الحلبوسي وقرارات القضاء.. ومحنة قادة المكون السني

من حق كل سياسي عراقي أن يطالب بإعادة النظر بالأحكام الموجهة له والطعن بها.

أن يتم إصدار أحكام من القضاء على السيد محمد الحلبوسي رئيس البرلمان السابق وتوجيه التهم له والتي وصفت بأنها جريمة مخلة بالشرف على قضية أتهم فيها بالتزوير وتم تنحيته فجأة من رئاسة البرلمان وأسقطت عضويته في مجلس النواب بلا سابق إنذار.. ومن ثم إصدار حكم البراءة بحقه بعد شهور بقرار آخر مناقض له يعني أن قرارات القضاء العراقي أصبحت أمام الرأي العام، بل أمام الشعب العراقي محل إمتحان خطير وربما تنكشف أسرارا خطيرة تضر بسمعة القضاء لم يشهده تأريخ القضاء العراقي منذ عقود طويلة حيث كنا نعده الدعامة الأخيرة التي نرتكن اليها جميعا وهو آخر المعاقل التي تحفظ للعراقيين حقوقهم ولن تتأثر قراراته بمعارك الساسة فيما بيهم وصراعهم الذي وصل الى مديات خطيرة كادت أن توصل الأمور فيما بينهم الى كسر العظم.

المشكلة التي يواجهها الرأي العام العراقي ومنهم المحافظات التي أدخلت ضمن محور المحافظات المحررة أن هناك توجها خطيرا لدى جهات في الإطار للاسف الشديد لرفع رصيد سياسي معين من أجل تحطيم الآخر لمن أدخلوه في مرحلة الخصومة معهم ومن ثم إعادة الحط من قدر الأخير لرفع شأن الأول المستهدف. وهكذا تمضي اللعبة على هذا المنوال عاما بعد آخر وكأننا نعيش في زمن لانعرف من هو المتهم أو البريء ومن يدخل لعبة السياسة القذرة ومن تناله سياط العدالة تحت ضغط الحيتان المتوثبة لتوجيه التهم الخطيرة لهذا وذاك متى يرون أن ورقته لديهم أشرفت على الإنتهاء أو إحترقت أمامهم بحسب ما تم تهيئة ما يجدونه من مبررات للإطاحة بخصومهم في اللحظة المناسبة لأن هذا السياسي أو ذاك لم يخضع لإرادتهم أو ربما لم يطأطأ رأسه لما يريدون منه تنفيذه أو لمن ترى هذه الجهة السياسية أو تلك أنه دخل في قفص إتهامها لتحرق جسده وتحول مناصريه الى أشتات متناثرة لا يعرف الكثير منهم أولهم من آخرهم ولا أحد يعرف من سيدخل ميدان اللعب لتقديمه قربانا لنزوات ساسة السلطة أو ألاعيبهم في قادم الأيام.

ومن حق الجمهور ومن حق كل عراقي منصف أن يتساءل إذا كان السيد محمد الحلبوسي بريئا فلماذا صدرت كل تلك التهم الخطيرة بحق رئيس أعلى سلطة تشريعية في البلد كان على القضاء أن يحترمها قبل غيرها لا أن يدخل نفسه طرفا تحت ضغوط سياسية ثم يصدر القضاء قرارات مناقضة أظهر القضاء نفسه أنها باطلة ومن ثم تركت مستقبلا مجهولا لأكبر مؤسسة تشريعية عليا في البلد أصبحت محل إتهام وتنكيل بشخوصها وبخاصة من قادة المكون السني الذين صدرت بحقهم في سنوات سابقة أحكاما مختلفة حرمتهم في المشاركة في العملية السياسية وأصبح مصيرهم غامضا بعد أن أبعدوا عن سلطة القرار تحت قرارات لا تختلف كثيرا عما واجهه الحلبوسي وغيره ممن شملتهم قرارات القضاء في فترات مختلفة على شاكلة شخصيات سياسية مثل محافظ نينوى الأسبق السيد أثيل النجيفي أو نائب رئيس الجمهورية الأسبق السيد طارق الهاشمي أو نائب رئيس الوزراء وزير المالية الأسبق السيد رافع العيساوي وغيرهم وغيرهم أو حتى قضية النائب أحمد العلواني التي تعد المأساة الكبرى حيث ذهبت 12 عاما من عمره هدرا في السجون بقضية تم التخطيط لها ومن ثم إستهدافه فيها لكي يقع رغما عنه في قفص الإتهام.

