أزمة في إدارة الوباء وليست أزمة وزراء في الاردن

حكومتان بتعديلاتهما مرّتا على البلد منذ بدء أزمة الوباء. وظهرت حصيلة عمل الحكومتين واضحة في التفشي الواسع والآخذ في الازدياد حاليا، وعززت الشعور العام لدى الأردنيين بأن تغيير السياسات العامة ليس من شأن الحكومات ولا الوزراء!
الحكومة تدير البلد بصلاحيات استثنائية واسعة ولا تزال مرتبكة
تشكيل الحكومات وتعديلها لا يغير من الأداء بقدر ما يغير في الوجوه فقط

لماذا الاستغراب والجدل حول إقالة الوزراء في الأردن على خلفية أزمة كورونا، مع ان الحكومات تتبدل وتتعدل باستمرار لأسباب تقل أهمية في كثير من الاحيان عن تداعيات الأخطاء الحكومية في إدارة الوباء، الذي عاد ليشهد تصاعدا متواصلا منذ اسابيع وأعاد الأردنيين إلى أجواء الحظر والإغلاقات والمزيد من الخسائر الاقتصادية.
ليس لدى الحكومة الأردنية الآن ما هو أهم من إدارة أزمة الوباء على اختلاف مستوياتها، لكن النتائج أظهرت حتى اليوم وجود تلكؤ واضح وإخفاقات حكومية في توفير اللقاح والسيطرة على المنحنى الوبائي المثير للقلق.
استشرس الفيروس بعد ان كان من المؤمل في بدايات انتشاره اوائل العام الماضي أن "ينشف ويموت" خلال اسبوعين من الحظر والالتزام بحسب وزير الصحة السابق، الذي بدأ آنذاك موجة من التصريحات والقرارات الحكومية غير المفهومة. وربما شعرت الحكومة بأن من واجبها اتخاذ اي تدابير ولو من دون أساس علمي أو طبي.
نالت تدابير احتواء الفيروس من منسوب الثقة بالحكومة بعد ان اكتشف الناس ان أسلوب إدارة الأزمة أودى بمؤشرات الحالة الوبائية في الاردن الى مستوى مفزع قياسا ببقية دول العالم ومنها التي سبق وشهدت تفشيا كبيرا للفيروس قبل شهور وتلتفت الان الى توفير اللقاح لمواطنيها باعتباره الحل النهائي والدائم، هذا الحل لم تتخذ فيه حكومة بشر الخصاونة خطوات تناسب معدلات الارتفاع المتزايد في الوفيات والإصابات أو العواقب الاقتصادية الثقيلة على المدى البعيد. 
وبلغة الارقام، تسعى السلطات الصحية الى تطعيم حوالي ثلث السكان، بواقع اربعة ملايين شخص هم الفئات المستهدفة والأكثر عرضة لمخاطر الوباء. لم توفر الحكومة لهؤلاء سوى نحو اربعة بالمئة من الجرعات المطلوبة.
صحيح ان توفير اللقاح يخضع لعوامل خارجة عن إرادة الحكومة ومرتبطة بهيمنة الدول المنتجة وحلفائها على توزيع اللقاحات ومنح الأولوية لشعوبها، لكن الاردنيين ينظرون الى بلدان في المنطقة استطاعت قطع أشواط معقولة في تطعيم مواطنيها ضد الفيروس.
اقتصاديا، سجلت قطاعات السياحة والنقل والتجارة خسائر كبيرة بسبب إجراءات الحظر والإغلاقات الكلية والجزئية للمنشآت. وأظهرت أزمة الوباء حجم الاختلال الهيكلي في المالية العامة التي تعاني عجزا قياسيا هذا العام في الإنفاق القائم اساسا على ما تجمعه الحكومة من مساعدات خارجية وما تجبيه من ضرائب ورسوم وغرامات.
