إبراهيم سبتي يرتقي بالسرد والذائقة العراقية إلى آفاقها الرحبة

الروائي والقاص العراقي يرى أن الإنتاج الأدبي عالم روحي خاص بالكاتب ومن يسلك دروبه في الإبداع وفي اختيار مضامين تعبر عن مفرداته الخاصة به.

الأديب والروائي والقاص والصحفي إبراهيم سبتي هو أحد أعلام العراق الأدبية التي سجلت في تاريخها الإبداعي وبخاصة في مجال السرد الروائي، ما يشكل علامة بارزة لأحد قامات العراق الثقافية التي أثرت الساحة الأدبية، بما يرفع الرأس مهابة وعزا وكبرياء، وهو الذي حصد العديد من جوائز الإبداع الروائي منها ترشحه لجائزة كتارا التي تمنح للكتاب الروائيين العرب.

وهو لديه صلات وطيدة مع أغلب أدباء العراق وكتابه ونخبه الثقافية من مختلف المراحل الزمنية التي يزخر بها تأريخ الإبداع العراقي، كما يرى في العلاقة الوطيدة معهم أنها هي من تعيد تفجير الطاقات الإبداعية، كونه يراهم أعلاما ترفد الساحة الأدبية بالمزيد من العطاء المتألق في مختلف ميادين الإبداع وبحور الأدب والثقافة، وهم من يشكلون العلامة البارزة في أن يحظوا بتقدير الأجيال والطاقات الخلابة التي يزخر بها تاريخ العراق على مدى قرونه الغائرة في أعماق الزمن العراقي وروافده المعطاء عبر تاريخ بلد أغنت حضارته العالم أجمع بعلمها وعلومها وآدابها وفنونها، فهو بلد القامات الكبيرة التي تشكل زاده الثقافي والمعرفي والفلسفي والروحي والقيمي والديني، وكل التراث العراقي قديمه وحديثه.

ويرى سبتي في مداخلة له في اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين قبل فترة أنه يؤمن بنظرية أن لكل جيل تاريخه وأنماط إبداعه الأدبي والمعرفي والسردي، وهو وإن حسب على جيل الثمانينات إلا انه يرفض تصنيف المبدعين على أجيال من السنوات، وإن كانت لكل جيل خصوصية يختلف بها عن سمات الآخرين ممن سبقوه أو جاءوا من بعده.

لقاء أدبي
صلات وطيدة مع ادباء العراق

ويعد الكاتب العراقي الإنتاج السردي عالما روحيا خاصا بالأديب ومن يسلك دروبه في الإبداع وفي اختيار المضامين التي تعبر عن مفرداته التي يعدها خاصة به، فلكل أديب أسلوبه الخاص الذي يميز شخصيته، ويرى أيضا أن جيل ما يسمى بالستينات والسبعينات قد غاص بعيدا في الأنماط الروحية للإبداع السردي وترك لنا بصمات مؤثرة، فتحت المجال للآخرين لأن يجدوا فيها مبتغاهم، كونها وإن كانت خاصة بذلك الجيل، إلا أن من عاصروهم أو جاءوا بعدهم، لابد وإنهم اغترفوا من مناهل إبداعهم المعرفي السردي المتخيل، ما يضفي عليهم علامة مركبة تجمع بين المتخيل والجانب الروحي الزماني والمكاني في تناسق موضوعي يكون إضافة نوعية لأي عمل أدبي يريد أن يحافظ على مسيرته الإبداعية في عالم السرد الروائي أو القصصي .

وكما يقول عنه الكاتب والاديب راضي المترفي فهو "كاتب قصة من طراز خاص ومن عائلة أدبية معروفة.. فهو شقيق الشاعر الراحل كمال سبتي وابن أخ الكاتب الراحل معاذ عبدالرحيم".

ويضيف أن "ابراهيم سبتي ذو خبرة في كتابة القصة القصيرة وشؤنها ودهاليزها لفترة تتجاوز الاربعة عقود كتابة ونشرا ومعرفة به من قبل القراء والمختصين كقاص إضافة لكونه تربوي بدرجة خبير وصحفي معروف وكاتب دراما تلفزيونية واذاعية وخطاط ماهر".

