الاتحاد الأوروبي والنازحون السوريون

وصل عدد السوريين في لبنان نصف عدد اللبنانيين في سابقة هجرة ونزوح خطيرة. أوروبا مصرة على التملص من الأمر.

في سابقة خطيرة وقف خلفها بعض النواب الفرنسيين في البرلمان الأوروبي الذي صوّت بغالبية ساحقة الى جانب إبقاء النازحين السوريين في لبنان، وهي قضية تركت موقفا جامعا في لبنان قل نظيره، لجهة رفضه وادانته والعمل على الغائه ومواجهة احتمال تنفيذه.

وفي واقع الامر، شكل النزوح السوري مؤخرا في لبنان قضية ذات بُعد وطني لم تجتمع مختلف الفئات اللبنانية على موقف موحد كالذي اتخذته هذه القضية، لما لها من مخاطر اعتبرها كثيرون ذات طابع وجودي، يهدد الكيان اللبناني وتلامس مسألة حساسة متصلة بالتوزيع الديموغرافي السكاني في لبنان، وهي قضية ليست مستجدة، بل اعتبرها البعض احد أسباب الحرب الأهلية في لبنان العام 1975 وما تم ربطه آنذاك بالوجود الفلسطيني وأثره على التركيبة السكانية الدقيقة.

ويأتي النزوح السوري اليوم ليضيف عقدا إضافية على ازمات لبنان المتلاحقة. فثمة من يقول، ان تعداد النزوح وصل الى نصف تعداد سكان لبنان، في وقت لا وجود لإحصاء رسمي، ولا طريقة او وسيلة لضبط النازحين خروجا ودخولا الى الأراضي اللبنانية، وفي وقت ترفض أيضا مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة المعنية بالموضوع، إعطاء جداول رسمية للسلطات اللبنانية الا عبر منحهم اقامات دائمة، وهو ما يعتبر توطينا مبطنا، يمكن ان يشرع لاحقا، لاسيما وان ضغوطا كبيرة تُمارس على لبنان في هذا الاتجاه تحت عناوين مختلفة، ابرزها تقديم بعض المساعدات المادية للبنان وسط ظروف مالية واقتصادية لبنانية مزرية.

لقد تركت هذه القضية مؤخرا تداعيات سلبية كبيرة في المجتمعين اللبناني والسوري في لبنان، الذي يشهد تنافسا شديدا على فرص العيش بين اللبنانيين والسوريين، وصلت الى حد اتهام اللبنانيين بالعنصرية في وقت يعاني منه الطرفان من اشذ أنواع شظف الحياة الكريمة، وأتى هذا القرار الأوروبي ليشعل سلسلة مواقف لبنانية شديدة الرفض، الى حد دعوة البعض الى تصويت البرلمان اللبناني على قرار يسمح بالهجرة للسوريين وغيرهم عبر البحر باتجاه أوروبا، وهو امر حاولت أوروبا بقوة منعه والسيطرة عليه خلال العقد المنصرم منذ اندلاع الازمة السورية.

في أي حال من الأحوال، لا يعتبر لبنان نفسه بلدا للجوء او النزوح، وقد وثّق ذلك قانونا عبر اتفاقية دولية مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العام 2003 التي نصت بوضوح على ان لبنان لا يعتبر بلدا مشرعا للجوء او النزوح، ويحق له بموجب هذه الاتفاقية الدولية المودعة لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة، ان يُرحّل أي نازح وافق على ايوائه خلال عام ان لم تتمكن المفوضية من إعادة توطينه في بلد ثالث، وهو ما طبقه لبنان مع النازحين العراقيين وغيرهم آنذاك، لكنه لم يطبقها على النازحين السوريين مؤخرا.

ان تصنيف وتوصيف قرار البرلمان الأوروبي يعتبر قرارا غير شرعي وفقا لمبادئ القانون الدولي وبخاصة قضايا الهجرة واللجوء والنزوح، باعتبار ان لبنان ليس بلدا أوروبيا ولا سلطة للاتحاد الأوروبي ولا للبرلمان عليه خارج اطار الاتفاقات الثنائية المبرمة رضائيا ووفقا للأصول، وهو بذلك أي البرلمان الأوروبي يتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية ويعتبر عملا يمس السيادة اللبنانية، ويضر بأمنه القومي وكيانه ويهدد وحدته وسلامة شعبه.

لقد ظهرت مؤخرا مؤشرات قوية وواضحة على نهج يتم التعاطي به مع لبنان في قضايا النازحين، ما يعزز شكوكا ومخاوف كثيرة مبررة لدى اللبنانيين عن حقيقة دور لبنان ومصيره مستقبلا، وثمة من يعتبر ان هذه المؤشرات لها دور فيما يرسم من جغرافيا سياسية قادمة في المنطقة، بخاصة ان عمليات ترانسفير شهدتها المنطقة في مراحل مختلفة سابقا ويبدو ان العمل جار لإعادة التوزيع والتركيب السكاني في المنطقة. ويبدو ان لبنان الحلقة الأضعف بين دول المنطقة التي استضافت اعدادا وازنة من النازحين السوريين وغيرهم مؤخرا.