الإبداع الشعري في مواجهة التطرف الفكري

من أهم صور التطرف الفكري المعاصر هو الفهم الخاطىء لتعاليم الدين ومبادئه.
التطرف يقصد به الشطط في الرأي والبعد عن الحقيقة
الفكر يقصد به الاتجاه العقلي للفعل وتطبيقه في الواقع
أغاية الدين أن تحفوا شواربكم ** يا أمة ضحكت من جهلها الأمم 

الشعر جنس أدبي يرقى بالإنسان: وجداناً وفكراً، ومنذ عرف عرفت وسائل الإعلام والنقد الإجتماعي ولولاه ما وصل إلينا من أخبار أقوام وقبائل وأحداثٍ مهمة، وبه يحتج الإنسان ويتخذه معادلاً لما يريد من رأي وحجة ودلالة، وقد ارتبطت حركة الشعر بالآراء النقدية، وفي ذلك يقول محمود بيرم التونسي (في مقدمة الأعمال الكاملة) لولا النقاد لهلك الناس ولطغى الباطل على الحق ولامتطى الأراذل ظهور الأفاضل وبقدر ما يخفت صوت الناقد يرتفع صوت الدجال".
ومن خلال هذا كان للشعر دور فى الواقع وقضاياه، بل وله حق مواجهة السلبيات كما له القدرة على توثيق الإيجابيات، ومن السلبيات التي تصدى لها الشعر، ووقف لها مواجهاً ومكافحاً ومحذراً ظاهرة التطرف الفكري. والتطرف يقصد به الشطط في الرأي والبعد عن الحقيقة، أما الفكر فيقصد به الاتجاه العقلي للفعل وتطبيقه في الواقع، إذاً الوقوف ضد ما جرت عليه الجماعة شططُ وتطرف، و- أيضا - انتهاج ما يخالف العُرف هو خروج على رأي المجتمع واعتداء على أمنه وسلامته.
ومن أهم صور التطرف الفكري المعاصر هو الفهم الخاطىء لتعاليم الدين ومبادئه، فنجد من يشطح في تأويل نص أو تطبيق معنى اعتمادًا على ظاهره وبعدًا عن روحه وفحواه.
ولذا يتصدى أحمد أبوالطيب المتنبي ببيته الشهير:
أغاية الدين أن تحفوا شواربكم ** يا أمة ضحكت من جهلها الأمم 
وإيجازًا لهذه القضية التي قتلت بحثًا ونقاشًا وهي قضية الساعة، نقول: لا بد أن نوفر سبل التعليم لمعرفة حقائق الأمور والوصول إلى مقاصدها خاصة في المواضيع الدينية مصداقاً لقول الشاعر:
ومن لم يذق ذل التعلم ساعة ** تجرع ذل الجهل طول حياته
فلا مناص من التعريف بجوهر الأشياء ومقاصدها والترغيب في اتباع محاسنها والنهي عن سلوك شرورها.
وللفنون جميعا دورها المؤثر البنّاء في تطبيق ذلك خاصة في الشعر، وكم من المواقف والأحداث التي ناهضها الشعراء وقاوموها ورفضوها رفضاً مطلقاً بطرق فنية متقنة ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
ما جاء في قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي عقب اغتيال بطرس باشا غالي، وقد كان رئيس الوزراء المصرية في أيام حكم الخديو عباس الثاني، وقد اغتاله إبراهيم الورداني في سنة 1910، لأسباب سياسية ممثلة لتطرف فكري وفهم خاطىء لحقائق الأوضاع والأمور". (وقد تكرر ذلك فيما يمثل واقعة اعتيال فرج فوده في 8 يونيو/حزيرانن 1992 في القاهرة ، والشروع في قتل نجيب محفوظ في القاهرة عام 1994 وغيرهما).  

Poetry
محمود بيرم التونسي

يقول شوقى منددا بالحدث ومواجهاً للتطرف الفكري:
قَبرَ الوَزيرِ تَحِيَّةَ وَسَلاما **    الحِلمُ وَالمَعروفُ فيكَ أَقاما
وَمَحاسِنُ الأَخلاقِ فيكَ تَغَيَّبَت ** عاماً وَسَوفَ تُغَيَّبُ الأَعواما
قَد عِشتَ تُحدِثُ لِلنَصارى أُلفَةً ** وَتُجِدُّ بَينَ المُسلِمينَ وِئاما
وَاليَومَ فَوقَ مَشيدِ قَبرِكَ مَيتاً ** وَجَدَ المُوَفَّقُ لِلمَقالِ مَقاما
الحَقُّ أَبلَجُ كَالصَباحِ لِناظِرٍ ** لَو أَنَّ قَوماً حَكَّموا الأَحلاما
أَعَهِدتَنا وَالقِبطُ إِلّا أُمَّةٌ ** لِلأَرضِ واحِدَةٌ تَرومُ مَراما
نُعلي تَعاليمَ المَسيحِ لِأَجلِهِم ** وَيُوَقِّرونَ لِأَجلِنا الإِسلاما
الدينُ لِلدَيّانِ جَلَّ جَلالُهُ **    لَو شاءَ رَبُّكَ وَحَّدَ الأَقواما
فقضية الوحدة الوطنية في مصر كانت منذ دخول الإسلام إليها موضع انطلاق شرارة التطرف الفكري المتكرر عبر الزمان، وفي المكان، وقد كان للشعراء فيها آراء ووقفات وقصائد وليكن بيت شوقى السابق ذكره هو المواجه والقاطع:
الدينُ لِلدَيّانِ جَلَّ جَلالُهُ **     لَو شاءَ رَبُّكَ وَحَّدَ الأَقواما
ونعود لنؤكد على ضرورة الحوار قبل القرار، من أجل تجلية بواطن الأمور والوصول إلى أغوار الحقائق والتبصير بالرأى السديد، وفي ذلك قال الشاعر أحمد السمرة:
أين السبيل إلى محاورة **    علّ الرضا يعلو له صوت
والرضا هنا هو الاتفاق على رأي أو على طريقة، وللشعر – دائما - صوره المؤثرة التي تنفذ إلى أعماق الفكر وخلايا العقل، والتي تقف جنباً إلى جنبٍ مع التعاليم الدينية والمبادىء الإنسانية والعرف المجتمعي، مع العلم بأن احترام رأي الآخر غير الهدّام ليس تطرفاً فكرياً. وفى ذلك يقول صلاح جاهين محترماً الرأي والرأي الآخر:
لولا اختلاف الرأي يا محــترم.
لولا الزلطتين ما لوقود انضرم
ولولا فرعين ليف سوا مخاليف
كان بيننا حبل الود كيف اتبرم؟ 
عجبي
ويقول الشاعر د. أحمد زكي أبوشادي:
كن أنت نفسي واقترن بعواطفي ** تجد المعيب لدىّ غير معيبِ
فاختلاف الرأى لايفسد للود قضية، مادام غير متطرفٍ بفعل يقوض ما بناه الآخر أو هادمًا لصرحِ المجتمعِ الشامخ.
والشعر كان - وسيظل - أحد وسائل القوى الناعمة المناهضة للتطرف الفكري والمكافحة للسلبيات الإنسانية من أجل الرقي بالمجتمع والنهوض به بغية حياةٍ أشرق وأمتع يظللها الأمن والأمان.