أليس الأسد محقا في ولايته الرابعة؟

ربما لا يزعج استمرار الأسد رئيسا أحدا. لم يعد سقوط الأسد مطلبا جماهيريا بعد أن صارت سوريا نفسها نوعا من الماضي بالنسبة لملايين اللاجئين.
لو كان الأسد الأب حيا لكان ألغى الحزب من أجل أن ينهي التمرد
هل يمكن اعتبار بشار الأسد ضحية لحزب أبيه؟
الثورة المغدورة انتهت والتنظيمات الارهابية انسحبت واللاجئون يرتبون أحوالهم خارج سوريا

لم يعد بشار الأسد بعد عشر سنوات من الحرب ذلك الشاب الذي أصبح رئيسا بالصدفة بحكم الوراثة وبسبب رغبة الحزب الحاكم في أن يستمر نظام الأسد الأب الذي كان قد قرر أن يكون رئيسا إلى الأبد.

وإذا ما كان الأسد الشاب قد وعد في أن تكون سوريا مختلفة في ظل رئاسته فإن السنوات العشر التي سبقت عام 2011 وهو عام اندلاع الثورة السورية قد أثبتت أن الرجل لم يكن قادرا على تجاوز عقدة الحزب.

لو كان الأسد الأب حيا لكان ألغى الحزب من أجل أن ينهي التمرد الذي بدأ على شكل حراك شعبي ليؤدي في ما بعد إلى حرب شاملة، كان النظام السياسي قد بادر إلى إشعال فتيلها يوم فقد السيطرة على شعبه.

لقد تم استدراج الأسد الشاب إلى فخ، ساهم الحزب في صنعه.

ومع ذلك تبقى سلسلة اخطائه طويلة. غير أن عيب الأسد الذي لا يزال يلاحقه انما يكمن في تعاليه ورغبته أن يكون العالم الذي لا فوق لعلمه. تلك هي واحدة من أهم مشكلات الاستبداد الناعم.

لم يتعلم بشار الأسد من أبيه سوى الاستبداد الناعم. وهو الأسلوب الذي لم ينفعه في تلك المرحلة. لقد اكتشف المعارضون أساليب جديدة لمقاومة ذلك الاستبداد وهو ما لم ينتبه له الأسد كما أن هناك قوى اقليمية ودولية كانت تنتظر فشل معالجاته لتتدخل في الشأن السوري.

ذلك ما حدث ولم تكن الحرب الأهلية إلا مرآة لذلك الفشل.

من الطبيعي أن لا يعترف الأسد بفشل سياساته في ظل التعمية التي يمارسها الحزب في الحياة العامة ومن خلال وسائل الاعلام الرسمية. ولأن الأسد صار حالة ميؤوسا منها بسبب تمكن جنون الحكم منه فقد وجد الحزب في تكرار سيناريو أبيه فرصة للسيطرة عليه من خلال ايهامه بأن استمراره رئيسا هو دليل على انتصاره ونجاح سياسته.

فوزه في الانتخابات الأخيرة يؤكد أن الواجهة لم تُكسر بعد. فالأسد الصغير هو مجرد واجهة بعكس والده الذي استعمل الحزب واجهة. وإذا كان قد اقتنع بأن استمراره في الحكم هو خلاصة لانتصاره من غير أن يعبأ بالهزيمة البشرية العظمى التي تعرضت لها سوريا بقتلاها ونازحيها ولاجئيها والملايين من أطفالها المشردين وخراب مدنها الذي لا يمكن اصلاحه فإن الحزب قد انتصر فعلا على الشعب الذي كان حراكه السلمي قد تمحور حول مطلب التخلص من الحزب وتدخله في الحياة العامة. 

هل يمكن اعتبار بشار الأسد ضحية لحزب أبيه؟

في ذلك يمكن أن يكون بريئا أو مجرد دمية وهو ليس كذلك بالتأكيد. ولولا تمكن عقدة الأب منه وهي العقدة التي تختصر سوريا بالأسد وعائلته لكان الرجل قد ترك أثرا طيبا في التاريخ السوري المعاصر من خلال اقامة نظام سياسي حديث ينسجم مع دعوته الأولى لتحديث سوريا تقنيا. كان الوارث في غير محله ذلك لأنه ورث شيئا لا تملكه عائلته غير أن المجاز صنع المعجزة. فصار شعار "أما الأسد أو نحرق البلد" بمثابة اعلان عن المعادلة التي يتم من خلالها تصغير صورة الدولة وتكبير صورة الرئيس الذي ورث إلى جانب الدولة بلدا بشعبه.

لذلك فإن الانتخابات ليست سوى اجراء شكلي يُراد من خلاله اقامة عرس للديمقراطية حسب تعبير أجهزة الاعلام الرسمية. وكما أتوقع فإن منافسي الرئيس في الانتخابات قد اقترعوا لصالحه. ذلك لأنهم باعتبارهم مواطنين صالحين ليسوا مستعدين للفصل بين سوريا والأسد فهما الشيء نفسه في سياق التربية الحزبية. فالأسد ليس رمزا لوحدة الوطن والشعب كما يُخيل للبعض ولكنه واجهة لسوريا كما يريدها الحزب.

الأسد باق لسبع سنوات مقبلة ولا يشكل وجوده مشكلة لأحد. فالثورة المغدورة قد انتهت والتنظيمات الارهابية انسحبت من سوريا اما اللاجئون السوريون فإنهم يرتبون أحوالهم حسب قوانين الدول التي لجأوا إليها.

ربما لا يزعج استمرار الأسد رئيسا أحدا. لم يعد سقوط الأسد مطلبا جماهيريا بعد أن صارت سوريا نفسها نوعا من الماضي بالنسبة لملايين اللاجئين. وهو ما يعد انتصارا للحزب.   

بالنسبة للشعب السوري المنفي والمشرد واللاجئ فإن هزيمة الأسد لا تشكل حلا اما بقاءه في الحكم فإنه لا يشكل هزيمة له. فسوريا التي تركها لم تعد موجودة وهي لن تُستعاد إذا ما اتيحت للشعب فرصة العودة إليها. وهكذا يكون الأسد جزءا من ماضي سوريا الذي سيتم طي صفحته إذا ما تحررت من الحزب.