التركي" وفيها ثلاثة رجال يطلعون على جريدة فأستحضر لوحة بنات بحري لمحمود سعيد رغم الفرق بين اللوحتين التي يجمع بينهما عدد الشخصيات (3) وفارق الجنس (رجال عند التركي ونساء عند سعيد)، لكنني في لحظة التأمل تلك أنظر إلى لوحة محمود سعيد وأقرأ في داخلي جملة زبير التركي: "كلّ هؤلاء الشخوص المرسومة هم شخصيّات حقيقيّة إنّهم أقربائي وشيوخ الحومة...إنّني أرسم نفسي وإياهم." 

ونسأل المترجم التونسي منصور مهني عن أهم الأسماء العربية التي ترجم لها من قبل؟

فيقول: ثلاثة كتب تونسية أرى أنها من أهم ما كتب في الخمسين سنة الأخيرة وهي: رواية "حركات" للمرحوم مصطفى الفارسي، ورواية "المؤامرة" لفرج الحوار، وديوان شعر لآدم فتحي "نافخ الزجاج الأعمى" وكلها صدرت بتونس عن معهد تونس للترجمة. أما لغير التونسيين، فقد ترجمت روايتان هما: "خان الشابندر" للعراقي محمد حياوي و"إبرة الرعب" للسوري هيثم حسين، وصدرتا عن دار "لارمتان" بباريس.

هل فعلا ترجمة الرواية هي الرائجة عن ترجمة الشعر سواء العربي أو غيره؟

يبدو أن الأمر كذلك رغم صعوبة تحديد الوضعية من حيث نسبة مصداقية الإحصائيات والأرقام ومن حيث إمكانية عدم الأخذ بعين الاعتبار معطيات غير متوفرة لدى الباحثين في المجال. لكن طبيعة الرواية في علاقة بمردوديتها الاقتصادية ومقروئيتها لدى العموم تجعلها أكثر رواجًا سواء كانت في لغتها الأصلية أو مترجمة، مع مراعاة نسب الترجمة من لغة إلى أخرى. والأمر كذلك في كل اللغات تقريبا حسب رأيي المتواضع.

هل تقرون بعبارة إن الترجمة هي خيانة للنص الأصلي؟

هي خيانة بدرجات متفاوتة، ولكنها تقريبا الخيانة الوحيدة المحبذة...    

ما نسبة ترجمة الأدب العربي إلى الفرنسية مقارنة بترجمات لغات أخرى؟

يبدو أن نسبة ترجمة الأدب العربي عموما وإلى كل اللغات لا تتجاوز 10 في المئة بين 1990 و 2005 (في انتظار تحيين الأرقام خاصة لمرحلة ما سمي، بهتانا، بالربيع العربي)، وأن نسبة ترجمة العربية إلى الفرنسية هي الأرفع رغم توجس بعض الإخوة العرب من الفرنسية، وتلك قضية أخرى تستحق الدرس.

هل ترون أن الكتاب الإلكتروني أو النشر الإلكتروني سيقضي على نشر الكتاب الورقي في المستقبل القريب؟

لا أعتقد ذلك البتة. يمكن للكتاب الإلكتروني أن يكون رافدا مهما لمفهوم الكتاب وأن يخدم الكتاب الورقي إن وجد مصنعوه ومروجوه الاستراتيجية الملائمة لذلك. كل اكتشاف جديد هو كسب للبشرية شريطة توظيفه بالطرق الأمثل وبالأساس اعتماد التكامل بين التقليص في الكلفة وسرعة الرواج واتساعه عبر السبيل الرقمي وتوظيف نفس السبل لصالح الكتاب الورقي بصفته الوثيقة الباقية التي لا تزول.

ما رأيك فيما يسمى بالترجمة الآلية، خاصة أن هناك "غوغل ترجمة"؟ وهل هي ترجمة يعتمد عليها، أم تلك الترجمة لا تزال محملة بأعباء وأخطاء كثيرة؟

لا يمكن للترجمة الآلية أن تعتمد البتة في الترجمة الأدبية لأن هذه الأخيرة هي إبداع على إبداع. بل حتى في مجال الترجمة الإدارية والخدماتية، لا بد من التحري والتثبت. لكن قد تنجح تجربة ترجمة قصيرة بالاستعانة ب"غوغل" شريطة أن تكون الترجمة إعادة إبداع حر بناء على إدراك نسبة من معنى النص الأصلي. أنا لا أقرأ الإسبانية لكن سنة 2013 بكوستاريكا، في المهرجان الدولي للشعر، تعمدت ترجمة قصيد قرأه أحد الشعراء المشاركين من أمبركا اللاتينية ونالت الترجمة استحسان الجميع من حولي واعتمدها الشاعر بكل سرور وعمم نشرها.

ما هي طقوس عملية الترجمة بالنسبة لك؟

هي قبل كل شيء خلق حميمية خاصة بين المترجم والنص. هي نوع من الزيجة بشاهدين هما اللغتان وبمباركة مسبقة من المؤلف. وفي تلك العلاقة، بين المناجد والمراجع والوثائق وسؤال الذات، يتعرى كل شيء وكل عجز في خضم حراك إبداعي هو من قبيل الحيرة الوجودية والطموح إلى القدرة الخلاقة الساعية إلى المثالية وهي تعلم أن إدراك المثالية أمر مستحيل. تلك هي مقولة محمود المسعدي التي تعيد نفسها في طقوس خلدتها أسطورة سيزيف: "الأدب مأساة أو لا يكون. مأساة الإنسان يتردّد بين الألوهيّة والحيوانيّة وتزف به في أودية الوجود عواصف آلام العجز والشعور بالعجز أمام نفسه".

هل هناك دور نشر معينة تتعامل معها بعد الانتهاء من الترجمة؟

أنا لم أنشر ترجماتي إلا بمعهد تونس للترجمة أو عند لارمتان في باريس، لكن كتاباتي الإبداعية المعربة نشرت بمعهد تونس للترجمة وبالدار العربية للكتاب بتونس وبدار رؤية وبدار بتانة في مصر.

دائما هناك مرجعية للترجمة أو مشاهدات غير النص الذي يقوم المترجم بترجمته، كيف كان الحال مع "الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد" على سبيل المثال؟

لست أدري إن هي استعانة لعملية الترجمة، لكنها قراءات واكتشافات تفتح آفاقا أوسع وأبعد من عمل ترجمي محدد. هي ثقافة بمناسبة وإلى جانب الوثائق المخزنة يبقى فعلها متواصلا في وجداني وفي أفكاري. استفدت من كل ما قرأت عن محمود سعيد وأعماله بالعربية والفرنسية، ومن مقالات متعددة للصديق أحمد فضل شبلول. سعيد أيضا بما قرأتُ عن الإسكندرية وبفسحاتي الخيالية في أنهجتها مستعينا بالخرائط والصور التي اطلعت عليها.

كل ذلك يفتح أبوابًا يمكن للخيال الإبداعي وللتطلع الثقافي أن يمر منها لحقول خصبة تذكي الشعور وتنمي الفكر وتبني جسورا صلبة تؤسس لروابط صامدة أمام كل الخاطر التي تهدد الإنسانية.