مع أن الصورة تبدو قاتمة حتى الوضوح، الا أن ثمة من يحمّل إقالة وزيري الداخلية والعدل قبل ايام والتعديل الحكومي المنتظر ما لا يحتملان من تفسيرات وتأويلات ومبالغات، وكأن تغيير الوزراء مسألة شاقة ومعقدة وتخضع لمعايير مفهومة على الأقل، في الأردن الذي تشكلت فيه 13 حكومة خلال العقدين الماضيين وخضعت للعديد من التغييرات الوزارية.
تشكلت حكومة الخصاونة في تشرين الاول. وبعد شهر استقال وزير الداخلية بسبب المخالفات الصحية التي رافقت انتخابات البرلمان. والاسبوع الماضي أقيل وزير الداخلية الجديد ايضا ومعه وزير العدل بسبب مشاركتهما في مأدبة طعام مزدحمة. وقريبا ستشهد الحكومة تعديلا وزاريا سيرتبط على الارجح بطريقة التعامل مع الوباء.
الحكومة تدير البلد بقانون الدفاع الذي يوسع صلاحياتها الى درجة الأحكام العرفية السائدة في زمن الحروب، بما فيها من تعطيل للقوانين العادية ووضع اليد على الأموال وفرض قيود صارمة على الاعلام وحرية التنقل.
سياسات الحكومة في احتواء الفيروس ظلت تتراوح بين الارتباك الذي يأتي بالارتجال، والاصرار غير المبرر على زيادة ساعات الحظر وتوسيع نطاق المنشآت المشمولة بإجراءات الاغلاق.
هذه الكآبة الإجبارية التي فرضتها الحكومة على المجتمع وحالة الامتعاض العامة من الاخفاق في التصدي للوباء، أكدت المشاعر السائدة لدى الناس من قبل بأن تشكيل الحكومات وتعديلها لا يغير من الأداء بقدر ما يغير في الوجوه فقط.
طلب الخصاونة من وزيري الداخلية والدفاع الاستقالة بسبب عدم التزامهما بالتباعد البدني مع انه كان بإمكانه الانتظار لأيام قليلة وإزاحتهما في التعديل الوزاري المرتقب، وهما المسؤولان مباشرة عن فرض سياسة الحكومة في احتواء الوباء عبر منظومتي الأمن والقضاء.
عرف الاردنيون سبب إقالة الوزراء الثلاثة في حكومة الخصاونة، ومن الطبيعي ولكن من المستبعد معرفة سبب التغيير لكل حقيبة في التعديل القادم.
أزمة كورونا التي تضغط الان بقوة على القطاع الصحي والمالية العامة والاقتصاد ككل، ليست أقل من ان تمثل سببا لإقالة الوزراء في الاردن الذي نسمع فيه الكثير عن تغيير حقائب بسبب خلافات شخصية وتعيين وزراء لاعتبارات مناطقية او فئوية او حتى على سبيل المجاملة والتنفيع.
وفي بلد مثل الاردن ومع كل تشكيل حكومي او تعديل وحتى رغم تآكل الجاه الوزاري، يجتهد الصحافيون والكتّاب في تحليل أهداف التشكيل او التعديل. لكن في غالب الاحوال لا يتم الاعلان رسميا عن شيء، ولا يقاس أداء الحكومات بما هي مكلفة به من قبل الملك عبدالله الثاني، كما لا توافق التوقعات ما يحصل فعلا من إنجازات حكومية على الارض.
يدرك الناس الموارد المحدودة للبلد وكذلك الحدود المرسومة لعمل الحكومات لكنهم يعلمون ايضا انها مسؤولة تقليديا عن الشؤون الداخلية، واهمها الصحية الآن في الاردن حيث السياسة الخارجية والخطوط العريضة للدفاع والأمن والاقتصاد بيد الملك. 
حكومتان بتعديلاتهما مرّتا على البلد منذ بدء أزمة الوباء. وظهرت حصيلة عمل الحكومتين واضحة في التفشي الواسع والآخذ في الازدياد حاليا، وعززت الشعور العام لدى الأردنيين بأن تغيير السياسات العامة ليس من شأن الحكومات ولا الوزراء!