قرار المحكمة الإتحادية: غياب الحجة والمسؤولية

دوافع سياسية لا تراعي الحد الأدنى من وضع العراق في معالجة ملف النفط والغاز في الإقليم.
قرار المحكمة الاتحادية لم يأخذ إرادة الإقليم الكردي بعين الاعتبار وهو ما يثير الاستغراب
هناك تصور لدى الغالبية من الناس على إن القرار نفسه هو بمثابة حرب نفسية

تفاجئ الرأي العام العراقي والكردستاني معا بالقرار الذي صدر من قبل المحكمة العراقية الاتحادية، ولعل سبب هذه المفاجئة ليس لأن قرارا من هذا النوع لا يصدر في هذه المرحلة فحسب انما يصدر في حالة من الإستقطابات السياسية، وحجم التدخل في الإرادة، والممارسة الكيدية، وفي العموم هي مرحلة انتقالية.

فضلا ان هذه الاستقطابات تؤثر في الأداء العدلي، وتاليا شرط استقلالية من السياسي تبقى منقوصا بحكم يعيش كل فرد عراقي تحت مؤثرات الاستقطابات السياسية بحكم المرحلة.

وهناك أمر آخر وهو إن ملف الغاز والنفط من الملفات التي في متناول يد السلطتين التنفيذيتين، حكومة كردستان وحكومة المركز، إذ إن الملف نوقش مطولا، وحدث اتفاق أيضا.

 بمعنى إن الطرفين المتفاوضين لم يعلنا عن عجزهما، ولم يصلا إلى الطريق المسدود.

وهناك سبب آخر أثار الاستغراب، وهو إن قرار المحكمة الاتحادية لم يأخذ إرادة الإقليم الكردي بعين الاعتبار، مع إن موقع المحكمة ومكانتها، دستوريا، لا تعود إلى جهة ضد جهة أخرى، فهي جهة محايدة، وتبت في النزاع إن كان هناك نزاع.

كل مواطن عراقي وكردي يعرف بإن القرار سياسي، وعندما صرح الرئيس مسعود بارزاني، ووصف على إنه مسيس، فهو عبر عن رأي الشريحة الواسعة من العراقيين، كردا وعربا، وعندما قيم رئيس الإقليم نيجرفان بارزاني على إن القرار هو لنظام بائد لأن صدور قرار من المحكمة العليا لا يستند إلى بنود دستورية صريحة، فـ"العبرة لا تؤخذ من عناوين الفصول الدستورية إنما من محتواها وبنودها" وإلا لأكتفوا بالعناوين!

هناك تصور لدى الغالبية من الناس على إن القرار نفسه هو بمثابة "حرب نفسية" الغرض منها التأثير على الحاضنة المجتمعية، ولأجل خدمة جهة سياسية ضد أخرى.

وتجدر الإشارة إن بيان حكومة كردستان توضح الكثير من النقاط ويصلح الجزء الكبير منه لـ"طعن بالقرار".

مسؤولية القرار

عادة، فإن القضاة هم مسؤولون عن الإستقرار؛

- فوظيفة القضاة لا تقف في حدود التقاضي انما تمتد لخلق ظروف آمنة ومستقرة، ويساهم في عدم تفاقم النزاع إن لم يتمكن في حله، وطبقا لحكمة أبقراط "التقليل من الأضرار ".

- وهناك مسؤولية أخرى هي التفكير مطولا بمكانة المحكمة وهيبتها لدى الناس، وقواهم السياسية، وعند صدور أي قرار يحسب بمكانة المحكمة وهيبتها وحرمتها، وكل الحرص أن لا تهز في عين مواطنو الدولة.

ولا نستغرب إنه في أثناء صياغة الدستور في 2005 كان هناك نية لدى قطب متنفذ في العراق على أن يكون "النفط والغاز" من اختصاصات حصرية للحكومة الاتحادية، إلا إن الأمم المتحدة والخبراء الأجانب وفيما بعد الأميركان نصحوا وثم تم صياغته بأن يكون "النفط والغاز" من اختصاص موزع بين حكومة كردستان والحكومة الاتحادية.

