أحمد عنان يؤكد انتهاء مفهوم المدارس الفنية

الألوان في معظم أعمال عنان مستمدة من الطبيعة الترابية الصحراوية وتأثير ألوان البحر كالأزرق والفيروزي.
البحر يحيط بنا وتأثيره على حياتنا من نواح مختلفة
عنان: أحب طرح الأفكار العصرية المعاشة المختلفة في أعمالي، وكان آخرها تأثير البلاستيك على حياتنا وكوكبنا

يحضر الفنان التشكيلي البحريني أحمد عنان سواء داخل المشهد الخليجي عامة والبحريني خاصة بمشاركات ومعارض تحمل رؤى وخطوطا وألوانا تأتي أحيانا فاتنة ومبهجة وتارة غامضة عبر جسد المرأة ومحيطها الزماني والمكاني، حيث يعزف بتكوينات هذا الجسد رموز ودلالات عوالم خفية لها أبعادها الحضارية والإنسانية والثقافية القديمة والحاضرة، عامدا إلى خامات جديدة تعود بالبيئة التي يعيش فيها والتي تجمع بين المدنية والصحراء والبحر. 
فمثلا في معرضه "خفاء وتجلي" تجمع لوحاته التضاد بين الخشونة والنعومة أيضا، خشونة في ملمس اللوحة، وفي سطحها الذي يستخدم فيه نوعا خاصا من الكانفس يصنعه بنفسه ثم يغطيها تارة بنشارة الخشب أو التراب أو مواد أخرى، أما النعومة فتأتي بالطبع من فكرة المرأة".
عنان الذي شغف في طفولته بمشاهدة الرسوم المتحركة، بدأ مشواره الفني في ثمانينيات القرن الماضي، فهو عضو في جمعية الفن المعاصر منذ عام 1989، وشارك في العديد من المعارض الجماعية. وقدّم معرضه الشخصي الأول عام 2002 بالمشاركة مع الكاتب البحريني إبراهيم بشمي تحت عنوان "ليس للعشق من يقين"، ولتتوالى معارضه مثل "ملامح" عام 2012، و"خفاء وتجلي" 2017 و"انتهت اللعبة" 2019، كما اشترك بعدة معارض جماعية في البحرين وفي دول الخليج. 
في هذا الحوار مع عنان نتعرف على محاور مهمة في تجربته.

حل المشكلات التي تعاني منها الحركة التشكيلية في البحرين ينطلق من تخصيص جهة خاصة وميزانية عالية تعنى بالفن والفنانين ويتم دعمهم من كل النواحي

بداية أكد عنان أن مدارس الفنون المختلفة وخاصة فنون عصر النهضة في القرن الثامن عشر ومن ثم الفنون التي تلتها كالانطباعية والسريالية والتكعيبية، وبعدها الفن الحديث والفنون المعاصرة، قد أدهشته وحمسته فكان أن درسها وقرأ تاريخها حتى استطاع أن يضع يديه على ما يميز هذا الفنان أو ذاك من أشهر رواد فناني تلك المدارس، ومن ثم كانت تلك أهم مؤثرات شغفه بالفن.
وقال "بدأت في ممارسة الفن وكنت في بحث دائم في دراسة التكنيكات والأساليب المختلفة والمواد المستخدمة في جميع مجالات الفن كالرسم والتلوين بجميع الخامات والطباعة والنحت.. وكانت بدايتي رسم الطبيعة بشكل مباشر، ومن ثم انتقلت إلى البحث في الموضوع والشكل، فوجدتني في الفن الحديث والمعاصر والفن الطفولي وأخيرا اتخذت المرأة المكتنزة كأيقونة أو كرمز أعبر من خلالها عن كل مواضيعي الفنية المختلفة.
وأضاف عنان "أحب أن أطرح الأفكار العصرية المعاشة المختلفة في أعمالي، وكان آخرها تأثير البلاستيك على حياتنا وكوكبنا، وقد استخدمت خامات مختلفة منها الطبيعية كالتراب والأصداف البحرية الصغيرة، وكذلك البلاستيك، كما لدي أعمال كلها من خامة البلاستيك بعد تذويبه، كلها في شكل المرأة الممتلئة أو المكتنزة".
وأوضح "الألوان في معظم أعمالي مستمدة من طبيعتنا الترابية الصحراوية، وتأثير ألوان البحر كالأزرق والفيروزي لأن البحر يحيط بنا وتأثيره على حياتنا من نواحي مختلفة. قبل اكتشاف النفط كان اللؤلؤ مصدر تجارتنا لذا بقيت قصص البحر في ذاكرتنا وتراثنا وقد استخدمت الصدف الصغيرة والأحجار البحرية التي تتكون من ترسبات التراب البحري والعوالق البحرية التي تتغذى عليها الأسماك ذات الملمس الخشن وكانت تستخدم في بناء البيوت سابقا. ولكن أحيانا أحب أن أستخدم الألوان والأشكال كالأطفال، فأضع الألون الحارة والزاهية وأحيانا الفاقعة أو المشعّة أو كل ما هو متوفر أمامي ولكن بوعي وعقل رجل".
ولفت عنان إلى اهتمامه كثيرا بالملامس والخامات المختلفة وقال "أتعمد أن تكون الخامة مساعدة لطرح الفكرة، كما أن الرطوبة الناتجة من تأثير البحر على المنازل أو جدران البيوت وحتى تأثير ألوان قوارب صيد السمك التي تطلى بطبقات متعددة من الأصباغ بألوان مختلفة بعد أن تتقشر من أملاح البحر، كل ذلك يلهمني بالملمس في أعمالي، إنني في حالة تجريب دائم لأنتج كل معرض بتجربة مختلفة أو بفكرة مغايرة، فأنا أحب أن أفاجئ المتلقي في كل معرض أو تجربة وأحب أن يتطلع أو ينتظر المشروع الجديد".
ويعتقد عنان أن مفهوم المدارس الفنية التي كان لا بد من الانتماء إليها انتهى، فالفن أصبح أشمل وأوسع وأكثر حرية وأصبح المفهوم الفني مختلف، بحيث اختلطت الفنون الأخرى مع بعضها البعض ، وبرزت تقنيات جديدة لا يمكن حصرها في مدرسة من مدارس الفن المعروفة، كما يصعب على النقاد تمييز الفن من غيره كما تعددت خاماته وطرق عرضه. فأصبح التصميم بالبرامج الحديثة والأفلام القصيرة والتمثيل التجريبي والتصوير الفوتوجرافي ذي التأثيرات البرمجية والطباعة بتقنية ثلاثية الأبعاد وتحريك الأشكال والرسوم المتحركة وأعمال الفيديو كلها على سبيل المثال لا الحصر من ضمن الفن التشكيلي. ربما لا تنتمي لأي من المدارس الفنية، وهناك تشجيع من الغرب لعرض أعمال الفيديو الغريبة والأعمال التركيبية التي تعتمد على الفكرة أكثر من التنفيذ، مما يضع الفنان في وضع الشك والريبة، فنلاحظ فوز هذه الأعمال عن غيرها في أهم المسابقات الفنية".

