إبراهيم اليوسف يستقرئ شعرية النص الفيسبوكي

الكاتب السوري يرى أن خصيصة الاشتراك من قبل صاحب "الصفحة الشخصية" في هذا الفضاء، تجعله متفاعلًا مع خمسة آلاف شخص.
الكتابات الفيسبوكية، تتعدد، وتتلون، تبعًا لإمكانات وقدرات الناص الفيسبوكي
الشعرية محض جمال هلامي، لا يمكن تشخيصه الفيزيائي - كما هو حال حجر الفلاسفة

يرى الشاعر والناقد السوري إبراهيم اليوسف أن الكتابات الفيسبوكية، تتعدد، وتتلون، تبعًا لإمكانات وقدرات الناص الفيسبوكي، فمنها ما يكون في صيغة المقال، أو الخاطرة، أو الرأي، أو الحدث اليومي، ومنها ما يكون عرضًا لإبداعات وأقوال الآخرين، كما أن في إمكان الكاتب نشر نتاجه الإبداعي، القديم منه والجديد، في آن واحد. 
ويضيف في كتابه "إبرة الذهب.. في شعرية النص الفيسبوكي" أن خصيصة الاشتراك من قبل صاحب "الصفحة الشخصية" في هذا الفضاء، تجعله متفاعلًا مع خمسة آلاف شخص، من الأصدقاء الافتراضيين، بل إن سقف التشاركية قد يظل مفتوحًا، ليكون في متناول أي شخص من مليارات المتشابكين في العالم، لأن المتصفح يصبح غير قادر على قراءة كل ما يرغب به، من نصوص تتوزع على مليارات الصفحات اليومية، لذلك فإن الناص الفيسبوكي بات يضطر لاختصار ما يكتب، حتى يتم تناول أثره من قبل أوسع دائرة من القراء الافتراضيين في العالم.
استهل الكتاب الذي صدر عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة بمقدمتين الأولى للكاتب إبراهيم محمود والثانية للروائي والقاص السيد نجم، تطرقتا لعلاقة النص الإبداعي بالفيسبوك ودور الأخير في تحقيق التفاعل والاتصال بجمهور واسع من المتلقين متبايني الثقافة والرؤى والأفكار، حيث رأى إبراهيم محمود أن "في الفيسبوك ثمة علامات وما أكثرها من علامات وهي تهدد أصولها جرّاء هذا الانفساح اللامحدود فيسبوكيًا، ولا غرابة في ذلك، كون الفيسبوكي من أثريات العولمة، وكلٌّ منا يحمل دمغة عولمية، وله حصَّة ما من العولمة، وأن نشهد هذا التنامي الذي قد يبدو للوهلة الأولى كارثيًا، فهو متوقع، لأن التوقع نفسه قد لفظ أنفاسه الأخيرة على التخوم القصوى للحدود المرسومة على خرائط الدول والتحفظات التي كانت سارية المفعول إزاء أمور عُدَّت من الأسرار، والانفجار المعلوماتي حصاد عولمي، وبالتالي، فان يحصّل كل منا على إقامة ما لها مرجعية فيسبوكية، فتلك تيمة العولمة، حيث يتنفس الصعداء، ويلتقى أناسًا لا يعرفهم، ولا يعرفونه، والنصوص أو الكتابات أو المنشورات المختلفة في الرقعة الحاملة لاسمه تلعب دورها في تعيين حدوده الاعتبارية ومغامراته ظهورًا واختفاء، وما كتبه يوسف يندرج في لعبة ضمن لعبة، وهو ذاته لاعب فيسبوكي. لا بل مدمن فيسبوكي في متابعاته وروافده شعرًا ونثرًا وغيرهما، ولكن فعله متعد لشأنه الشخصي، إنما يصله بما يعرَف به كاتبًا، ولعنوانه ما يحفّز على المقاربة، أو ما يظهِر دقة اللعبة وخطورتها ومسئوليتها الأدبية والأخلاقية كذلك".

التشارك الإيجابى من الفيس بوك مع اليومي والحياتي هو ما جعل الثورة التكنولوجية حقيقة، وجعل للنص الفيسبوكى سمة المشارك فى التعبير عن اليومي والحياتي