وقوق كل ذلك كما يرى المترفي أنه "يعد مرجعا للكثير من القصاصين بحكم عمق تجربته الثرية وتنوعها وحضوره الجميل في المشهد الثقافي، ويتميز الرجل بخلق حسن وتواضع جم ويحظى بمحبة الزملاء".

والأديب والروائي المبدع المعروف على صعيد عربي ابراهيم سبتي من المعروف عنه كما يقول هو نفسه أنه كان شغوفا بقراءة القصص القصيرة والروايات وهو طالب في الثانوية، وكانت محاولاته بكتابة القصة قد بدأت في الثمانينات، بالرغم من أنه سبقتها محاولات نهاية السبعينات، وقد حاول نشرها في العديد من الصحف والمجلات الأدبية وبعض المطبوعات العربية، وكانت لمجلة الأقلام الصادرة عن اتحاد الأدباء والكتاب في العراق فيما بعد الدور الكبير في التعريف بإنتاجه الأدبي والروائي.

في عام 1989 أصدر سبتي أول مجموعة قصصية بعنوان "الغياب العالي" ثم تبعها بإصدارات عديدة منها مجموعته "الضواري" في اتحاد الكتاب العرب و"قباب الماء" و"نهار بعيد" وهي كما يقول إصدار خاص لم يطبعه في دار نشر. وأول رواية له كانت في بداية التسعينيات، ولم يصدرها إلا في نهاية العقد التسعيني وتوالت اصداراته.

مسامرة
روافد الابداع الأدبي

حصل سبتي على بكالوريوس في اللغة العربية وعمل مديرا لإعلام وزارة التربية (2013 ـ 2017) ومتحدثا رسميا للوزارة (2016 ـ 2017) وهو خبير تربوي في وزارة التربية. وفي عام 1983 نشر اولى قصصه الطويلة في الصحف المحلية.

وسبر مسؤول الصفحة الثقافية بجريدة الزوراء الصادرة عن نقابة الصحفيين العراقيين أغوار الكاتب والروائي وكتب عنه ما يرتقي بهذا الأديب الى مراتب عليا تليق بكل من أعلى شأن الأدب والثقافة وارتقى بها الى حيث تسمو الكلمة في أعالي القمة كي تبقى تتربع على عرش الإبداع الأدبي والمعرفي والثقافي فأوضح في حوار له مع الكاتب إبراهيم سبتي قبل فترة أن روايات الأخير "تختلف من حيث منظومتها اللغوية والدلالية"، وهو يقول عنه إنه "يخلق فضاء روائيا مدهشا ويختار أبطاله بدقة عالية، وتتسابق المتواليات السردية فيما بينها لتشكل ثيمة الرواية الكبرى لديه".

ويوضح هذا المحاور في جريدة الزوراء والذي لم يذكر اسمه، أن روايات سبتي لا تعرف الخيوط السائبة والأحداث الثانوية لديه يدفعها في خدمة ما يريد قوله في الرواية، ولهذا فقد خرج قلمه القصصي والروائي حاملا عرش النجاح باقتدار".

وحين سألته الزوراء أين تضع قلمك في مسار هذا التنوع؟ أشار الكاتب إلى أن "القصة بمحدداتها المعروفة، هي نفسها ولكن الذي حصل، أن الحداثة غيّرت الكثير من ملامحها القديمة واصبحت الثيمة مختلفة والاسلوب والتناول كذلك".

ويضيف سبتي في حواره الأكثر من روعة أن "القصة القصيرة هي نتاج مهم وكبير لكل زمان ومكان ومنذ نشأتها وحتى اليوم تعرضت للكثير من التحولات التي أدت الى نشوء قصة قصيرة مستفيدة من التطورات المتلاحقة في كل المفاصل".

وهو كما يقول عندما كتبت القصة القصيرة في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، كان همه أن يكتب قصة لا تختلف عن سابقتها السبعينية والستينية، لكنه وجد أن التيار ساقه إلى نمط آخر من الكتابة الذي كان يغرق في الحداثة وغير بعض الأساليب المتبعة.

