أمسية شعرية عربية نوعية لصالون ثقافي رائد

الأمسية كانت مسلكا وفجاجا ومعارج لأكوان أخرى ظلت ترسو على مرافئ الجرح فراشات للسلام ولعشق أبدي لنمطية التضاريس عند كل شاعرة.
صالون امتدت بوارجه عشقا توقا للسلام من المحيط إلى الخليج، بالتنسيق المحكم ورعاية ودعم الإعلامية سهام فاضلي مديرة إذاعة "رميم"
سفر البوح على متن أنساق المعمار الإستطيقي ومواجع مساءلة المعنى

على صهوة صالون جنان أركانة لمؤسسته الشاعرة والكاتبة والمترجمة دليلة حياوي، وبشفاعة المنسقة العامة، الشاعرة المختصة في توثيق الشعر فاطمة بوهراكة، ورعاية الإعلامية سهام فاضلي، مديرة إذاعة "رميم" الرائدة ببوردو الفرنسية، كان شغف المساءلة الذي لا يرتوي فحسب من ماء آسن أو أثداء سافر بين ثناياه البوح شأو، بحر التشيؤ، مترجلا مباني الطواف على مدار أفق شعري امتدت خيوطه وتسربلت مدلاولته في طواف على مشارف وقع المبنى مرفوعا بنون النسوة: فراسة وأنواء ومزن الرحلة .
إذا اغترف غرفته بمغراف "نسق المعنى ومساءلته، كجبّ يجبّ ما قبله وما بعده أو كمفصلية محورية أو يبقر بطن أم آلاء كتكوتة بدر شاكر السياب أو يناجي ما تقبى من مآقي فنجان في قهوة عبدالوهاب البياتي، خاصة قصائده الناجحة التي كتب أغلبها بالمقهي، نحتلي أن السفر هذا رشح تواشيح في مآلات التعاطي مع ضروب قزحية وسرمدية متناظرة في ذات الأوان، تداعت له سائر أعضاء الوصال ومعانقة الحرف كفارس مأمول بالسهر والحمى. إذا اشتد وهج زمكانية الهجير، ومساءلة غور المشاعر ولامست أراجيح المباني والدلالة يرتج صلصال العشق من تحت أقدام الطين في الوطن، هذه الحلمة وهذه الأثداء إذا كان باشلار يطاله البلل، على فنن البوح في ذات الصالون أو بمحاذاة مزهرية، تحمل المأمول ومؤئل المواجع منتجعات لمسارب أخرى.
ما يفتأ البلل يطالني إلى غاية اللحظة وقد سكنني الإدهاش وفتق ذائقتي وأنا أعرج كمتلق ومتابع للصالون الذي استغرق زهاء ثلاث ساعات ونيف. كان فيه الإسراء والمعراج أنبياء ورسلا يحملون "نون النسوة على كواهل" نبوءات ملائكية في المآقي، وعلى مشارف حليب الأثداء، يحملن ذات الحليب صبيا اسمه الوطن من المحيط إلى الخليج، هذا الصبي كما موسى عندما ألقي في النهر، فيحتضنه فرعون الراهن، ويكون له شأن، هذا الائتلاف في اللفظ غمر شغف الشاعرات اللائي تداولن على المنصة الافتراضية هذه والتي كانت مسلكا وفجاجا ومعارج لأكوان أخرى ظلت ترسو على مرافئ الجرح فراشات للسلام ولعشق أبدي لنمطية التضاريس عند كل شاعرة.
الصالون الذي امتدت بوارجه عشقا توقا للسلام من المحيط إلى الخليج، بالتنسيق المحكم ورعاية ودعم الإعلامية سهام فاضلي مديرة إذاعة "رميم" الرائدة، لم تنبش أو تخدش بياض الأثداء هذه، أو تشرب من ماء آسن في الطين والبلح والنخلات الباسقات والصفصاف الأبي الشامخ رمز السيرورة والصيرورة، بل ظلت بملائكيتها وهي التي حصدت عدة جوائر في الكون الإنساني، رسولة للسلام وللقيم الإنسانية
استدار فنن الجنان وما قلى كما جبريل السلام، كما نبوءات الراهن وارتدادية الزمكانية، ومفصلية كل التضاريس، غفا القول وما قلى، ظل رسولا لذات القول، وكما أطال باشلار وهو يغترف من وعاء هذه المزهرية قطوفا في البوح، يرشح الزمكان "بإستمولوجيا الارتدادية في زمكانية التداول على سلطة الحرف عبر مدى كوني شعري، ركب منطاد التجلي الصوفي عاريا إلاّ من إيمانه بأن أنساق الحداثة والتحيين تقودان القاطرة، تحاذيهما مناكب من "شغف" وألم وفيض أحاسيس ومشاعر وحالات حسية عميقة تتوارى خلف ما ورائية الراهن وتراتيل التجلي كمنطاد قد يرتطم من لحظة لأخرى بمكامن السبك في مسبكة "التجاذب بين ملفوظ التأثيث الدلالي واستيطيقيا التعاطي مع بوح الشواعر في ذات الأوان
مروضة الدلالة فاطمة بوهراكة كانت هذا "المغراف" وهذا المنطاد الذي انفصل بحتمية التعاطي مع الوجع الإنساني بملفوظ مغاير عن مساءلة "سلطة التبني" كأنموذج لسبك معايير القول الإنساني كقطب تراجيدي، تنويري أو حتى استنباطي وقد احتدم برؤى بوهراكة .
هكذا بحتمية الاختلاف أحيانا ينفصل المكوك عن قائده أو غريمه، ولكنهما يستجمعان معا نفس الاسترجاع، ليصب ماء عذبا من عبر مزاريب ومنابع، ويكرّع في إناء المنهج الظاهري، الباطني في الإمتاع والمؤانسة على لسان أبي حيان التوحيدي، وفي غور وعمق التخييل والتحليل النفسي، وما إلى ذلك في ماهية المكان المؤثث والمؤسس .

