اختلافات مناهج اللغة الإعلامية عند تسويق مضامينها الى الجمهور

أنماط اللغة الإعلامية والدعائية مختلفة تماما عن بقية أساليب استخدامات اللغة العربية في جوانب أخرى كونها لغة تختص بأهل الإعلام ومحترفيه.

اللغة الإعلامية من وجهة نظري ومن خلال خبرات إعلامية ضمن الإطار الصحفي وفي ميادين الحرب النفسية والخطاب الإعلامي إستمرت لأكثر من أربعين عاما هي لغة تختلف تماما من حيث التعبير عن بقية الإستخدامات الأخرى للغة العربية في أساليب ومضامين التوجهات ذات الطبيعة الأكاديمية والمعرفية والاجتماعية والاقتصادية والفلسفية والنفسية وعلى صعيد التربية والتعليم وبقية العلوم الأخرى كونها لغة تختص بأهل الإعلام ومحترفيه ومن لديهم باع طويل في صناعة اللغة الإعلامية وتسويق مفاهيمها الى الجمهور.

ومن أهم المميزات التي يمكن أن تمتاز اللغة الإعلامية في جوانب إستخداماتها المختلفة في الصحافة والإذاعة والتلفزيون والمواقع الألكترونية التي تطورت حديثا أن هناك سمات وخصائص لغوية مختلفة للغة في الخطاب الإعلامي أو ضمن التوجهات الإعلامية المختلفة يمكن أن نستعرض مجالاتها ضمن الأطر التالية:

1. أنها لغة تستخدم التعابير اللغوية الأكثر بساطة وغير المعقدة ليكون بمقدور الجمهور المتلقي بمختلف أشكاله وتعليمه فهمها وإستيعابها بسهولة ويسر دون الحاجة الى أن يدخل الإعلامي في المحسنات اللفظية والتزويغ اللفظي أو في جوانب البديع والبيان لإظهار جزالة الكلمة وقدرتها على التأثير وكلما كانت اللغة المستخدمة في الخطاب أو الرسالة الإعلامية بسيطة الكلمات وبلغة من (السهل الممتنع) ومفهومة من قطاعات جماهيرية واسعة كانت أقرب الى أن يجد فيها الجمهور مبتغاه للتناغم معها أو إستيعاب مضامينها.

2. لقد أشرت لأول مرة ضمن ملتقى الحوار الإعلامي الثالث عن الخطاب الإعلامي في جامعة المستقبل بمحافظة بابل في 27 شباط 2024 ضمن تأكيدي على أهمية اللغة في الخطاب الإعلامي الى أن اللغة وحدها لاتكفي لتوجيه الخطاب الأعلامي لكون حروف اللغة إذا كانت مبعثرة دون ترتيب فتظهر وكأنها حروف صماء لاتعني شيئا ونحن من خلال إعادة ترتيب حروفها ومخارجها وحركاتها نعيد صياغة اللغة لتكون زادا شهيا للجمهور.

3. بل أن المحترف في الميدان الصحفي والإعلامي كما أكدت لتلك النخب والكفاءات الصحفية والأدبية التي حضرت بحاجة أن يدخل حروف اللغة في مفاعل نووي ليعيد صهرها وصياغتها من جديد بحيث تبدو أكثر لمعانا وبريقا عندما يستطيع هذا المحترف أن يستخدم الكلمة وحروفها بالإتجاه الذي يثير رغبة الجمهور لسماعها ويجعلها مستساغة له مثل الأكلة الشهية التي تعدها ربة البيت أو الشيف أو الطاهي المحترف وهم يجيدون وضع التوابل والبهارات على الأكلة المفضلة التي أعدت بعناية لتكون أكلة طيبة المذاق وتقدم عليها العائلة أو الضيوف لإلتهام ما تم إعداده لهم من طيب الطعام وكذلك يكون معد الخطاب الإعلامي بتلك الدرجة من الأهمية والإحتراف في الإهتمام بنوعية الخطاب الذي يرتقي بذائقة الجمهور ويرغمه على سماعه بشغف وبلا تردد.