 وعن مدى اختلاف تقنيات كتابة الرواية عن القصة أوضح الكاتب إبراهيم سبتي أنه "أمر طبيعي أن تختلف التقنيات، فلكل منهما الأسلوب الخاص والتقنية.. فالقصة القصيرة لا تحب المطاولة في الكلام والاسهاب في التفاصيل وتعدد الشخصيات تعدد الاصوات وتغير الزمن ، في حين نجد أن الرواية تقبل كل هذه التفاصيل ، ومن ثم تكون أكثر اتساعا من ناحية الحكي والسرد المطول الذي يفضي الى أحداث متفرعة وشخصيات متعددة رئيسية وهامشية ومعالجة الاحداث ضمن تفاصيل مكانية متنوعة وفي أزمان متغيرة، فاختلفت هنا التقنية والمعالجة وبالتالي صارت فسحة المناورة أكثر وبحرية مطلقة، لكن كلا الجنسين لهما خصوصية الابداع والتفرد ولا يمكن ابدا ان نتحيز لواحد دون الاخر".

وأشار إلى أنه كان قد كتب القصة القصيرة وأصدر ست مجاميع وكتب الرواية وأصدر ثلاث روايات، ولكنه يرى أن "حيز الكتابة لم يختلف عنده تقريبا.. فالرواية وجدت فيها فضاء واسعا وبوحا كنت ابحث عنه في القصة القصيرة ولم أجده، لكنها وفرت لي فرصة النَفس الطويل في الكتابة واعتبرته بحد ذاته مكسبا ابداعيا لأنه ينم عن مناورة أكثر ومشاكسة واظهار خفايا الشخوص التي لم تستطع اظهارها في القصة.. أما القصة فاعشق كتابتها لأني بدأت بها ونظّرت عبر مقالاتي عنها أو عن بعض المجاميع لقصاصين اخرين".

وهو يعترف بأن "الانتماء إلى القصة القصيرة أقرب إليه من الأجناس الأخرى لأنها فن المهارة المطلقة".. والكتابة كما يقول "هَمٌ اضيف إلى همومنا المؤبدة وصارت حتمية لا بد منها، وأستطيع القول بأنها المحطة الكبرى الأكثر غربة وغرابة، لان قدرنا الذي دفعنا لان نستنشق عبيرها في كل لحظة وبالتالي صارت قدرا لا يتركنا ولا نتركه ".

وعمن تأثر بهم من الكتاب الكبار قال سبتي "تأثرت كثيرا بالقاص والروائي عبدالرحمن مجيد الربيعي وكنت شغوفا بأعماله وأيضا أدين بفضل عشقي للقصة القصيرة للقاص الراحل محسن الخفاجي الذي أعتبره علما كبيرا من أعلام القصة العراقية، ولكنه للأسف لم ينل حظه من النقد واستذكرهما هنا بحكم أننا نعيش في مدينة واحدة، الناصرية، وهي المدينة العراقية الجنوبية التي يطلق عليها منجم المبدعين ".

وعن آخر رواية له "قصر الثعلب" وكيف يقيمها أوضح الكاتب أن "الرواية المطبوعة في مصر هي رواية الألم العراقي غير المكتوب، فقد تناولت فيها حالة مواطن وهو يحلم بزيارة أميركا لأنه يحب أحد نجوم السينما فيها، ولكن الوصول إلى هناك لم يكن سهلا بعد مقابلة نجمه المفضل.. وكل كاتب "يختلف عن زميله الآخر في تعاطيه مع كتابة الرواية، فاذا كان صديقنا يشعر بالرهبة عند الشروع فيها، فهذا يعني بأن الرجل يحترم فنه الروائي ويحسب له حسابا. شخصيا، أعمل تخطيطا أوليا للحدث والشخوص ومن ثم أدخل في الكتابة لحظة ما تكون كل الامور مناسبة وأهمها هو التفرد وعدم تكرار الاخرين او تقليدهم".  

من أعماله ونتاجاته الإبداعية وسيرته الشخصية:

بعض قصصه أعدت كتمثيليات اذاعية وتلفزيونية منها "وجوه في ذاكرة الليل" و"الطريد" و"مباغتة جبل" ونقلت للتلفزيون خمس قصص قصيرة ساهم في اعدادها بعض الاذاعيين المعروفين. أما "وجوه في ذاكرة الليل" فقد أعدها الناقد باسم عبدالحميد حمودي للإذاعة، و"الهاربان" مسلسل إذاعي من 30 حلقة أعده الدكتور سليم الشمري. وترجمت بعض قصصه إلى اللغات الانكليزية والألمانية ونشرت ضمن دراسات عن القصة العراقية الحديثة.

