الجزائريون يرفضون بشدة انتخابات تستنسخ نظاما "فاسدا"

المؤشرات في الجزائر ترجح عزوفا واسعا عن عمليات التصويت، ما قد يعكس إخفاقا تاما للعملية الانتخابية.

الجزائر - احتشد آلاف الجزائيين الثلاثاء في الشوارع رفضا للانتخابات الرئاسية المقررة الخميس المقبل، مرددين "لن يكون تصويت ولن نتوقف عن الاحتجاجات"، مطالبين برحيل بقايا نظام عبدالعزيز بوتفليقة.

وينظر الجزائريون للاقتراع على أنه وسيلة لاستنساخ نظام الرئيس المستقيل وتجديده.

ويتوقع مراقبون امتناعًا واسعًا عن التصويت في بلد عُرف بتدني نسبة المشاركة في ظل نظام سياسي لم يتغير منذ عقود، فيما تتمسك المؤسسة العسكرية بإجراء انتخابات تراها حتمية.

وبينما لا تظهر الحركة الاحتجاجية الشعبية أي علامات على التراجع، يُنتظر أن يكون الاقتراع "إخفاقًا تامًا" فيما يتعلق بنسبة المشاركة، وفقًا للمؤرخة كريمة ديرش، المتخصصة في المنطقة المغاربية المعاصرة.

وبدت مراكز الاقتراع خارج البلاد المفتوحة منذ يوم السبت، شبه خالية فيما كان القليل من الناخبين هدفا لهتافات مهينة من معارضي الانتخابات.

وقالت ديريش مديرة الأبحاث في المركز الوطني للبحوث العلمية بباريس "لقد تجنّد المغتربون ضد الانتخابات، رغم أنهم تقليديا محافظون وقريبون من السلطة".

وأظهر طلاب جزائريون مغتربون في فرنسا رفضهم للانتخابات، مؤكدين أنهم لن يصوتوا لنظام اعتبروه "فاسد"، في إشارة للمرشحين الخمسة  الذين شغلوا مناصب سياسية في عهد بوتفليقة.

وقرر هشام وكنزة عدم التصويت في الانتخابات الرئاسية الجزائرية بعدما فاض بهما الكيل من "الفساد" في الجزائر، التي غادراها إلى جنوب فرنسا بينما يأملان بتغيير جذري في الحكم ليتمكنا من تحقيق إنجازات في وطنهما الأم.

وقال هشام البالغ من العمر 26 عاماً منفعلاً خلال تنديده بالمرشحين الخمسة للانتخابات المرتقبة الذين كانوا جميعا داعمين بدرجات متفاوتة للرئيس المستقيل، "هذه الانتخابات ستؤدي إلى إعادة النظام نفسه، هذا النظام الأشبه بأفعى رأسها متعفن".

وأمام بوابات مركز مرسيليا للمعارض حيث تمركزت منذ السبت صناديق اقتراع للجالية الجزائرية في المنطقة، يوزع هشام مع بعض المتظاهرين منشورات كتب عليها "لا لانتخابات العار"

ويعيش في مرسيليا الواقعة على الضفة المقابلة للجزائر من البحر المتوسط، 27 ألف جزائري، ويشكل الجزائريون أحد أكبر الجاليات الأجنبية في فرنسا، وفق إحصاء جديد للمعهد الوطني للإحصاءات. ونحو 1300 طالب جزائري مسجلون في جامعة مرسيليا الحكومية.

لكن في هذا اليوم كان الكبار في السن يشكلون الغالبية في مراكز الاقتراع.

ويوضح هشام أنه في الجزائر "من غير الممكن التطور في الأجواء الحالية، الفساد كان مستشرياً بشدة ولذلك فضلت السفر".

ويؤكد أن "المثقفين الأشخاص الذين يتعلمون لا يحظون بأي اعتراف وتوضع العوائق أمامهم"، مضيفاً أنه في الجزائر "عليك الانتظار لتحصل على عشر سنوات من الخبرة لتتمكن من دفع إيجار، لأن كل شيء للأسف يعتمد على العلاقات في مكان العمل".

لكن هذا الشاب يريد العودة رغم كل شيء إلى بلده الأم بعد أن يتمكن من اكتساب بعض السنوات من الخبرة المهنية في فرنسا.

لم يصوت هشام إلا مرة واحدة في عام 2012، لكن دون جدوى كما قال. ويشرح أنه اكتسب وعياً خصوصاً بفضل فيسبوك بضرورة "النضال ضد هذا النظام الذي لا مكان للشباب فيه".

أما كنزة وهو اسم مستهار لفتاتة جزائرية سافرت للدراسة في فرنسا، فتقول "يجب أن يتغير هذا النظام الفاسد، ويجب أن يفسح المجال للأجدر".