4.  وهذا لايعني في المقابل عدم إعتماد قواعد اللغة العربية وإعرابها الصحيح وبخاصة في نشرات الأخبار وبعض برامج النخب المثقفة لأن من مهام الصحفي والإعلامي عموما الذي يريد أن يحترمه الجمهور والنخب الثقافية أن تكن لغته القواعدية سليمة النطق، لكن ليس بالطريقة المعقدة التي يعرضها على الجمهور من حيث حركات اللغة في الضم والنصب والكسر الى الدرجة التي تثقل على الرسالة الإعلامية وقد تصيبها بالملل، وليس من واجب الإعلامي  أحيانا أن يحرك أواخر الحروف (عدا النشرات الإخبارية) وإن كانت بدرجة أقل لكنه يحافظ على سلامة أصول قواعدها من حيث إعراب الفعل والفاعل والمفعول به والمفعول لأجله والمنصوب والمجرور، كونها قواعد ثابتة ومن بديهيات أية لغة أن تحترم قواعد لغتها الموجهة الى جمهورها، كل ضمن قطاعه المعرفي أو الإجتماعي.

5.  إن أغلب من يقودون الإعلام وبخاصة  الصحف والمجلات وبعض الفضائيات هم من خريجي اللغة العربية أو من أدبائها وشعرائها وكتابها، وهم أنفسهم قد إستفادوا من اللغة الإعلامية ومن توجهاتها وأنماط كتابتها وأساليبها كونها لغة لديها إسلوب خاص في التوجه والكتابة سواء في صياغة الأخبار أو عموم توجهات الوسائل الإعلامية، وهم منذ السبعينات من كانوا يهيمنون على الصحف والمحطات التلفزيونية وهم من كانوا قادتها ورؤساء تحريرها، وقد حاولوا فرض رؤاهم على الأسرة الصحفية في كيفية نقل الرسائل الإعلامية لكنهم إقتنعوا أخيرا أن الإعلاميين هم من كانت لهم الهيمنة في نهاية المطاف بعد أن إتسع نطاق الوسائل الإعلامية من صحف ومجلات وفضائيات، وهم وإن كانوا مايزالون يرأسون أغلب مؤسساتها لكن هيمنتهم خفت كثيرا وتركوا للخبرات الصحفية أن تأخذ دورها في تأسيس أساليب لغة خاصة بهم مع المحافظة على ثوابت اللغة من أن يصيبها الإنحدار.

6.  إن صياغة التوجهات اللغوية هي من إختصاص كفاءات لغوية لها خبرات طويلة في أسس اللغة وموازينها وقواعد نطق حروفها وقدرتها على إستخدام المثل الأخلاقية والقيمية في الإرتقاء بخطابها الى نخب في الغالب أو حتى عند توجيه برامجها الى الجمهور، فإنها تبقى تحافظ على أساليب المهتمين باللغة العربية دون أن تنزل الى مستوى الخطاب الإعلامي الذي تختلف لغته وأسلوبه في كثير من الحالات عن الخطاب الممنهج والعلمي والديني والإقتصادي الذي يظهر اللغة العربية وكأنها كيان مقدس لاينبغي المس بسلامتها بأي شكل من الأشكال.

7.  أما صياغة الخير الصحفي أو التقرير الصحفي أو المقالة الصحفية أو التحقيق الصحفي فهي لها صياغات مختلفة هي الأخرى لكنها في معظم توجهاتها تعتمد على مقدمة وتفاصيل وخاتمة وأحيانا الى توقعات وإستنتاجات وهذا الأمر غير مطلوب في التوجهات المعرفية الاخرى ضمن الإطار الأدبي وإن كانت تلتقي مع بعض توجهاتها في هذا التقسيم (مقدمة وتفاصيل وخاتمة ونتائج ) وبخاصة القصة الأدبية والرواية والبحث الأكاديمي لكن لغتها الصحفية تبقى مختلفة تماما وصياغتها هي الأخرى مختلفة ولهذا نؤكد هنا على أن اللغة الإعلامية هي لغة مختلفة تماما في أغلب الأوقات ولها أسسها وبنائها الصحفي من قبل محترفين أجادوا ركوب الموجة الإعلامية وأبدعوا فيها.

