إبراهيم العرب يخدم نابتة الوطن
ولد شاعر الأطفال إبراهيم مصطفى العرب في الإسكندرية عام 1863، وتوفي عام 1927. التحق بالأزهر، ودرس على يد أساتذة أجلاء منهم رفاعة رافع الطهطاوي. وعمل مدرسًا بمدارس القاهرة، ثم عاد واستقر بالإسكندرية مدرسًا للغة العربية.
شارك وهو شاب يافع في الدفاع عن الإسكندرية ضد الغزو البريطاني 1882، كما كان له دور وطني مشهود في ثورة 1919.
اشتهر بنظم قصص قصيرة تنتهي بحكمة شائعة على طريقة الشاعر الفرنسي لافونتين. نظم حوالي مئة مقطوعة جمعها في ديوان نشرته وزارة المعارف المصرية عام 1911، وقررتْ تعميمه على المدارس الابتدائية (بنين وبنات) ومدارس المعلمات السنية، ومدارس معلمي الكتاتيب. تضم هذه المقطوعات آراء الشاعر النقدية في المجتمع وسلوك الأفراد، وأحيانا في السياسة المُتبعة، بأسلوبٍ رمزي على ألسنة الحيوانات كما في كتاب "كليلة ودمنة".
يقول في مقدمة الديوان: "فهذا الكتاب خدمت به نابتة الوطن المحبوب، وأجريت فيه الأمثال والحكم المأثورة ليأخذوا فيها ما يربي نفوسهم، ويقوّم أخلاقهم ويطبعها على أصوب آراء المتقدمين، وقد التزمتُ أن أجعل مواعظ كتابي أقاصيص قريبة التناول، واضحة المعاني، سهلة النظم، يقرؤونها بلا ملل .. على أني جاريت السابقين من كُتَّاب العرب وأدباء الغرب، فجعلت حكم تلك العظات دائرة على ألسنة بعض الحيوانات".
في رأي د. سعد أبوالرضا أن مقطوعات ديوان الشاعر إبراهيم العرب للأطفال تستهدف توعيتهم بكثير من القيم كالحرية، والحرص على التعليم، والتفكير، والبحث، ورفض التقليد، وكلها قيم يهتم بها الكبار، ويحاولون غرسها في الصغار.
وفي رأي د. أحمد زلط أن شاعرية إبراهيم العرب تتجاوز سلبيات منظومات "نظم الجمان" لعبدالله فريج، لاقترابها من روح الشعر. وأن من بين تسع وتسعين قصة شعرية تضمنها كتاب "آداب العرب" ألفينا ستا وسبعين قصة على ألسنة الحيوان والطير والنبات، وثلاثا وعشرين قصة شعرية وقفت عند بثِّ القيم الأخلاقية على لسان البشر.
عقد عنه أحمد زلط جزءا من فصل في كتابه "رواد أدب الطفل العربي" (ص ص 175 ــ 188). وفيه يذهب إلى أن إبراهيم العرب تأثر في نظمه برافدين رئسيين: أولاهما التراث العربي الإسلامي، والثاني الحكايات الخرافية في الآداب الإنسانية الأخرى. وأن حكاياته الشعرية تميل إلى تثبيت الفصحى الميسرة المطعَّمة ببعض الألفاظ الصعبة في أذهان الصغار.
أما أحمد سويلم فيرى أن كتاب "آداب العرب" لم يستطع مؤلفه أن يتحرَّى شيئا من البساطة إلا قليلا مما يصلح لأن يقتربَ إلى إدراك الأطفال، ومع ذلك فقد أصدرته نظارة المعارف المدرسية ــ أيضا ــ وقررته في المدارس الابتدائية بنين وبنات، وفي مدارس المعلمات السنية ومدارس معلمي الكتاتيب.
قام عبدالتواب يوسف بإعداد وتقديم ودراسة "ديوان إبراهيم العرب للأطفال"، وصدرت في كتاب عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة 1990.
* من أعمال إبراهيم العرب في مجال الطفولة:
ــ ديوان آداب العرب. 1911. عَنْوَنَ المؤلف كل منظوماته بلفظ: العظة الأولى، العظة الثانية، العظة الثالثة، وهكذا إلى العظة التاسعة والتسعين. ثم يشير إلى الحكاية باسمها كالطاووس، والنحلة، والكلب، والهر، وغيرها.
* يقول إبراهيم العرب في قصيدة "السمكة الطيارة":
من السمك الطيار واحدةٌ شكتْ
إلى الأمِّ ما تخشاهُ وهو تعومُ
إذا ما سمت في الجوِّ فالنسر جائعٌ
وإن هي غاصتْ، فالوحوش تحومُ
فكيف توقِّي نفسها شرَّ ميتةٍ
وفي وجهها في الحالتين خصومُ
فقالتْ لها الأمُّ الرحيمةُ: يا ابنتي
إذا شئتِ ألا تعتريك همومُ
فلا تعتلي في الجوِّ، فالجو غائلٌ
ولا تسفُلي في البحرِ فهو هضومُ
عليكِ بأوساطِ الأمور فإنها
طريقٌ إلى نهج الصوابِ قويمُ
* ويقول في "المغتر بالناس":
فتىً شاقه أنسُ الأنامِ من الصبا
فظنَّ بهم خيرًا وذاكَ غرورُ
يبالغ في إكرامِهم متلطفا
إذا صادفوه في الطريق يسيرُ
يقابلُ بالترحابِ أيًّا به التقى
سواءً خفيرٌ عندهُ وأميرُ
إلى أنْ دهته عُسْرةٌ بعد يسرةٍ
فلمْ يكُ معوانٌ له ونصيرُ
فأصبح مما ناله وفؤادهُ
عليمٌ بأحوالِ الرجالِ خبيرُ
يقولُ ألا أنَّ الودادَ تجارةٌ
إذا لم يؤيدها السخاءُ تبورُ
لئنْ كان من قال السلام عليكمُ
يعدُّ صديقًا .. فالصديقُ كثيرُ.
ويقول عن "الطاووس":
قـد أظهـر الطـاووسُ إعجابَهُ
واختـال بـيـن الـورد والآسِ
يفتتـن النـاظر من شكله
بحُسْنِ ريش الـذيل والراس
لكـنَّ عصـفـوراً تصدَّى له
بـالـذمّ فـي صحبٍ وجُلاّس
وعـاب مـنه السـاقَ فـي عُرْيِها
عـن ثـوب ريشٍ ناعمٍ كـاسي
فقام من حولهـما طائرٌ
يرمـيـهـما بـالـمنطق القـاسي
فقـال كلٌّ منكما مُعجَبٌ
وغافلٌ عـن عـيبه نـاسي
لـو نظر النـاسُ إلى عـيبـهم
ما عاب إنسانٌ على الناس