أحمد درويش يتابع حالة ترجمة الشعر في مصر والسودان

درويش يؤكد أن الشعر الدرامي والملحمي أقرب إلى قابلية الترجمة في الآداب العالمية من الشعر الغنائي الذي يصعب ترجمة "شكل المحتوى" فيه.
الترجمة مهمة شاقة تتجمع ضدها الاتهامات التي يلخصها المثل الإيطالي المعروف "المترجم والخائن وجهان لعملة واحدة"
بعض الشعراء السودانيين عرفوا ترجمات متعددة للغات الأجنبية مثل الإنجليزية والفرنسية وفي مقدمة هؤلاء: محمد الفيتوري والتيجاني يوسف بشير
السر خضر قدم ترجمات لأكثر من خمسة عشر شاعرا سودانيا
اللغة الإيطالية عرفت ترجمات لبعض الشعراء المصريين بداء من رواد عصر النهضة حتى العصر الحديث.

يرى الناقد الدكتور أحمد درويش أنه في ظل قيام المترجمات على أساس الجهد الشخصي للناشرين أو المترجمين أو الشعراء، تظل صورة المترجمات في حاجة إلى مزيد من التوازن، وهو توازن قابل للتحقق من خلال جهد أكاديميات الشعراء، والمؤسسات الثقافية بانتقاء "مختارات" من الشعر العربي من مختلف أرجائه، يقوم بها نقاد متخصصون ومتذوقون، وإتاحة هذه المختارات للقارئ العربي من ناحية، ولمن يرغب في إشاعة الصورة عالميا من خلال الترجمة من ناحية أخرى.
وفي بحثه المنشور في التقرير الأول لحالة الشعر العربي 2019 الصادر عن أكاديمية الشعر العربي بجامعة الطائف السعودية تحت عنوان "حالة الشعر العربي في مصر والسودان في المشهد الثقافي العالمي" يؤكد درويش أن الشعر الدرامي والملحمي أقرب إلى قابلية الترجمة في الآداب العالمية من الشعر الغنائي الذي يصعب ترجمة "شكل المحتوى" فيه، حتى وإن أمكن ترجمة بعض دلالة هذا المحتوى، وعلى الرغم من تقسيم الأنماط الفنية للشعر عالميا بين الغنائي والدرامي والملحمي، فإن الشعر الغنائي لا يمثل ثلث الحصاد الشعري العربي فقط، ولكنه يكاد يمثل غالبيته الكبرى، ويظل نتاج الثلثين (الدرامي والملحمي) محصورا في دائرة صغيرة واجتهادات مفردة.
ويرى أن المحتوى في الشعر الغنائي قد يصعب الإمساك بأطراف خيوطه، وقد يؤدي ذلك – إذا ترجم – إلى طرح محتوى ساذج لا يحس متلقيه أنه أمام نص جدير حتى بالغنائية، ويتمثل بمقولة الجاحظ إن "الشعر لا يُستطاع أن يُترجم، ولا يجوز عليه النقل" ولا شك أن الجاحظ كان يتحدث عن استحالة ترجمة الشعر العربي إلى غيره من اللغات.

من الضروري أن تمتد جذور البحث في "تقرير حالة الشعر العربي في مصر والسودان" قليلا إلى الوراء باعتبار أن هذا التقرير يمثل تقرير السنة الأولى في نشاط أكاديمية الشعر العربي بجامعة الطائف، وهو الذي سوف تُبنى عليه بقية تقارير السنوات اللاحقة إن شاء الله

