الجائحة في كتاب جديد

الكاتب حمدي رزق يؤكد أنه بين الخرافة والأسطورة سقطت "كورونا" من حالق على أرض زلقة مبللة بالجهل، وغارقة في الغيبيات، والبحث عن تفسيرات ماضوية.
أمام غياب علاج شاف من فيروس كورونا يعود الكثيرون إلى صيدلية الجدات بما تحويه من تجارب وأعشاب وخلطات “قادرة على مواجهة أي مرض
بلاء الخرافات، وأساطير الفيروسات، وحقائق الأخبار، في وصف طاعون العصر

صدر حديثاً كتاب الجائحة للكاتب الكبير حمدي رزق عن مؤسسة أخبار اليوم بالقاهرة ضمن سلسلة كتاب اليوم عدد يوليو/تموز. يؤكد الكاتب حمدي رزق أنه بين الخرافة والأسطورة سقطت "كورونا" من حالق على أرض زلقة مبللة بالجهل، وغارقة في الغيبيات، والبحث عن تفسيرات ماضوية، تستبيح الدين على قدسيته في إشاعة حكايات موهومة ومتوهمة ترطب القلق النفسي الذي يعتور العامة المحجورين في قعور البيوت من أثر الجائحة.
ويوضح المؤلف في هذا السياق من التغييب الشعبوي الذي تنشره منصات إلكترونية سلفية وإخوانية تعمد إلى إرهاب العاديين وإشاعة الخوف والفزع عبر زرع كم من الخرافات في الأدمغة المنفتحة على مواقع التواصل بشغف رهيب يحركه خوف غريزي يعطل العقل عن إدراك كنه الخرافة التي هو بصددها، بل يصدقها على علاتها ويستعيذ منها، ويطلب من الأصدقاء التعوذ منها فيشيرها فى دائرته ومحيطه، وهكذا تلف الخرافة الكرة الأرضية عبر منصات التواصل الاجتماعى ويلتقطها الذباب الإلكترونى الذى يعف على الجيف المعلوماتية، وينقلها عالقة بأرجله إلى آفاق بعيدة، فتصير الخرافة أقرب إلى الحقيقة قابلة للتصديق دون إعمال العقل، العقل الجمعى يقبل الغيبيات عادة ويبتعد بمسافة تجنبه مشقة التفكير.
يشير الكاتب إلى أن حالة من الذعر سيطرت على المصريين وغيرهم ممن تداولوا صورة النبوءات الغيبية عن فيروس، والتي انطلق نشرها من جروبات تطبيق الواتساب، وحلل رواد المواقع هذه الكلمات مع ربطها بالأحداث المتتالية التي يمر بها العالم منذ بداية العام 2020 ، خاصة مع تفشي فيروس كورونا كوباء عالمي، وانتشار الجراد في بعض البلاد الأفريقية، وقرار وقف العمرة وإخلاء الحرم المكى للتعقيم. وقيل تنبأ "سالوقية"، منذ قديم الزمان بنهاية العالم في شهر مارس/آذار بوباء كورونا، ونهاية ترامب (ومات ملك الروم/ من مرضه الزؤوم) فى ظل أخبار الاشتباه فى إصابة الرئيس الأميركى بكورونا واحتمالية حجره صحيًا.

الأميركيون سيعون درس الجائحة في قادم الأيام، وسيتحسبون لها في الشتاء المقبل بجهوزية أعلى طبيا وعلميا، واحترازات واحتياطيات ربما تفوق ما خزنته أميركا من رؤوس نووية، إلا إذا تطرف اليمين الأميركي واشتط في تعويض خسائره، ستكون جائحة اقتصادية جديدة من صنع البشر

ولكن يبدو أن هذه النبوءة ليست إلا خرافة ابتدعها الباحثون عن إثارة الذعر ونشر الشائعات، فخلال البحث عن رجل في التاريخ يدعى إبراهيم بن سالوقية، اتضح أنه لا يوجد شخص يحمل هذا الاسم في التاريخ وله كتب أو مؤلفات واضحة حتى الآن.
يقول صاحب الكتاب أمام غياب علاج شاف من فيروس كورونا يعود الكثيرون إلى صيدلية الجدات بما تحويه من تجارب وأعشاب وخلطات “قادرة على مواجهة أي مرض” حسب اعتقادات شائعة فى المجتمع الموريتاني. لقد أعاد الفيروس الكثيرين للأدعية المأثورة فأخذ الناس يتداولونها عبر وسائل التواصل الاجتماعى وينشرونها “تقربا إلى الله” كما كتبوا في “تويتر” و”واتساب”. لا يشكل فيروس كوفيد 19 أي خطر لدى من يعتقدون في المحتوى الموروث لصيدلية الجدة: ففى هذا المستودع الدوائي تجارب عجيبة: هنا مرق مصنوع من الدجاج مع قليل من الفلفل، تُقرأ عليه “آيات الشفاء فيملأ الخياشيم بمادة تقتل أخطر فيروس ولو كان كوفيد 19، بقرونه اللاصقة وتكاثره المريع”.
بشير الكاتب أنه تستحق وصف "السنة الكبيسة" حصريًا، لم تكمل شهرها الأول، إلا بوباء يحصد الأرواح موتًا، وإعصار يخطف القلوب خوفًا، وما خفى كان أعظم، والدعاء مستوجب، «اللهمَّ يا خفىَّ الألطاف نَجِّنا مما نخاف»، والقنوط مذموم، وجهل برحمة الله، واستعجال النتائج وقلّة الصبر، ونكوص وعدم تحمّل الشدائد لضعف النفس، «لا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ» (فصلت / 49).‬
‫آخر سنة كبيسة شهدتها البشرية كانت فى العام 2016، كانت كبيسة ولكنها اعتيادية كمثيلاتها، مرت سريعًا لم تترك بصماتها القاسية على الوجوه، ‬وترتبط السنة الكبيسة بعديد من الخرافات حول العالم، والخرافة لغة هى الحديث المستَمْلَحُ المكذوبُ، وتعد الخرافة الأسوأ هى أن السنة الكبيسة تشهد حالات وفيات متعددة، ويطلق عليها «طاعون الموت»، إذ يفقد الكثير من الأحباء ذويهم وأقاربهم خلالها، وهذا قريب من 2020 لربما فيروس كورونا هو «طاعون الموت» المشار إليه فى الخرافة التى تحدث بها أقوام فى أزمان بعيدة. ‬‬
يؤكد الكتاب أن الناس في مواجهة الوباء تتحرك بروح القطيع، لو قيل لهم إن ماء البحر المالح يحمى من الكورونا لشربوا من البحر، ولو قيل لهم الشفاء من ماء بطن الزير لكسروا الزير، أجهزوا على كل أدوية المالاريا والروماتويد والحمى والإنفلونزا، كل دواء يشير به أحدهم مجرد الإشارة يتم الزحف عليه خشية الكورونا.
‫12 أكتوبر/تشرين الأول 1992 حجز سطرا فى ذاكرة المصريين، زلازل أكتوبر الشهير الذى هز مصر هزا ، و26 يناير 2020 حفر لذكراه مكانا متقدما، يوم إعلان وزارة الصحة المصرية عن أول حالة فيروسية فى البلاد بمطار القاهرة الدولى تتعلق بمواطن صيني. ‬‬‬
‫وأخطرت السلطات المصرية منظمة الصحة العالمية، وتم وضع المريض في الحجر الصحي في المستشفى، واتُخذت في وقت لاحق تدابير وقائية لرصد الأشخاص الذين اتصلوا بالشخص. ‬‬