وتردف الشابة "من المعقد لاحقاً العمل مع مسؤولين لم يكملوا دراساتهم واختيروا لأسباب عشوائية".

وترفض كنزة التي لم تنتخب سابقاً المشاركة في هذه "المسرحية" الديمقراطية التي تستبعد الشباب، على الرغم من أن من هم دون الثلاثين عاماً يمثلون نصف عدد سكان الجزائر.

وتأمل هي أيضاً العودة إلى بلدها بعد اكتساب خبرة في فرنسا، لتساهم في تطوير البلد الذي لا زالت عائلتها تقيم فيه، مؤكدةً في الوقت نفسه "لا يمكن إرغامي على التصويت والقبول بممارسات أرفضها".

المحتجون: لن نتوقف عن الاحتجاجات ولن يكون هناك تصويت
المحتجون: لن نتوقف عن الاحتجاجات ولن يكون هناك تصويت

ومنذ 22 شباط/فبراير تشهد الجزائر حراكاً شعبياً غير مسبوق أرغم في أبريل/نيسان بوتفليقة على الاستقالة بعد 20 عامًا في الحكم، وحالياً يطالب المحتجون بتفكيك "النظام" السياسي الحاكم منذ الاستقلال عام 1962.

ومنذ استقالة بوتفليقة باتت قيادة الجيش تدير البلاد عملياً، فيما اعتاد الجيش العمود الفقري للنظام تاريخيا على العمل من وراء الكواليس.

وتصرّ قيادة الجيش على ضرورة الإسراع في انتخاب رئيس جديد للخروج من الأزمة السياسية والمؤسساتية التي تعصف بالبلاد. مقابل رفض تام لأي حديث عن مسار "انتقالي" مثلما اقترحت المعارضة والمجتمع المدني لإصلاح النظام وتغيير الدستور الذي أضفى الشرعية على إطالة امد حكم عبد العزيز بوتفليقة.

وفي غياب المرشحين، تم إلغاء الانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر إجراؤها في الرابع من تموز/يوليو، ليبقى على رأس الجزائر منذ ذلك الحين رئيس مؤقت قليل الظهور هو عبد القادر بن صالح انتهت ولايته القانونية منذ خمسة أشهر، وحكومة تصريف أعمال عينها بوتفليقة قبل يومين من استقالته، برئاسة نور الدين بدوي أحد الموالين له.

وكان عدد الجزائريين الرافضين للانتخابات، على غير العادة كبيرا، في يوم الجمعة الماضي بمناسبة التظاهرة الأسبوعية الأخيرة قبل يوم الاقتراع. وهم بذلك نفوا وجود “هبّة شعبية” مؤيدة للانتخابات وفقا لتأكيدات رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، وهو أيضًا كان داعما وفيا للرئيس بوتفليقة.

ونفذ المرشحون الخمسة (عبد العزيز بلعيد وعلي بن فليس وعبد القادر بن قرينة وعز الدين ميهوبي وعبد المجيد تبون) حملة انتخابية – انتهت منتصف ليل الأحد- متوترة وشديدة التعقيد، في ظل مناخ من القمع المتصاعد.

ويُعتبر المرشحون جميعهم أبناء "النظام" لدورهم خلال رئاسة بوتفليقة، فبينهما رئيسا وزراء ووزيران في حكوماته.

ووجد المرشحون صعوبة في ملء القاعات حتى الصغيرة منها خلال تجمعاتهم التي منع كل معارض عنها وجرت تحت حماية بارزة من الشرطة. ومع ذلك واجهتهم مظاهرات معادية أثناء تنقلاتهم.

وبعد 20 عامًا اعتادوا فيها على انتخابات يشوبها التزوير، لم تُقنع تأكيدات السلطة- التي لا تزال في أيدي مقربين من الرئيس السابق- بشأن "شفافية" و"مصداقية" التصويت، على الرغم من تعديل بسيط لقانون الانتخابات الذي ينقل صلاحيات تنظيم الانتخابات من وزارة الداخلية إلى “سلطة مستقلة”.

وبرأي كريمة ديريش، فإن الرئيس الذي سيتم انتخابه “قد فقد مصداقيته مسبقا ولن يعترف به الشعب وسيواجه مشكلة حقيقية تتعلق بالشرعية الانتخابية”. ورأت أن الحراك حرب استنزاف سوف تستمر بعد الانتخابات.

وأضافت المؤرخة أن هذا الرئيس المنتخب “سيكون ملزماً بالحكم مع ما أنتجه الحراك، أي المعارضة والقوى الموازية للسلطة التي ظهرت”.

وختمت "يريد الجيش ضمان استمرارية السلطة، كما كانت موجودة في عهد بوتفليقة، لكن هذا مستحيل الآن".