ويشير درويش إلى أن الشعر العربي اقتصرت ترجمته إلى اللغات الأجنبية – قديما – على اللغات الإسلامية كالفارسية والتركية والأردية وغيرها، ولعل المترجم اقتصر منها على القصائد الدينية في المديح الإلهي والنبوي، وذلك نمط من القصائد يطير على جناحين من مضامين روحية تسعى إلى المتلقي المسلم غير العربي كما يسعى هو إليها.
ويؤرخ الدكتور أحمد درويش إلى بعض محاولات الترجمة الشعرية في العصر الحديث في مصر بترجمات محمد عثمان جلال شعرا لروائع لافونتين في القصص على ألسنة الحيوان في كتابه "العيون اليواقظ في الحكم والمواعظ"، وكانت قد سبقتها بعض المحاولات الغنائية القليلة مثل ترجمة رفاعة الطهطاوي لقصيدة "القيثارة المحطمة" للشاعر الفرنسي جوزيف حاكوب.
ويوضح درويش أن الترجمة مهمة شاقة تتجمع ضدها الاتهامات التي يلخصها المثل الإيطالي المعروف "المترجم والخائن وجهان لعملة واحدة"، ولكنه يرى أنه يمكن في ترجمة قصيدة أن نحتفظ بالمعنى في جوهره، لكن نفقد الشكل، ونفقد معه في الوقت ذاته الشعر. ومن هنا تأتي مشروعية الأزمة التي يقع فيها ترجمة الشعر عامة، وربما الشعر الغنائي خاصة، وقد يفسر ذلك قلة المفردات التي تشارك في شعرنا العربي المعاصر في رسم خريطة الشعر في العالم.
ومع ذلك فهو يشير إلى الجهود الجادة من أجل ترجمة هذا الشعر في إقليم مصر والسودان، حيث عرف بعض الشعراء السودانيين ترجمات متعددة للغات الأجنبية مثل الإنجليزية والفرنسية وفي مقدمة هؤلاء: محمد الفيتوري والتيجاني يوسف بشير، حيث تضم معظم كتب المختارات المترجمة عن الشعر العربي قصائد لهما، وظهرت إلى جانب ذلك كتب بأقلام مترجمين سودانيين تقدم مختارات من الشعر في السودان مترجمة إلى الإنجليزية كما حدث في كتاب "الشعر السوداني الحديث مترجما للغة الإنجليزية" حيث قدم المترجم السر خضر ترجمات لأكثر من خمسة عشر شاعرا من أبرزهم: محمد المكي إبراهيم، ومحمد المهدي مجذوب، ومصطفى سند، وكمال الجزولي، وعالم عباس محمد نور، وفضيلي جماع.
أما الشعراء المصريون فيوضح درويش أن قصائدهم عرفت طريقها إلى اللغات الأجنبية، وفي مقدمتها الإنجليزية، وقد أصدر الدكتور محمد عناني عدة كتب في هذا الإطار من بينها كتاب "مختارات من الشعر العربي في مصر" عام 2001 وقدم فيه تعريفا وترجمة لـ ثمانية عشر شاعرا معاصرا. كما قدم عناني ترجمات لمختارات شعرية لبعض الشعراء المعاصرين تحت عنوان "أصوات غاضبة" في سياق التطورات السياسية والاجتماعية التي حدثت فيما أطلق عليه الربيع العربي، ووردت في الكتاب قصائد مترجمة للإنجليزية لـ تسعة وعشرين شاعرا. كما أن هناك ترجمات متفرقة تقدمها بعض المواقع الإلكترونية أو الصحف اليومية بالإنجليزية لقصائد شعراء شبان مصريين.
ويشير درويش إلى مشروع سلمى الخضراء الجيوسي في كتابها الذي صدر سنة 1987 وترجمت فيه قصائد لمجموعة من الشعراء العرب في العصر الحديث، وكان نصيب مصر لكل من: أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وأحمد عبدالمعطي حجازي وأمل دنقل. كما صدر عام 2014 في سياتل عن دار نشر اليس بلو ديوان صغير ضم ترجمات لسبعة شعراء مصريين تتراوح أعمارهم وقتها بين الـ 25 والـ 35 عاما.
كما عرفت اللغة الإيطالية ترجمات لبعض الشعراء المصريين بداء من رواد عصر النهضة حتى العصر الحديث. وإلى الفرنسية صدرت ترجمة لمختارات من الشعر العربي المعاصر للدكتورة نادية كامل عن الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1987، وقد ورد فيه ترجمة لستة شعراء مصريين. كما صدر عن المركز الفرنسي للترجمة بالقاهرة ترجمة للفرنسية لديوان "موت خيال المقاتة" لعبدالرحمن الأبنودي قام بها جون كلود لوران. كما ترجم إلى الفرنسية مختارات من شعر محمود حسن إسماعيل وصلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي. كما صدرت مختارات للشعر العربي المعاصر مترجمة إلى الإنجليزية والرومانية سنة 2007 لعشرة شعراء مصريين وسودانيين (من بينهم صاحب هذا العرض).  