تفقد البشرية في هذه الأيام الحزينة جواهر تاجها، وخلاصة خبرتها، تفقد خبرة السنين، من وهن العظم منهم واشتغل الرأس شيبا، البشرية تودع في موكب حزين عجائزها افترسهم الفيروس ونحن عنهم غافلون، لم يرحم عجزهم، لم يكن هناك متسع لوداع يليق، عوضا دفنوا جميعا في مقابر جماعية ستظل شاهدة على أرواح طيبة تحت الثرى تنبت أشجارا عالية، ترسم مستقبلا جديدا للبشرية، والصبر لنا، سلامًا على الراقدين في القبور، والسلام على قلوبنا التي تفطرت بهم، معلوم "الموت لا يستأذن أحدًا، وسنكون ذكرى فقط، فاختر ذكراك".
ما بعد رحيل الأحبة، سيكون العالم أكثر شبابا، ستولد القارة العجوز من جديد، وتقول للمهاجرين هل من مزيد، ستفتح عواصم أوروبا أبوابها التي غلقت دون حملة الأحلام والمواهب الواعدة، في ريعان الشباب سترسم القارة العجوز صورتها على اليورو، ستشبب الجائحة المجتمعات العجوز، سيولد جيل أكثر مناعة، القارة العجوز ستمر بمخاض صعيب، مخاض العجوز فيه من الآلام الكثر، مولود باهر تنتظره أوروبا، أوروبا الجديدة ستفتح ذراعيها للحالمين.
ستستيقظ عواصم الشرق من نوم الأسطورة وتفيق من خمر الخرافة، وتتعافى من أفيون الشعوب، ستخلع رداء البهاليل وترتدي بلاطي الأطباء (جمع بالطو)، ستودع النصب وتتجه صوب العلم، ستقلب الآية الكاذبة، سترتقي الفنون والآداب، ستحكم العقول، سيقف العلماء فوق السحاب، ستغسل الشعوب أدرانها العقلية كما غسلت ثيابها في الماء ممزوجا بالكلور، ستنقى عقولها من أثر حشيش الخرافة، ستتنشق شهيقا بأكسجين المعرفة، ستلقى بالجهل خلف ظهرها، وستخف إلى العلوم جميعا، ستودع الركون إلى استفاقة، فجرها أكثر إشراقا، فجر العلم والمعرفة.
والأمم العظيمة ستتألق في أشعة شمس يوم جديد يقال إنه الأول من سبتمبر/أيلول، طالع هذا التاريخ، ستتذكر الفاتح من سبتمبر/أيلول، تخيل الراحل العقيد القذافي في عين الجائحة، لربما ذهب إلى نظرية المؤامرة من فوره، يتنابزون الآن بين بكين وواشنطن بالنظرية نفسها، أميركا ستخرج من الأزمة أكثر تواضعا بعد أن ضربت الكورونا الغطرسة الأميركية بأقصى من ضربة الإرهاب لبرجي التجارة، وفي الحالتين تكبدت عاصمة العالم الاقتصادية "نيويورك" الصدمة التي زلزلت قواعد الاقتصاد الأميركي، وخلخلت أسس الديمقراطية الأميركية، درس قاس، وسيعلم في الجسد الأميركي، وسترك ندوبا لا تزول بمرور الزمان، الأميركيون سيعون درس الجائحة في قادم الأيام، وسيتحسبون لها في الشتاء المقبل بجهوزية أعلى طبيا وعلميا، واحترازات واحتياطيات ربما تفوق ما خزنته أميركا من رؤوس نووية، إلا إذا تطرف اليمين الأميركي واشتط في تعويض خسائره، ستكون جائحة اقتصادية جديدة من صنع البشر، وستقف الصين فوق سورها العظيم ملبية حاجات العواصم الإفريقية الطامحة، وسترتقي اليابان إلى قمة التكنولوجيا الكوكبية، وسيخلد بوتين اسمه كالقياصرة.