وفي خضم هذه الفنون الممتزجة والغريبة والمجنونة أين نحن؟، أجاب عنان "إن انتشار الإنترنت وسهولة التواصل وعرض المواهب على العالم، كل ذلك له الأثر الإيجابي في استيعاب الثقافات والعلوم المختلفة ومن ضمنها الفن التشكيلي، وألحظ في مجتمعنا نقلة نوعية ثقافية وخاصة في مجال الفنون والثقافة البصرية والمفاهيم المختلفة، وهناك انخراط كبير من الجيل الصاعد لدراسة الفنون المعاصرة والبحث الدؤوب في المفاهيم الحديثة والمبتكرة". 
ورأى أنه "رغم ذلك مازالت هذه الطفرة في مجتمعنا الشعبي تميل إلى فكرة المدارس الفنية الكلاسيكية المعروفة، وكذلك مازالت العادات والتقاليد تؤثر في النظرة العامة للفنون، ولا بد من تاثير المعتقد الديني على الفن".
وأشار عنان إلى أن "هناك من يحب أعمالي الفنية وبطبيعة الحال هناك من يرغب ومن لا يرغب في اقتنائها، وهذا شيء طبيعي. ولذلك أتعرض لأسئلة مباشرة لإحراجي أو عرض عنوان مثير في الصحيفة عن اختياري لرسم المرأة. 
وأوضح أن الفنانين في مملكة البحرين كثر بالنسبة للكثافة السكانية، لذا فإن هناك تنوعا، من هؤلاء الفنانين من هو ملتزم بفكرة المدارس الفنية، ومنهم من يحاول مجاراة الحركة الفنية في العالم الغربي الذي كما يبدو لي متغيرا بشكل سريع جدا لا يمكن اللحاق به وإذا به يغير المفاهيم الفنية ويفلسف الفن ونحن نتبع كل ما يطرح وما يروج له.
وأكد عنان أن الفن في البلاد العربية بدأ متأخرا جدا ويبدو لي أنه متقارب في الفكر والمستوى، ولو أن بعض الدول تأثرت بالحروب والهجرة إلى العيش في المهجر، وانطبع ذلك في أعمالهم الفنية بشكل واضح وأقول صراحة إننا نحاول اللحاق بالفكر الغربي ونحاول بذات الوقت أن نميز أعمالنا عنهم بهويتنا وثقافتنا العربية المحافظة ومعتقداتنا، ولكن لا جديد على الساحة العربية بالنسبة للفن في الغرب.
ورأى أن أهم إشكالية في مجال الفن التشكيلي في البحرين أنه لا يوجد نقاد متخصصون سوى اجتهادات شخصية أو سرد أدبي أو عرض سطحي أو خبري لا يفيد ولا يضيف للفنان ولا المتلقي شيئا لذا يجتهد الفنان في تقييم الفن ونقد نفسه والآخرين.  
وأضاف "للآن نحن ننتظر متحفا خاصا بالفن التشكيلي، يعرض أعمال الرواد ويعرض أعمالنا وتجاربنا الفنية للعالم، يعج دائما بالمعارض والتجارب العالمية ليلهمنا ويحرك سكوننا، ويمكن من خلاله حفظ أعمال الفنان لتبقى تأريخا للمراحل الفنية التي مر بها الفنان البحريني وأيضا مرجعا للأجيال القادمة.
وأكد عنان أن حل المشكلات التي تعاني منها الحركة التشكيلية في البحرين ينطلق من تخصيص جهة خاصة وميزانية عالية تعنى بالفن والفنانين ويتم دعمهم من كل النواحي، ويزج بالفنان في معارض وبيناليات ومهرجانات عالمية وتشجيعه باقتناء أعماله ونشرها في أهم الكتب والمجلات الثقافية العالمية ودراسة أعماله للأجيال القادمة في المناهج الدراسية، ويتم تشجيع الدارسين بعلم النقد وأهميته لتطوير الفن وفهمه.   
وختم أنه يأمل في الارتقاء بأعماله وتجاربه الفنية وأن تأخذ مكانة في عالم الفن المحلي والعالمي وتدخل في مزادات عالمية وتعرض في متاحف ومعارض محلية وخارجية و"أن يبقى فني مقترنا ببلدي دائما وأبدا".