وتساءل السيد نجم: هل يبحث الكاتب فى الخصائص الشعرية للنص الفيسبوكي؟ أم يبحث فى تلك الأعمال الشعرية على صفحات الفيسبوك وغيرها على الشاشة الزرقاء؟ وقال "بان لي أنه بحث فى الأعمال المنشورة والتنقيب عن الشعرية فيها. يبدو أنه لم يجد ضالته، وإلا ما كان من ضرورة لتشبيه العمل الشعري الرقمي على الشبكة بإبرة من ذهب فى جبال من الرمال، كما تقول الأسطورة!
أما مقدمة اليوسف فقد أوضح فيها أنه إذا كانت الشعرية ـ هي الأخرى ـ محض جمال هلامي، لا يمكن تشخيصه الفيزيائي - كما هو حال حجر الفلاسفة - فإن استقراء شعرية النص الفيسبوكي، والتنظير له، يغدو مغامرة نقدية كبيرة، يمكن التوصل لتفكيك مفردات طرفي معادلاتها، من خلال تشخيص هذه الظاهرة الشعرية، وسبر فضاءاتها، وكنهها، وإن كنا إزاء مهمة مضنية - في واقعها - نتيجة حركة دوران عجلة الزمن، وما ينتج عنها من نتاجات نصية، لابد من استقرائها، ضمن وقعنة فضائها الافتراضي، وإن من خلال مفهوم أزمان ولاداتها...!
وفي تعريفه للنص الشعرى الفيسبوكي يشير اليوسف إلى "أن النص الفيسبوكى هو كل نص يكتب على الفيس بوك، بشكل سردى أو شعرى أو حتى رقمى او إحصائى.. وهكذا. أما النص المعني هنا فهو النص الشعرى وحده. إن النص الفيسبوكي الذي تتناوله هذه القراءة، هو نص محدَّد، يكتب بلغة مكثفة – غالبًا - ويترواح بين بضع مفردات أو بضعة أسطر، وإن كنا نجد هناك من سيترسل، ليكتب نصوصا مطولة، وباللغة نفسها، بما يشبه النص المفتوح المعروف. والنص الفيسبوكي، ضمن الزاوية التي نتناولها، هو تحديدًا النص العفوي الذي يكون وليد لحظته، وغير المنشور- من قبل - في أوعية نشر مختلفة، من قبل صاحبه، لأن هناك من يكرر ما كتبه قبل الآن، في محاولة لإثبات حضوره، أو لأن ما يقدمه يحمل رؤية لا تزال متواشجة مع مقومات استمراريتها، وتأثيرها، وجمالياتها. ولعله من الضروري، أن نبين، أن هناك خلطًا يتم في مفهوم النص الفيسبوكي، وذلك لأننا قد نجد نصًا يكتبه الشاعر، كما نجد نصًا يكتبه الروائي، أو القاص، أو الفنان، إضافة إلى النص غير "المصنّف" إبداعيًا، حيث هناك من يقدم كتابات تتوافر فيها شروط هذا النص".
ويلفت إلى بعض السمات العامة لشعرية النص الفيسبوكي "ثمة سمتان يجب توافرهما فى كل نص شعرى مثل (التكثيف - الإيقاع أو الموسيقى الداخلية والإيقاع الخارجى - المفردات الدالة الموحية). أما عن السمة الواجب توافرها في النص باعتباره شعريًا فيسبوكيًا، فإنه لا بد من بعض الملامح مثل (التعبير عما هو يومى وحياتى) وقد يبدو غير متوقع أن يكون ذلك موضوعًا شعريًا - بالإضافة إلى التناول من خلال رؤية تبدو طازجة غير مستهلكة أو تقليدية - ثم العمل على توفير المفردات البلاغية الرقمية قدر الممكن والمتاح مثل الصورة والصوت والرسم والألوان وربما الحركة أو "الانيميشان". 
وحقيقة، أن هذه النقاط، جميعها، لا يمكن أن تجزأ، بل إنها متشابكة، على نحو يجعل كلًا منها، امتدادًا للآخر، وإن كان غياب أحدها يجعل النص أعرج، يشبه أية كتابة أخرى، عادية، ليس فيها ما نتناوله، على طاولة التشريح النقدي، حيث إن تفاعل تلك الجوانب، مجتمعة، في مخيال الشاعر، يجعله يقدم نصًا يرتقي إلى مستوى اللحظة، متوجهًا إلى متلق افتراضي ذي ذائقة عالية، قادر على فرز الغث من السمين، بل إنه يسهم في خلق لحظة السمو الجمالي المتوخاة من النص الإبداعي. 
ولاحظ اليوسف أنه تأسيسًا على ما سبق "ينبغي معرفة مسألة في غاية الأهمية، وهي أن بنية النص الشعرى الفيسبوكي، تكاد تذكر إلى حد بعيد بالقصيدة الشفاهية اليومية، أو تلك التي طالما سميت بقصيدة "الفلاش" أو "اللقطة"، أو "اللوحة" أو "الومضة" إلخ، التي كتبها جاك بريفير، وصار لها أعلامها من المبدعين، في أنحاء العالم، كافة، بل إن هذا النص ليقترب – كذلك - من القصة القصيرة جدًا (ق. ق. ج)، لاسيما عندما تظهر فيها "وحدة الحدث" أو "الموضوع" بل "الفكرة" لذلك، فإنه لمن الضروري أن يتوجه النقد الجديد إلى ضرورة وضع الحدود بين هذه النصوص، وإن كان معروفًا أن الفنون الإبداعية – كلها - باتت تتقارب، بل تتداخل، وتتراسل، وتتواصل، إلى الدرجة التي يمكن اعتبار نصًا من قبيل "ق. ق. ج" على أنه نص شعري، وهذه نقطة مهمة.

