البعد الدولي في الأزمة الفنزويلية

تحولت الأزمة الفنزويلية من قضية احتجاج داخلية إلى قضية ببعد عالمي.

يعتبر تداخل العوامل الداخلية لأزمات الدول مع العوامل الخارجية أمرا شائعا في مختلف النظم الدولية البائدة، إلا أن ما يميز النظام الدولي القائم، سرعة تشابك وتداخل العاملين الداخلي والخارجي، وبالتالي ظهور تداعيات أكثر خطورة على أي نظام يتعرّض له. ومع مرور الوقت تبدو الأزمة الداخلية الفنزويلية تمضي بخطوات متسارعة نحو وضعها ضمن الأزمات الدولية، إن لجهة الأطراف المتدخلة أو المشاريع والوسائل المطروحة لحلها، وبالتالي أيضا ظهور أزمات إقليمية فرعية متصلة لا تقل خطورة عن الأزمة نفسها.

في المسار الأول للعوامل الخارجية، وإن تمكن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو من الاحتماء بوجه الضغوط خلف التظاهرات المؤيدة له إضافة إلى القوات المسلحة، تراهن الولايات المتحدة على سياق لإدارة الأزمة تمهيدا للتدخل، عبر استثمار العقوبات الاقتصادية لتوسيع الخلاف العامودي في المجتمع الفنزويلي أولا، ومحاولة البناء على مشروع سيقدم عليه زعيم المعارضة خوان غوايدو ثانيا، عبر تعيين مجلس إدارة آخر لشركة سيتغو الأميركية، التي تعتبر جزءا من شركة النفط الوطنية الفنزويلية، التي بدورها فرضت واشنطن العقوبات عليها، وبذلك يكون قد وضع اليد على استثمار النفط الفنزويلي في إدارة الأزمة الداخلية وتمويها كما حدث ويحدث في معظم الأزمات ذات الطابع الدولي القائمة حاليا.

ويبدو أن المسار الثاني الذي تعوّل عليه الولايات المتحدة بعد تعثر ضغوط الاتحاد الأوروبي في إنتاج مفاعيل سريعة، اللجوء إلى بيئة إقليمية مشتركة قوامها الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول اللاتينية، وهو مسار أنتج اجتماع مونتيفيدو عاصمة الارغواي، الذي دعا إلى انتخابات رئاسية حرة، رغم التباين الواضح في بعض مواقف الدول كالمكسيك وبوليفيتا اللتين لم توقعا على بيان الاجتماع، الأمر الذي يعكس وبوضح مدى تفاعل كل دولة مع المتطلبات المطروحة ومستوى تطابق الأمر مع علاقتها بواشنطن أو بغيرها من الأطراف الدولية الأخرى. وعلى الرغم من تخفيف لهجة البيان بهدف استقطاب المزيد من المواقف المؤيدة لهذا المسار.

إن عدم دعوة روسيا إلى هذا الاجتماع، اثأر غضب موسكو التي اعتبرته استبعادا وتجاهلا كليا لها ولو من باب الدعوة كدولة مراقب كما أوضحت، الأمر الذي يزيد ويؤكد بعدا دوليا آخر للأزمة يتمثل بشكل واضح في الرغبة الروسية للدخول بشكل أو بآخر في الأزمة ومحاولة التأثير في إدارتها، وهو أمر شائع في مظاهر التنافس والصدام الروسي الأميركي في غير أزمة ناشئة حاليا.

أما المسار الثالث ذات الطابع الدولي في الأزمة الفنزويلية، فيبدو في سياسة المساعدات التي تقدمها بعض الدول مثال كندا والولايات المتحدة وغيرهما، علاوة على الاستعدادات العسكرية التي أرسلتها واشنطن إلى كولومبيا، معطوفة على التصريحات المباشرة لقائد القوات الأميركية في منطقة الكاريبي، التي أكد فيها نية الولايات المتحدة الجدية لحماية مصالحها الحيوية في فنزويلا بالقوة العسكرية، الأمر الذي واجهته موسكو بعدة تصريحات رسمية رفضها لذلك، والإيحاء بشكل أو بآخر باستعمال اذرع سياسية وعسكرية إذا اقتضى الأمر لمواجهة ذلك.

من الواضح أن الأزمة الفنزويلية قد خرجت عن نطاق السيطرة الداخلية كأزمة حكم أو نظام بين معارضين وموالين، وباتت فواعل الأزمة ووسائل إدارتها ليست في كراكس، بل في العديد من العواصم الإقليمية والدولية التي لا تألو جهدا لخلق ظروف وبيئات للتدخل، ذلك في ظل عجز داخلي واضح لإعادة ترتيب الوضع الداخلي والانطلاق بمشروع حل للأزمة القائمة. وما يعزز تلك التدخلات والمسارات القائمة حاليا، العديد من الأسباب،من بينها الواقع الجيو سياسي الفنزويلي في القارة اللاتينية والواقع أيضا في المجال الحيوي المباشر لما تعتبره واشنطن خطا أحمر ينبغي محاولة عدم تأثيره في السياسات الأميركية العامة، سيما وان فنزويلا تعتبر تاريخيا من الدول المشاغبة في مواجهة واشنطن مثلها مثل كوبا إبان الحرب الباردة، علاوة على البعد الجيو اقتصادي الذي تتمتع به كدولة وازنة في إنتاج النفط العالمي. وفي خلاصة الأمر، يبدو أن فنزويلا قادمة على مجموعة من الأزمات ذات الطابع الدولي والتي لن يكون بمنأى عنها مجمل الفواعل الإقليمية اللاتينية.