8.  في اللغة الإعلامية ذات الجوانب التي تدخل في ميادين الدعاية والحرب النفسية تستخدم في اللغة الصحفية فنونا لغوية أخرى غير مسموح بها في اللغة المعتادة في التوجهات الدينية والإقتصادية والعلمية وفي ميادين البحوث العلمية والأكاديمية ومن تلك الفنون الصحفية التي نعنيها في هذا المجال هي : الدعاية والفبركة والتضليل والخداع والمراوغة في الرموز والإشارات كونها دخلت كثيرا في ميادين الصحافة وغلبت على مفاهيم الإعلام الذي يعتمد على الحقائق وعلى تقديم المعلومات، ولهذا شاعت في اللغة الإعلامية الحالية أنماطا من تلك النماذج التي أشرناها، والتي لكل منها إستخدام خاص بطبيعة توجهاته طالما أن لكل جهة سياسية أو دعائية إسلوبا في الوصول الى الجمهور وهذا مما لا ينسجم مع توجهات لغة الخطاب الموجهة الى الجمهور في المدارس والجامعات وحنى على صعيد شعبي واكاديمي وبحثي، عدا مجالات الدعاية والحرب النفسية التي هي من تكرس تلك المفاهيم الجديدة التي دخلت الى الساحة الإعلامية وراحت تطغي على مضامينها، بحيث يصعب الفصل بينها وبين سياقات التوجهات الأخرى للغة العربية التي لها أساليب تحاول قدر الإمكان المحافظة على أخلاقيات المجتمع وقيمه من أن تطالها مثل هذه التوجهات التي يتم تسويقها عبر الإعلام وعبر وسائل التواصل الإجتماعي التي إتخذت من الوسائل الإعلامية للأسف الشديد طريقها الى تشويه التوجهات الجماهيرية والتلاعب بأعصاب الجمهور لمجرد أنها تريد تسويق خطابها الدعائي أو ترويج تجارتها بأية طريقة ممكنة.

9.  تعتمد اللغة الإعلامية على إجراء مقابلات صحفية او حوارات أو تصريحات صحفية وفيها يدخل الغث والسمين وضمن أطرها ووسائلها يكون الصراع والجدل في أعلى درجاته وله تأثيرات سلبية في الأغلب على الجمهور في أنها تشحن قطاعاته بالطريقة التي تريد إثارة كل طرف ضد الطرف الآخر أو الحط من شأنه وقدره بين الجمهور أو حتى ضمن رقعته الجغرافية أو إنتمائه السياسي.

10.  في الجانب الإعلامي تستضيف الفضائيات ضمن برامج حواراتها الكثيرين من المختصين في الشأن السياسي أو الإعلامي أو الفني أو الإقتصادي أو الإجتماعي أو حتى الجمهور العادي واوساطه الشعبية المتعلمة وغير المتعلمة ولهذا لا تشترط على ضيوفها أو حتى مقدمي برامجها أن تكون لغتهم الغربية سليمة بل يتحدثون في الغالب باللغة العامية وإن كان البعض منهم وهم قلة يحالون أن يتحدثوا في اللغة العربية الفصحى لكن وسائل الإعلام وبخاصة الفضائيات غير ملزمة بتوجهات من تستضيفهم في طبيعة المحافظة على اللغة العربية وراحت الأنماط الشعبية المتداولة في البيوت والمقاهي تغلب على الساحة الإعلامية ولهذا نقول أن مجالات الإعلام كثيرة ومن الصعب على تلك الوسائل أن تتقيد بأساليب اللغة وقواعدها إنطلاقا من هذا المبدأ وهذا مما يضعف كيان اللغة العربية ويصيب إستخدامها الصحيح في الصميم.

11.  هناك برامج فضائية متخصصة لها صلة بالتوجهات الدينية يكون خطابها متقنا للغة العربية ومقدمو برامجها ومن تقدمهم للمشاهدين كنخب ثقافية لكن المشكلة لديهم أنهم يكرسون الخطاب الطائفي بين مضامين توجهاتهم ويدخلون الجمهور رغما عنه ضمن تلك الصراعات بحسب توجهات كل طائفة.

12. وعلى العكس هناك فضائيات ومواقع الكترونية تبحث عن الشهرة والإثارة  الرخيصة بأي ثمن ولهذا فهي تبحث عن سياسيين أو من اوساط فنية مشهورة  يحققون لها قدرا كبيرا من حدة الصراع واحتدام المناقشات والجدل والسباب وربما تبادل اللكمات وتعدهم الضيوف المرحب بهم كونهم يحققون لها أعلى نسب مشاهدة على حساب أمن المجتمع والجمهور وسلامته وإستقراره وتجد الفضائيات التي تبحث عن الاثارة الطائفية والمذهبية وحتى الفنية هي من تكرس هذا النمط من اللغة المنحطة والسباب بين مضامينها وتجد لها قبولا من قطاعات ترتبط بها وتجدهم هم ضيوفها في أغلب الأحيان.

