أربعون عاما من الإبادة وأنفال البارزانيين

بارزاني: نرى محاولات إبادة الشعب الكُردستاني في سلوك بعض الناس والأطراف.

أصدر الرئيس مسعود بارزاني، بيانا بمناسبة مرور أربعة عقود على الإبادة الجماعية التي اقترفها النظام العراقي السابق بحق البارزانيين. وقال ما زلنا - للأسف - نرى الشوفينية وسوء النّية ومحاولة إبادة الشعب الكردستاني وإيذائه في خيال وسلوك بعض الناس وبعض الأطراف. ولا نستغرب أن  النظام العراقي دفن  ثماني آلاف من البارزانيين وحدهم وهم أحياء.

وحملة الإبادة تلك لم تقتصر على السياسيين أو الثوار الكُرد إنّما شملت حتى الأطفال وهم في أعمار التاسعة، والعجزة حتى عمر التسعين. ما يعني أنّ الإبادة تلك كانت هدفها أعمق لدحر الثورات الكُرديّة بقدر ما هو استهداف لجذور الكُرد وأصلهم التاريخي، وخاصة العائلة البارزانية والتي تمتد نضالاتها منذ أكثر من قرن وحتى في زمن العثمانيين.

كلام رئيس بارزاني يؤشر وبشكل واضح أنّ سياسة الإبادة بحق الكُرد قائمة وتُمارس يوميّا بحقّهم.

ولا نستغرب أنّ وسائل محاربة الكُرد تعددت وأصبحت مراسيم وأحكام قضائية، واستخدام المؤسسات الدستوريّة ضدهم هي الوسائل الأكثر استخداما في هذه الأيام.

في الفترة الأخيرة ظهرت هذه السياسات إلى العيان، الأمر الذي لم يعد يُطاق كُرديّا. والرئيس بارزاني يدرك تماما ما يجري بعيدا عن الأنظار وما يُمارس علناً، لكونه يملك تجربة مع كل الأطراف، عاشر أجيالا من طبقات الحكم وخاض نضالا ضد الديكتاتورية ولديه التجارب النضالية مع أصحاب القرار في بغداد.

أربعون عاما ولم يُعاد حق البارزانيين ولم تفكر الحكومة الاتحادية بـ"جبر ضرر" وإعادة اعتبار للشهداء ولم تقدم اعتذار الحاكمة العراقية وأحقابها.

فإذا كانت في الوقت السابق السلاح الموجه ضد الكُرد هو سلاحٌ تقليدي في هذه المرحلة يُستخدم السلاح التقليدي إلى جانب ميليشيات الحشد الشعبي في المناطق الكُردستانيّة والتي ما زالت خارج نطاق الإقليم الكُرديّ دستوريّا. مع أنّ المنطق القانوني لا يعطي الحق لإدارة هذه المناطق من قبل بغداد أيضا كونها محل "النزاع".

وتمارس اليوم سياسة التجويع من خلال منع الكُرد من الاستفادة من ثرواتهم والتهرّب من مسؤولياتها فضلا عن استثمار إمكانيات "الدولة العراقية " لمنع  بيع النفط (على سبيل المثال لا حصر) والهروب من الاتفاقات المتعلقة بالموازنة ورواتب العاملون والعاملات المدنية والعسكرية العاملة في مؤسسات كُردستان.

الأمر لا يقف في حدود الخلاف بين الأطراف بقدر ما أنّ ما يحدث هو انعكاس على وجود سياسة ممنهجة ضد الحكم والشعب الكُرديين في وقت هناك رغبة بيّنة لدى الكُرد على حل مشاكلهم كلها بمنطق الحوار وهو أصبح من القيّم لدى الرئيس إذ أكد ذلك من تعريف البارزانية وقيمّها عند افتتاح الصرح النضالي الكُرديّ (متحف) قبل الشهرين تقريبا.

ومن المفارقة أنّ مؤسسات الحكم في كُردستان تتمسك بالدستور في وقت يتهرب الحكم الاتحادي منه مع إنّ حاجة الحكومة الاتحادية أكثر بحكم المسؤولية الواسعة، وبحكم أنّ القضايا المعلقة فقط تُحل دستوريا.

استطرادا، إنّ الشوفينية لا تقتصر على منهج حكم بقدر ما هو منهج عقائدي وجذورها مرتبطة بالذهنية. وبدا لنا أنّ  الرئيس بارزاني أراد أن يذكرها على الأذهان وسعيا لإزالة هذا الغبن.

في الحقيقة إن  العراق كله أمام استحقاق التخلص من ركام الذهنية "الإبادة"، ومحو "الآخر"، وعلى قادته  التفكير في العواقب التي ستكون وخيمة على صُعد كافة إن لم تُعاد الحقوق وإحقاق الحق.

بقي القول، إنّ عمر العراق في الحكم الجديد أكثر من عقدين ومرّ على "العقد الاجتماعي الجديد" 18 عاما وما زالت القضايا الجوهريّة تنتظر الحلول بدءا من المادة الدستورية 140، وانتهاء من تعويض الضحايا وجبر ضرر  للعوائل والاعتذار من الكُردستانين والكُردستانيات وهذا الأمر وحده يفتح الآفاق أمام "الشراكة الحقّة".

الرحمة على أرواح شهداء "أنفال" والعمر الطويل للرئيس بارزاني.