في دستورية القرار

بالعموم، ولست ملما بالعمل الوظيفي القضائي، من ناحية الإجراءات، ومع أني أعرف إن قرار المحكمة يؤخذ وينفذ إن لم يطعن، بيد إن عدم دستورية القرار مصدره ليس في بند 112 فحسب إنما في بند 115 أيضا، والذي يفيد إن "كل ما لم ينص عليه الإختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحيات الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في الإقليم والاصلاحيات الأخرى المشتركة بين الحكومة المركزية والأقاليم تكون الأولوية فيها لقانون الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم في حالة الخلاف بينهما".

وهناك نقطة يجب أن تذكر هو إن المادة 112 حتى لو أتى تحت الباب: "اختصاصات السلطات الاتحادية"، فإن هذا الاختصاص لا يعتبر حصري، ولعل في البند الأول يفيد على أن "تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقوق الحالية مع حكومات الاقاليم"، وهذا يعني إن الاختصاص موزع بين الاتحادية والإقليم، وفضلا عن تذكير "الحقوق الحالية"، أي إن الحقول اللاحقة حديث آخر.

وتجدر الإشارة إن العبرة في الدساتير لا تكمن في بند أو مادة، بقدر من إن العبرة تكمن في كل البنود والمواد، تبعا إلى المنطق مفاده إنه نادرا ما تجد مواد مغلقة، فكل المواد في الدستور بمثابة حلقة تكامله حلقة أخرى ليكتمل الدستور من حيث المبنى والمعنى.

وهناك المادة 121، وهي من اختصاص الإقليم، والبند الثاني يفيد: "يحق لسلطة الاقليم تعديل تطبيق القانون الاتحادي في الإقليم، في حالة وجود تناقض أو تعارض بين القانون الاتحادي وقانون الاقليم بخصوص مسألة لا تدخل في الإختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية". وهذا يعني أحقية الاقليم تبعا للاختصاص، ومع إن الاتحادية لا تملك قانون، في حين كردستان لديها قانون ومصدق من برلمان، وكل ما يصدق ويقر من المؤسسات الدستورية فهو شرعي، وتأخذ مكانة السمو أيضا.

ولا نستغرب أن هناك مادة في الباب السادس من الدستور العراقي ضمن "الأحكام الختامية والانتقالية"، وهي 141، وتفيد:" يستمر العمل بالقوانين التي تم تشريعها في إقليم كردستان منذ 1992 وتعد القرارات المتخذة في حكومة اقليم كوردستان-بما فيها قرارات المحاكم والعقود- نافذة المفعول ما لم يتم تعديلها أو الغاؤها حسب قوانين إقليم كوردستان من قبل الجهة المختصة فيها، وما لم تكن مخالفة لهذا الدستور".

والبند أعلاه يدعم دستورية قانون النفط والغاز الخاص بالإقليم والذي أصدره برلمان كردستان.

بقي القول، إن التوجه الحالي في صياغات الدستورية، والحجج كلها تقف إلى جانب كف ميزان صلاحيات واختصاصات الأقاليم، وذلك لإن النظام الحديث هو نظام المشاركة العامة، والتنمية، وإن نزعة السلطة دائما قوية تجاه حصر حقوق الأطراف أو الأقاليم وبنظرها إن كل الحقوق تؤخذ على حساب سلطة المركز!

وهنا ينصح خبراء الدستور أن تتوسع صلاحيات الأقاليم واختصاصاتها وعلى المركز أن يكون داعما حقيقيا لهذا التوجه.

ولسان حال المقال يفيد بأنه "ولا تصلح الأحوال إلا بعد ما تسترد كل الحقوق".