ساهم في تأسيس مجلة "أورالأدبية" في الناصرية والتي كتب فيها معظم أدباء العراق المعروفين. كما شغل محررا بمجلة المشهد الثقافي في بغداد ومحررا ملحقا بجريدة الثقافي في العاصمة العراقية. وعمل رئيس تحرير مجلة القرطاس والقلم في وزارة التربية (2013 ـ 2017). وكان عضوا في نادي السرد في اتحاد ادباء العراق في الدورة السابقة.

نشر عشرات الدراسات والمقالات النقدية في دوريات ومجلات عربية متخصصة وما زال. كما شارك في العديد من الندوات والمؤتمرات والورش الثقافية والأدبية داخل وخارج العراق.

أقيمت له جلسات أدبية في دمشق وعمان والقاهرة والاسكندرية واستضافه التلفزيون المصري اكثر من مرة. شارك في مؤتمرات القصة والرواية العراقية والعربية وكتب عن تجربته أدباء ونقاد عراقيين وعرب.

شغل عضوا في عدة لجان تحكيمية في مسابقات القصة القصيرة في العراق منها جائزة الابداع العراقي لوزارة الثقافة وجائزة اتحاد الادباء ومؤسسات أدبية وثقافية وقنوات فضائية أخرى. كُتبت عن منجزه خمس رسائل ماجستير في جامعات العراق وعمان. وفاز كتابه "بائع الضحك" كأفضل كتاب لعام 2012 في استفتاء جريدة "الزمان"

كتب العديد من مقدمات المجاميع القصصية المطبوعة لقاصين عراقيين، فشغل عضو بالاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق وعضو اتحاد الكتاب العرب وعضو نقابة الصحفيين العراقيين وعضو جمعية الخطاطين العراقيين.

المؤلفات / القصص

* الغياب العالي مجموعة قصص صدرت عن دار الشؤون الثقافية العامة في وزارة الثقافة ببغداد 1989.

* ما قالته الضواري في حداد الإنس وهي قصص صدرت عن اتحاد الكتاب العرب دمشق 2002.

* نهار بعيد (قصص) تحصلت على جائزة الكتاب الفضي في بغداد 2007 .

والليل اذ.." قصص المشهد القصصي في ذي قار.. اعداد دار الينابيع سوريا من منشورات اتحاد الادباء 2009.

* بائع الضحك قصص قصيرة صادرة عن دار ميتوبوزميا بغداد دمشق 2012

* حيطان مسيلة للدموع قصص وزارة الثقافة عام 2013

*عربة الصمت وهي مجموعة قصصية عن د ار النخبة في القاهرة 2020

*شال الحرير تحت الطبع في اتحاد الادباء 2022

الروايات

*جنة العتاد رواية صادرة عن دار الينابيع دمشق 2009

*نخلة الغريب رواية صدرت عن دار الشؤون الثقافية العامة في وزارة الثقافة بغداد 2002

*سفرجل عن دار المسيرة بغداد 2017

قصر الثعلب صدرت عام 2019

تحياتنا للأديب والروائي والقاص والصحفي المبدع إبراهيم سبتي، وكل تلك الثمار اليانعة والقطوف الرائعة من أعماله الأدبية والثقافية في الكتابة التي تعد تاج فخر بين أبناء جيله في العطاء الإبداعي والمعرفي والسرد المتخيل.. وهكذا كان حال كل أدبائنا وكتابنا المبدعين الذين أثروا الساحة الأدبية بنتاجاتهم الثرية ، فكانوا منارة عز للأجيال ترفع لهم القبعات، وهم من يبقون محفورين في سجل الإبداع العراقي وذاكرته الزاخرة بالقيم والمعارف والأفكار والرؤى والتصورات لما سطرته عقولهم الغائرة في المتخيل الإبداعي، فكانوا بحق أعلاما ترفرف في سماء الكتابة العراقية،  وهي تحكي للعراقيين قصص بطولة وتحد وإبداعات متميزة، ما كادت أن تكون بهذا المستوى الراقي لو لم يكن وراءها كتاب متألقين أحاطوا بالمعرفة الأدبية وغاصوا في أعماق بحورها واستخرجوا منا تلك اللآلئ والدرر لتكون شاهدا لهم على أنهم نخيل العراق الغائر جذوره في أعماق التاريخ العراقي  الخلاب، فألف تحية لهم من الأعماق.