The case of Arabic poetry
رسم الصورة المتكاملة والواقعية 

وإلى اللغة الإسبانية ترجمت الدكتورة عبير عبدالحافظ ديوان "سماء باسمي" للشاعر أحمد الشهاوي. فضلا عن قيام بدرو مونتابث سنة 1970 بدراسة بعنوان "تجربة الشعر المصري الجديد في الفترة من 1952 إلى سنة 1970، كما تُرجم ديوان "الناس في بلادي" لصلاح عبدالصبور على يد مرثيدس دل امو عام 1990 في غرناطة، كما تمت ترجمة ديوان "الإبجار في الذاكرة" لعبدالصبور على يد روسا إيزابيل سنة 1990 أيضا.
ويؤكد الناقد الدكتور أحمد درويش أن هناك ترجمات شعرية متفرقة إلى لغات الشرق غير العربية، ولغات الشرق الأقصي، ولكنها لم تبلغ مرحلة تقديم صورة جماعية عن النشاط الشعري في مصر والسودان.
وأود أن أشير هنا إلى جهود المهاجر اللبناني إلى أستراليا رغيد النحاس ومجلته "كلمات" التي كان ينشر بها نصوصا شعرية بالعربية وترجماتها التي يقوم بها إلى الإنجليزية خلال التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، وترجم لي أكثر من قصيدة، ولكن يبدو أنها توقفت عن الصدور، وقد كانت تصلني من خلال البريد على عنواني بالإسكندرية في سنوات فائتة.
وفي نهاية بحثه يقدم الدكتور أحمد درويش ملاحظات على حالة الشعر العربي في مصر والسودان في إطار المشهد العالمي منها: أن المحدودية بالنسبة لانتشار الترجمات الشعرية يعود جانب منه إلى طبيعة بناء الشعر الغنائي نفسه. وأن ما سيبقى الاهتمام مركزا عليه هو محتوى المحتوى، وأن الموازنة بين شحنة "الرأي" وشحنة "القيمة الفنية" في القصيدة لا ينبغي أن تعمم على إطلاقها، فهناك نماذج استطاعت أن تجمع إلى حد ما بين القيمتين. وتظل فكرة الشهرة المسبقة عنصر جذب لمن يختار ترجمة "مختارات شعرية". كما يلاحظ درويش أن ميزان المترجمات الشعرية قد تأرجح ناحية أجيال الشباب، وربما التجارب الأكثر حداثة مما قد يحرم أنماطا أخرى من القصيدة المعاصرة من فرصة الظهور أو المشاركة في رسم الصورة المتكاملة والواقعية لحالة القصيدة العربية المعاصرة.
أخيرا يوضح الدكتور أحمد درويش أنه كان من الضروري أن تمتد جذور بحثه في "تقرير حالة الشعر العربي في مصر والسودان" قليلا إلى الوراء باعتبار أن هذا التقرير يمثل تقرير السنة الأولى في نشاط أكاديمية الشعر العربي بجامعة الطائف، وهو الذي سوف تُبنى عليه بقية تقارير السنوات اللاحقة إن شاء الله.