العصر الرقمي
إبراهيم اليوسف

وأضاف "لا مندوحة، في أن النص الذي يمتلك زمام لحظته الإبداعية، يهيء لنفسه عالمًا، يضج بالحياة، وتكاد شروطه الداخلية لا تتقاطع مع شروط أي نص آخر، وإن كنا سنتحدث ـ عادة ـ عن سمات عامة، لا يمكن أن تصنع وحدها نصًا إبداعيًا، لأن في النص الإبداعي شرطًا عصيًا على التأطير، وهو ليعد العلامة الفارقة فيه، بل إنه ربما إذا توافرت في أي نص السمات المشار إليها، أعلاه، كلها، وافتقر إلى هذا الشرط، فقد إبداعيته، لذلك فإن هذا العنصر غير المرئي يعد "العمود الفِقري" في شعرية هذا النص، وإنه روح الشاعر، أو نبضه الإبداعي، أو "ضربته" الإبداعية، كما أن افتقاد هذا الشرط، يجعل النص مجرد كتابة عادية لا حياة فيها ولا روح".
ولاحظ اليوسف أن "دعوات كثيرة، تمت، تحت غطاء أن الفن الإبداعي، لا يمكن أن يحتمل ما هو معرفي، بل على المبدع أن يكتب لمجرد الإبداع، وراح بعضهم يزيد على ذلك، من خلال إدعائه أن في معرفية الإبداع مواته، مما دفع إلى شيوع ظاهرة خطيرة، تم الغلو خلالها في التركيز على "فنية" ما هو إبداعي، كي يؤدي ذلك، في النهاية إلى إلغاء ما هو إبداعي من دون أن يدرك دعاة هذه الطروحات، إننا أمام حالة اغتراب عن الواقع، تتم خلالها هيمنة الهذر اللغوي على الشعر والقصة بل الرواية، تحت مثل هذه الدعاوى الخطيرة التي كان من شأنها أن تجهز على جزء جد مهم من الإبداع الإنساني".
وقال "بيد أن ما يلاحظ – الآن - هو بروز نوستالجيا شديدة إلى المعرفي، في النص الفيسبوكي، ما يجعله أكثر سلاسة، وعذوبة، بل ملامسة لما هو يومي، سواء أكان معاناة شخصية، أو همًا وطنيًا، أو إنسانيًا، وغير ذلك، ولعل النص الفيسبوكي قادر على استقراء آراء المتلقين، على امتداد كوني، حيث يتفاعل المتلقون مع هذا النص، واضعين إشارات إعجابهم عليه. وهناك من يترجم تفاعله، مع النص، من خلال كتابة نص مواز، قد لا يرتقي إلى مستوى النص الأصلي، بيد أنه يبين مدى نجاعة الخطاب الإلكتروني الجديد، إلى الدرجة التي قد يعد بعضهم هذا التواصل عالي الدرجة، والحميمية، "أدبًا تفاعليًا" أو "نصًا تفاعليًا"، حيث يتم – وبأمان - نشر النص والتعليقات التي كتبت على هامشه، ليكون جميعها نصًا واحدًا، بمعنى أن هناك نصًا لعدد لامتناهٍ من الناصين، وهو ما قد سبقه إليه "حوار الماسنجر" أو غرف البالتوك" أو حتى النص المتبادل عبر البريد الإلكتروني".
وأوضح اليوسف أن "نظر كثير من المتابعين، إلى التفاعل مع الخط البياني للتكنولوجيا والمعلوماتية، بشكل عام، ومع الفيسبوك، والتويتر بشكل خاص، من منطلق أنه كان لهما الدور في رصِّ الصفوف، وشحذ الهمم، واستنهاضها، في مواجهة آلة الفساد والاستبداد في عدد من البلدان، حيث كتبت نصوص فيسبوكية كثيرة، تداولها الناس، بشكل لافت، أينما كانوا، بل إن هناك ممن استظهرها، وراح يهتف بها في "ساحات التحرير"، المتعدِّدة، وأيًا يكن هذا الرأي، فإن الفيسبوك لا يمكن النظر إليه، هنا، إلا اعتبارًا من أنه جزء من ثورة التكنولوجيا، لاسيما أن وسائل أكثر تأثيرًا، كانت موجودة مثل:" التلفزيون" و"الهاتف"، وإنه إضافة إلى تأثيرهما الكبير هذا، عبر خطاب الصورة، والخبر، فإن بعض هذه النصوص القصيرة، الوامضة، لا يزال يظهر على الشريط الإخباري المتحرِّك، في بعض الفضائيات التي راحت تركِّز على مبدأ النص التفاعلي، وهو ما قد يكون خارج سياق الدراسة هنا. 
مع ذلك، فإن مما يثار من الأسئلة الواجب بحثها أثناء تناول هذه النصوص، باعتبارها فاعلة متفاعلة مع الواقع والآنى، ما يتعلق بسؤال تجنيس النص الفيسبوكي. إذ أن هذا التشارك الإيجابي من الفيس بوك مع اليومي والحياتي هو ما جعل الثورة التكنولوجية حقيقة، وجعل للنص الفيسبوكى سمة المشارك فى التعبير عن اليومي والحياتي".