ثماني سنوات على "قيامة كُوباني": زوال داعش، والشرخ في بيت الكُرد!

الدرس الأكبر في هذه القيّامة هو إنّ الكُرد قادرون بناء الوفاق بينهم، ويعززون وحدتهم.

في نفس اليوم، جرى الاتصال بين كاتب السطور والدكتور حميد دربندي، مسؤول الملف السوري والكُردي لدى رئاسة كُردستان، لم أخبره عن إفراغ كُوباني من سكناها انما أبعد من ذلك، إذ رجوت من الدكتور حميد دربندي أن تسمح تركيا لأهلنا بالعبور. عبور الناس مع أرزاقهم وسياراتهم إلى السروج، وأورفا، وعنتاب، ودياربكر، والمدن الاخيرة هي المدن الكُرديّة تابعة لدولة تركيا، وسكان كُوباني يتقاسمون مع الأهالي في تلك المناطق العشيرة، وصلات القربى.

حميد دربندي
حميد دربندي

ومع انّ كل السكان غادروا قراهم ومدينتهم، والجزء الكبير مكثوا عند الحدود والسكة التي تفصل الدولتين إلا إنّهم كانوا على الثقة بأنّ كُوباني "لا تسقط"!

داعش سخر جلّ قوته، وغير من أسم كُوباني، وحولها إلى "عين الإسلام"، والقوات الكُرديّة (ي ب ك، ي ب ج) تقاتل، وتجهز الحرب الشوارع.

ووقت ذاك لم تدخل داعش إلى كُوباني بعد أنما بات على تخومها.

أفكر الآن في المشهد، وأتذكر اطلالاتي التلفزيونية، وأقرأ ما دونته في كرّاس بعنوان "قيامة كُوباني" وأعد التقدير وأخمّن وأبحث عن الوجه الثاني للقيامة؛ ماذا لو أستقر داعش في كُوباني، وماذا لو لم يحرك الرئيس بارزاني، والأميركان، وماذا لو أفتقر الكُرد الى التضحية من هذا النوع؟!

فتيات مقاتلات، تسابقن الزمن، وتضحي الروح إلى جانب مقاتلين من أهل الديار ومن كل شبر من أراضي كُردستان؛ شهيد يسبق شهيد وأرتال من المتطوعين والمتطوعات الكُرد!

مقاتل لم يقبل التراجع إلا أن سارت دبابة داعش على جسده، والشهيدة لم تترك خندق الصمود إلى أن يأتي من ينوب عنها في المكان!

كانت القيامة بكل معنى، كُوبانيون وكُوبانيات على الحدود يراقب الدمار وأخبار الدم، والكل يشاهد صعود الدخان و"عجاج" القصف. مئات استشهد، ومئات انخرطوا في حرب دامت أقل من شهرين.

طلت القيّامة برأسها بكامل أوصافها في 19 أيلول 2014، وسرعان ما أحتفل نوروزهم 2015 في كُوباني.كوباني

هي الاشهر، لكنها صعبة وموجعة، أشهر الشهادة، وأشهر الحياة، وأشهر الدمار.

في هذه الاشهر القليلة لم أمكث في مكان، اذهب إلى عنتاب وسرعان ما أعود إلى هولير، ولا أفرّق الدكتور حميد للحظة. تعبته معنا، والرئيس بارزاني.

في احدى المرات أتصل بي في وقت متأخر حامل خبر بعيد الروح، إذ قال "نم، فانّ كُوباني لا تسقط!"؛

تبيّن (هو توقع) لي إنّ الرئيس بارزاني لم ينم أيضاً!

وفي صباح يوم التالي بعد الاتصال المتأخر من دكتور حميد وبينما أحوم في بهو فندق"نبع گارى" وإذ بمؤتمر صحفي يجمع الرئيس بارزاني مع وزيرة الدفاع الالمانية، ووقعت كلمة من بارزاني في إذني، قال" كُوباني لن تسقط"، في وقت إن الرئيس التركي يشاكس حزب الشعوب الديمقراطية ويخبره بأن كُوباني "ستسقط".

برأي، إنّ الاشهر تلك شهدت حراكا دبلوماسيا وميكانيزم التفاوض لم يشهده العالم بعد، فقط ربما حرب الروس على أوكرانيا ففاقت الحراك الدبلوماسي عن كل ما سبق.

بالعدد شهران، لكن في بحر هذين الشهرين حدثت المعجزة: بيشمركة كُردستان تزيل خط "سايكس-بيكو" ودخلت إلى كُوباني من داخل كُردستان تركيا، وكان كل الكُرد في استقبالهم من دهوك إلى السروج مرورًا بكل المدن: الأعلام الكُردية والشعارات، عشنا في أيام وحدة الارادة والخطاب والتحرير.

ولا نستغرب إنّ كُوباني باتت معروفة ومشهورة أكثر من سوريا نفسها!

لما لا؟! من كُوباني بدأ داعش يتقلص، وقبل قرار الغزو كان " يتمدد!"

وكانت تزيد من ثقة الكُرد قوات التحالف، إذ لأول مرة تقصف قوات تحالف أهداف في داخل أراضي سوريا، في كُوباني.كوباني

وكانت الضربات الأولى استهدفت ريف حماه وفي كُوباني، ويمكن القول تلك الايام هي بداية صياغة علاقة الكُرد واستعادة الثقة مع الغرب وخاصة أميركا.

الدرس الأكبر في هذه القيّامة هو إنّ الكُرد قادرون بناء الوفاق بينهم، ويعززون وحدتهم؛ وفي نفس الحجم انهم قادرون أن يقدموا الأرواح في وقت إنّ الهروب من الواجبات صار خيار من الخيارات؛

ثماني سنوات، وكل عام يستذكر كُوبانيون وكُوبانيات ومعهم الكُرد وأصدقائهم وصديقاتهم شظايا الخوف، وبزوغ الشمس، والفداء.

وما يقلق الكُرد هو شتاتهم، وما يثير الاستغراب الشروخ التي تفصل البين كما لو إنّ خلافاتهم أعمق وأكثر وطأة من قيامة كُوباني نفسها.

في المناسبات تلك أحدنا يقرأ فرص الوفاق والوئام، فقط في الحالة الكُرديّة نقرأ ضياع الفرص!