الإسلاميون يسعون لطمس صور زعماء أوطانهم المؤسسين
تونس - مع عودة الخلاف بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأقطاب المعارضة حول تحويل مطار أتاتورك بإسطنبول إلى حديقة عامة، عاد التساؤل هل حقا يحاول أردوغان طمس ذكرى مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الدولة التركية الحديثة؟ وهل يحمل أردوغان عقدة من أتاتورك الذي يحظى بقداسة واسعة لدى الأتراك؟ ليتوسع التساؤل ويشمل الإسلاميين عموما، هل يحملون حقا حقدا ضد بُناة دولهم وزعمائهم الوطنيين؟
هي اتهامات كثيرا ما تُوجه للإسلاميين خاصة في العشرية الأخيرة منذ بداية حقبة ما يسمى بالربيع العربي.
ففي تركيا، تبرر المعارضة اتهامها لأردوغان بالسعي لطمس صورة أتاتورك بتسمية المطار الجديد باسم مطار إسطنبول. وفي نفس الوقت لا تحمل الحديقة التي ستحل محل مطار أتاتورك اسمه. وترى المعارضة في ذلك نية مبيتة من أردوغان لمسح اسم كمال أتاتورك الذي ألغى الخلافة سنة 1924 ولا يزال يعتبره الأتراك "أب الأمة التركية"، وهو المعنى الذي تعنيه عبارة "أتاتورك". لذلك انتقد بعض المعارضين طريقة حديث أردوغان عن أتاتورك بتسميته مصطفى كمال فقط مع تجريده من لقب أتاتورك.
وفي تونس، يمكن ملاحظة الكراهية لدى قياديين في حركة النهضة الإسلامية ذات المرجعية الإخوانية للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة الذي يحظى بمكانة خاصة لدى التونسيين.
قراءة ماكرة للتاريخ عبر تقديم الإسلام السياسي بديلا عن التيارات الكافرة
ففي البداية رفض رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي على الملأ في برنامج تلفزيوني الترحم على الزعيم بورقيبة، ثم قام إسلاميو تونس بمراجعات تكتيكية وأصبحوا يذكرونه على مضض تحت مسمى "الرئيس الأسبق" بعد أن كانوا يرفضون حتى مجرد التلميح إليه.
وفي تصريح لـ"ميدل إيست أونلاين" يفسر الباحث في التاريخ المعاصر والخبير في الجماعات الإسلامية عبد اللطيف الحناشي هذا "الحقد" بالاعتماد على المرجعيات والرؤية للدولة الوطنية. فلا أتاتورك في تركيا ولا بورقيبة في تونس ولا عبد الناصر في مصر يحظون بالقداسة لدى الإسلاميين الذين يقدّسون مرجعيات خاصة بهم غالبا ما تكون دينية عقائدية وليست وطنية.
ويضيف الحناشي أن "ما فعله أتاتورك بتركيا لن يقدر أي كان على محوه أو طمسه، خاصة بعد تغيير وجهها الإسلامي واستبداله بآخر علماني".
ولطمس معالم صورة بورقيبة حاول إسلاميو تونس إظهار شخصية مؤسس الحزب الحر الدستوري عبد العزيز الثعالبي الذي انشق عنه بورقيبة عندما أسس الحزب الدستوري الجديد سنة 1934.
وقدّمه الإسلاميون على أنه "أبوهم الروحي" لطمس فكرة ارتباطهم بشخصيات غير وطنية كابي الأعلى المودودي أو حسن البنا، وهو ما لم يستسغه أغلب التونسيين.
وأخفق الإسلاميون في تونس في تلميع صورة الثعالبي كمنافس لبورقيبة الذي خاض نضالات ضد الاستعمار الفرنسي لبناء الدولة البورقيبية، كما خاض أتاتورك معارك سالونيك وإزمير وغيرها ضد الغرب لتوحيد الأتراك وتأسيس الدولة الكمالية الجديدة.
وفي هذا الصدد يقول المحلل السياسي سفيان بن فرحات، القريب من اليساريين، لـ"ميدل إيست أونلاين" إن المرجعية الوطنية المدنية الحداثية التي اعتمدها أتاتورك في تركيا وبورقيبة في تونس هي التي تزعج الإسلاميين وخاصة الإخوان المسلمين بما أن الحديث هنا عن أردوغان والغنوشي اللذين اختارا العودة إلى الدولة الدينية، بينما كان بورقيبة مثلا يؤسس لفكرة الأمة التونسية.
"مفهوم الوطن ليس هو نفسه عند الطرفين"، كما يقول بن فرحات الذي أضاف أن "رؤية زعماء من أمثال أتاتورك وبورقيبة بلغت الكونية في وقت يرغب فيه أردوغان في لعب دور الخليفة العثماني".
إمام إسلامي في جاكرتا أقرب روحيا إلى إسلامي في تونس من أي مواطن سواء أكان زعيما أم لا
وينحى بن فرحات باللائمة على الإسلاميين لمحاولتهم تقديم "قراءة ماكرة" للتاريخ بسبب فشل الاشتراكية والشيوعية ليحاولوا الركوب على الحدث ويقدموا الإسلام السياسي بديلا عن "المقاربات السياسية الكافرة". وهي رؤية في نظره تنطوي على جانب من النقمة على الماضي وعلى الحاضر في آن واحد.
أما المحلل السياسي القريب من الإسلاميين في تونس صالح عطية، فيقول عن مقاربة حقد الإسلاميين على زعمائهم إنه تجاوزها الزمن بعد المراجعات التي قاموا بها اثر اندلاع الثورات العربية ووصول الإسلاميين إلى الحكم في عدد من الدول. لكنه لم ينف أن يكون الإسلاميون قد أسسوا سلوكهم هذا على قناعتهم بأن هؤلاء ليسوا زعماء وطنيين بل يعتبرونهم "عملاء للاستعمار باعوا أوطانهم للخارج".
ويضيف عطية أن المسألة أعمق من أن تُختزل في إسلاميين يحقدون على زعماء أوطانهم، بل هي مرتبطة بطبيعة التاريخ السياسي للدولة وبالسياق التاريخي وبتموقع الإسلاميين في ذلك السياق إن كانوا في الحكم أو في المعارضة. وعلى أساس هذا التموقع تختلف المواقف.
كما شدد عطية على أن مقاربة حقد الإسلاميين على بُناة أوطانهم تختلف من دولة إلى أخرى. ويضيف أنه في مصر مثلا "يعتبر الإسلاميون الزعيم جمال عبد الناصر عدوا لهم ويحمّلونه مسؤولية العمل على إبادتهم". بينما "لا ينظر الإسلاميون في ليبيا إلى الراحل معمر القذافي على أنه زعيم دولة لأنه في اعتقادهم لم تكن هناك دولة من أساسه في حقبة القذافي".
وعلى أسس كهذه تتعاظم أحقاد الإسلاميين ضد رموز الدولة الأولين الذين يتمتعون بشعبية واسعة تفوق شعبية المرجعيات السلفية والإخوانية والإسلامية عموما.
ولخص بن فرحات الوضع قائلا "إن إماما إسلاميا في جاكرتا مثلا، هو أقرب روحيا ووجدانيا إلى إسلامي في تونس من أي مواطن من بني وطنه سواء أكان زعيما أم لا".