ضمن هذه الكوكبة المعرفية وعلى راحلة ومتن هذه الصهوة توزعت مضامين القصائد في هذا الصالون الرائد في طبعته الرابعة عشر، حيث ركبت كل شاعرة هودجها ليصهلن "تقاطبا" وانحدارا أو نزولا وتشفع نوازله بما يرشح إناؤه، لم تكن كما إيقاع المهلهل الذي قصد القصائد على وقع النوق .
كنت سأقتطف بعض المقاطع من القصائد الملقاة الموغلة في يم ّالجرح، لكن لضيق المجال، فضلت أن أرجيء ذلك لورقة مستقلة، في بورتريهات وترجمات ووقوف أشمل إزاء هذه الوجدانيات وهذه المسافات وهذه السوانح في مملكة المستحيل وحرارة المسارات
وفتنة السؤال والمساءلة.
سكنت مواجع كل اللائي اعتلين منصة هذه المفصلية الكونية الشعرية المبهرة، والتي، خلقت - وما تفتأ تخلق - الإدهاش في استعلائها وغطرستها الكونية لا من منظور الاستعلاء، وإنما في "استعلاء وإعتلاء" عرش المدارج التسريدية في باحة الشعر، كقيمة جمالية واستنباطية، خلقت هذا الإدهاش في هذا الصالون للشاعرات الرائدات :
فوزية السندي من البحرين، زينب الأعوج من الجزائر، حنان عواد من فلسطين، زكية مال الله من قطر، مها خير بك من لبنان، فوزية أبو خالد من السعودية، سميرة الغالي من السودان، مريم الصيفي من الأردن، مباركة البراء من موريتانيا، هدى ميقاتي من لبنان، رشيدة محمدي من الجزائر، صالحة بابكر يحيى من السودان، مالكة العاصمي من المغرب، فكان العشق الانساني أحد أوتاد الخيمة في ترسانة المناحي والوتر الانعطافي
في مسار هذا الصالون الناجح الذي تعاقبت على منصته أسماء أدبية وشعرية في بحة كل منعطف: المخيال والتحليل والتعاطي مع المكان .صدحت حناجر المتدخلات في تجريد المبنى العام فكرا ورؤى ومرايا ،في قراءات ظلت فيها قيم السفر خصائص ومميزات كل شاعرة حملت وما تفتأ تحمل معول التجديد في المتخيل والمؤثث بكثير من الكياسة فتعاقبت على مدار ثلاث ساعات ونيف لتأخذ نفس الرتم والمبنى والتعاطي وبشيء من الترتيبية المسلكية المتميزة وإن تباينت الرؤى والأطاريح وهذا شيء طبيعي وفق كل تجربة شعرية.
كلهن سبرن أغوار الترهين في الرؤى والأطاريح والتجليات بشيء من الفيض والتمنهج لتحذو الترانيم حذو الأراجيح في كل قصيدة دوّت أركان الاثير من معبد إذاعة رميم عبر أثير إيصالي توصيلي عمّ أصقاع المعمورة إنطلاقا من إيطاليا وغيرها من البلدان الأخرى
لترنو الى مباهيها، فترفع الغبن عن مجاهيل كل حورية تنشد السلام في فلك الدنيا، وتعاقب المواجيع، فكان المد والمدي في هذه الكونية الإبداعية (الصالون الثقافي هذا) عنوانا للنجاح وإمتطاء كل المناطيد، والكل كان على مدار هذا الصالون الناجح يكرع من عذب مياه دجلة والليطاني، ونهر الأردن وطنجة وغدير موريتانيا، ونهر النيل، وقد أصابنا البلل جميعا غيثا وميمنة، نموذجا للنجاح بشيء من التفاوت من شاعرة لأخرى، بالأحرى بشيء من مدارج النمطية الباطنية والظاهرية من متدخلة لأخرى، وكتجنّح، وربما حتى كر وفر، بين مد وجزر.
لكن مع كل هذا ظل الشدو يعانق الجميع ميمنة، إيذانا بنجاح لهذا الصالون الرائد في وقائعه وفعاليته وتفعيله للمشهد الشعري على ظهر البسيطة، قبل أن يكون جسرا تواصليا أخّاذا على صعيد الخريطة العربية والإنسانية. فالشدو والإغراء المعرفي كان منهجية وكان نبراسا لمنحى دلالات المأمول في هذا الصالون الذي عرف نجاحا منقطع النظير على جميع الاصعدة، هذا عبور عابر في انتظار ورقة أكثر غوصا في مجرياته.