13. وتلك النماذج التي تحدثنا عنها في أنها هي من تنتشر وتجد لها تسويقا ضمن الساحة العراقية وحتى على صعيد أقليمي أو دولي، وبخاصة الإثارات والإتهامات الفنية التي يعرضها فنانون يتصارعون في الشهرة بينهم، وإذا بلغة خطابهم تنزل أسفل سافلين.

14. ينبغي أن ندرك حقيقة أن وسائل التواصل الإجتماعي التي شاع إستخدامها بالملايين من قبل الجمهور وبخاصة الفيسبوك والإنستغرام وتويتر وتيك توك، لا علاقة لها بالوسائل الإعلامية حتى وإن إتخذت من بعض الوسائل الإعلامية سبيلا للترويج لأنشطتها ومضامينها ونحن نطلق عليها أساليب تواصل إجتماعي وليس إعلامي ومن غير المقبول أن تحسب على وسائل الإعلام كونها وسائل تواصل جديدة طارئة دخلت هذا الميدان رغما عن أنوف الجميع ويديرها أبناء المجتمع ومن جهات سياسية وتجارية وأوساط شعبية من داخل مجتمعنا ومن دول أقليمية ودولية مختلف لدى كثيرين منهم تواصل مع جمهورنا في المنظومة العربية.

خصائص اللغة الاعلامية

1. الوضوح: ويعد السمة الأساسية من سمات لغة الاعلام وهي وضوخ الجمل والتراكيب اللغوية لان المتلقي ليس لديه الوقت الكافي للتمعن بين ثنايا المضمون لمعرفة محتوياته لذا يكون الوضوح هو الهدف الأسمى للرسالة الاعلامية لكي تكون سهلة الفهم والاستيعاب من قبل المتلقي.

2. المعاصرة: أن تكون الجمل والتراكيب والكلمات متسقة مع روح العصر ومع إيقاعه والجمل المركبة قد لاتكون مناسبة للغة الإعلامية الا في موضوعات معينة وفي مجالات محددة.

3. الملائمة: وهي أن تكون اللغة متلائمة مع الوسيلة المستخدمة والجمهور المستهدف لكون اللغة الصحفية تستهدف فئات إجتماعية وتعليمية واقتصادية معينة ولجمهور محدد.

4. الجاذبية: ويقصد بها أن تكون المضامين مشوقة وقادرة على شد إنتباه الجمهور الى الرسالة المراد توجيهها اليه.

5. الإختصار: فالجمهور الذي لاوقت لديه لرؤية الاف الرسائل فإن الأمر يتطلب الاختصار في المضمون الموجه اليه بدلا من الإطالة التي تصيبه بالملل.

6. المرونة : ويقصد بها ان تكون طبيعة المواضيع المختارة مرنة وتخاطب أكثر من جمهور ومعالجة أكثر من موضوع .

7. الإتساع: وهي قدرة اللغة على أن تشمل أكبر القطاعات الجماهيرية من حيث التأثير في المضامين المراد توجيهها الى الجمهور.

8. القابلية على التطور: قدرة اللغة على التطور مع مجريات العصر ومتطلباته والتغييرات الكبيرة التي يشهدها.

وما تقدم من توضيح أسباب تاكيدنا على اختلاف اللغة الإعلامية ضمن توجهات الوسائل الإعلامية المختلفة من صحف ومجلات وفضائيات ومواقع الكترونية هو ما يبرر لنا أننا قد خصصنا تلك السمات والخصائص لنمط التوجهات واللغة المستخدمة في الساحة الإعلامية لنضعها أمام من يهتمون بالخطاب الإعلامي من جهة ولتأكيد الدوافع التي سبق أن أشرنا اليها أعلاه من أن أنماط اللغة الإعلامية والدعائية مختلفة تماما عن بقية أساليب استخدامات اللغة العربية في جوانب أخرى وأملنا أن نكون قد أوفينا هذا الموضوع الحيوي المهم ما يستحقه من اهتمام.


المصادر:

 اللغة في الخطاب الاعلامي العراقي / حامد شهاب / باحث اعلامي / بحث مقدم الى جامعة المستقبل في محافظة بابل 2024

 اللغة الاعلامية المفاهيم -  الاسس - التطبيقات  أ.د سامي شريف / كلية الاعلام جامعة القاهرة.2004 و د. أيمن منصور ندا / كلية الاعلام جامعة القاهرة 2004