ألا يحق لهؤلاء الآن أن يحتكموا الى القضاء مجددا للنظر في مشروعية أو قانونية القرارات التي صدرت بحقهم وكلنا نردد ليل نهار أن القضاء العراقي نزيه وعادل وبعيد عن كل ضغوط وهو يمارس سلطته تحت طائلة القانون ووفق الدستور وليس من حق أحد أن يوجه له النقد بشأن القرارات التي يتخذها وكأنه المقدس الآخر الذي لايمكن أن يكون موضع إتهام في يوم ما.

ثم أليس من حق الحلبوسي بعد تبرئته أن يقيم الدعوات مجددا لرد إعتباره بعد كل التهم التي وجهت إليه وان يرد حقه من كل من وجه اليه الاتهام ومحاولات تشويه سمعة الرجل بمديات خطيرة لايمكن لعقل أن يصدقها ومثلما تظهر قرارات القضاء وكأنه هو المتهم بإصدار أحكام لم تكن قانونية وجرت فصولها تحت ضغوط سياسية أرغمته على إصدار قرارات متسرعة أصابت بسمعتها الكثير من أقطاب العملية السياسية وبخاصة من قادة المكون السني الذين كانوا هم المستهدفون من قرارات القضاء.

اليس من حق العراقيين أن يعيدوا النظر بموقفهم من القضاء العراقي بعد قراراته الأخيرة بشأن تبرئة الحلبوسي أو معاقبته والذي كان يتولى مهمة أعلى سلطة تشريعية في البلد وهو رئيس البرلمان وأصبح الرجل لأشهر بلا حصانة نتيجة أحكام صادرة بحقه أمام شعبه ومكونه وأمام الرأي العام الذي يتحول فيه المتهم والمحكوم تحت سلطة القضاء الى بريء، فإذا كان بريئا حقا فكم من قرارات سابقة صدرت وكانت محل شك بحقيقة إصدارها حتى من أوساط شعبية وليست أوساطا قانونية أو قضائية؟

البعض ومنهم القضاء نفسه قد يقول أنه هو هذا القضاء العادل النزيه ولكن ليست بقضايا غاية في الأهمية في أحكام سريعة إستغربها ملايين العراقيين وكادت أن توقع بضحاياها وسمعتهم أمام شعبهم ومكونهم وقد تعرضوا لتشهير وقذف وسباب وشتائم لايمكن تحملها بأي حال من الأحوال.

كان الله في عون السيد الحلبوسي وكل من تعرض لإتهام مماثل على شاكلته.. وكان الله في عون أهله وعياله وجمهوره وهم بالملايين داخل الأنبار وخارجها وهو الذي ناله ما ناله من هول الإتهام من غصة ألم مريرة حبسها داخل صدره ليخفي محنة أليمة إحتبست داخل ضميره ووجدانه.. إلا أن حكمته وصبره وعودته الى القضاء العادل لإعادة حقوقه هو من خفف عن الكثيرين عبء المصاب.. فعادت إليه مكانته ورد له إعتباره الآن أكثر من ذي قبل وهو سيعيد له هيبته ومكانته السياسية وسيكون الرقم الصعب في المعادلة السياسية في قادم الأيام.

وبعد كل ما جرى فنحن اليوم حقيقة أمام هول صدمة لم تعيد لنا العقول بعد حتى أصبحت عقولنا تعيش حالة إرتباك وإستغراب وتعجب ربما تدخلنا جميعا في قفص الإتهام ونحن أبرياء ولا ذنب فينا سوى أننا عراقيون لم تمتد أيدينا لحرام في أي يوم ولم نعتد على أحد أو نسيء له وهو ما يشكل مبعث قلق دائم لنا جميعا بأن قضية موتنا أو حياتنا أصبحت محل تقديرات لم تكن صائبة أو من خلال قرارات يتم فيها تقديم رقابنا الى مقصلة الموت بلا ذنب إرتكبناه أما إذا كان موتنا بسبب نهاية أجلنا فهذا حكم الله جلت قدرته لا راد لقضائه أو قدره.