الحب كأحد أخطر أنواع المخدرات في كتاب سابق لعصره

في كتابهما المنشور قبل 40 عاما، الباحثان الأميركيان ستانتون بيلي وآرتشي برودسكي يناقشان أوجه التشابه الجوهرية بين العلاقات الاعتمادية وإدمان المخدرات عبر أفكار ورؤى فلاسفة ومفكرين وعلماء نفس واجتماع وروائيين وأناس عاديون أدت بهم علاقاتهم العاطفية إلى إدمان المخدرات.

تبدو المجاورة بين الحب والإدمان غريبة، ومع ذلك لا ينبغي أن يكون الأمر كذلك، لأن الإدمان له علاقة بالحب كما هو الحال مع المخدرات، وإدمان مشاهدة التليفزيون والمقامرة والتسوق والمواقع الإباحية وألعاب الفيديو والوسائط الالكترونية بجميع أنواعها والممارسة الجنسية.. وفي كتابهما "الحب والإدمان" الذي نُشر قبل 40 عاما يعرض الباحثان الأميركيان ستانتون بيلي وآرتشي برودسكي القضايا الرئيسية تواجه مجال الإدمان اليوم.

هذا الكتاب الكلاسيكي الرائد، الذي تم اقتباسه في مجلة كوزموبوليتان وأدى إلى ظهور حركة الاعتماد المتبادل، هو الكتاب الأول - ولا يزال الكتاب النهائي - عن الحب الإدماني. لكنه أكثر من ذلك بكثير؛ إنه يشرح لماذا الإدمان ليس كما نعتقد؟. ويركز على علاقات الحب التابعة لاستكشاف ماهية الحب والإدمان نفسيًا واجتماعيًا وثقافيًا. الإدمان هو علاقة متضخمة، تابعة، مدمرة. أما الحب فهو على النقيض من ذلك، فهو حب مشاركة وملهم للنمو. يوضح تحليل المؤلفين أن الإدمان هو تجربة تكتسب معنى وقوة في ضوء احتياجات الشخص ورغباته ومعتقداته وتوقعاته ومخاوفه. من خلال إظهار كيف ينمو الإدمان من التجربة الإنسانية العادية، يقدم بيل وبرودسكي فهمًا متحررًا لجميع أنواع الإدمان - للكحول، أو المخدرات، أو التبغ، أو الطعام، أو القمار، أو التسوق، أو الوسائط الإلكترونية، أو الجنس، أو الحب.

يرى الباحثان الأميركيان في كتابهما الذي ترجمته د.نيفين بشير وصدر عن دار آفاق أخيرا، أن البيئة الأكثر أهمية هي بيئة الإنسان لهذا السبب، عندما ندمن نميل إلى إدمان الأشخاص. وبالمثل فإن أفضل أمل في التخلص من الإدمان هو تعلم طرائق أفضل للتعامل مع الأشخاص. هذا لا ينطبق فقط على العلاقات الرومانسية ولكن أيضا على الروابط العائلية والصداقات. لعلائلاتنا تأثير هائل على قدرتنا الإدمانية أو غير الإدمانية، لأنها تعلمنا إما الثقة بالنفس أو العجز أو الاكتفاء الذاتي أو التبعية. خارج الأسرة يأخذ كثير من بيئتنا الاجتماعية الحديثة شكل المنظمات، مثل المدارس. يمكن لخبرتنا مع مثل هذه المؤسسات أن تغرس بداخلنا شكوكا جدية حول قدرتنا على إدارة حياتنا، ناهيك عن التفاعل بشكل خلاق مع بقية العالم. وفي الواقع قد تمنعنا من تطوير هذه القدرة على أكمل وجه. هنا ينشأ الدافع نحو الهروب والتبعية. لذلك، فإن أحد أفضل الأشياء التي يمكننا القيام بها لحماية أنفسنا من الإدمان هو فهم كيفية تأثير بيئتنا الاجتماعية علينا، وتطوير القوة الداخلية لنصبح شيئا إلى جانب كوننا كائنات مجتمعية.

ويلفت الباحثان إلى أن الإدمان ليس تفاعلا كيميائيا. الإدمان هو تجربة ـ تلك التي تنشأ من استجابة الفرد لشيء له معنى خاص لديه ـ شيء، أي شيء يجده آمنا ومطمئنا لدرجة أنه لا يمكنه الاستغناء عنه. إذا أردنا أن نتقبل الإدمان، فعلينا التوقف عن إلقاء اللوم على المخدرات والبدء في النظر إلى الناس، وإلى أنفسنا، وإلى ما يجعلنا معتمدين. سنجد أننا نتعلم عادات التبعية من نشأتنا في ثقافة تعلم الإحساس بعدم الكفاءة الشخصية، والاعتماد على المشاعر الخارجية، والانشغال بما هو جارح وسلبي بدلا مما هو مبهج وإيجابي. إن الإدمان ليس شذوذا في مجتمعنا. إنه ليس انحرافا عن القاعدة. هذا هو المعيار نفسه. التبعية التي هي إدمان هي صورة طبق الأصل عن مزيد من التبعيات الأساسية التي نتعلمها في المنزل والمدرسة. إن بحث المدمن عن حل خارجي سطحي للحياة (سواء عن طريق المخدرات أو ما يسمى بـ "الحب") ينبع مباشرة من العلاقات السطحية الخارجية التي نقودها بعضنا مع بعض، مع عقولنا وأجسادنا، مع الجسد المادي، مع العلم المادي، وأيضا مع التعلم والعمل واللعب. هؤلاء الشباب الذين ينبذون فجأة التقاليد ويبحثون عن العزاء في المخدرات، أو في جماعة دينية، لا يعبرون إلا عن ميول كانت دائما حاضرة بأشكال مثبولة في حياتهم المنزلية والمدرسية.

ويتابعان إن الإشراف الأبوي المفرط والمعايير المصطنعة للتعلم، والموقف التبجيلي تجاه المؤسسات القائمة، مثل الطب المنظم ـ جنبا إلى جنب مع التأثيرات الثقافية ـ كلها أمور تجعلنا بلا مرسى في تجربتنا اليومية. ما الذي يمكن فعله لمكافحة هذا الانجراف الإدماني الواسع الانتشار؟ يمكننا أن نبدأ بجمع أدوات التحليل الذاتي، ووضع معايير لتقييم مساهمتنا الشخصية وطرح الأسئلة التي قد لا تخطر ببالنا في العادة. السؤال عما إذا كان نوع معين من الحب يمكن أن يكون في الواقع إدمانا، يمكن أن يكون الخطوة الأولى نحو فحص الحياة وإعادة هيكلتها.

ويوضح الباحثان أن الحب وسيلة مثالية للإدمان لأنه يطالب بوعي الشخص حصريا. إذا كان يجب أن يكون هناك شيء ما مطمئنا ومستهلكا، ليكون بمثابة إدمان، فإن العلاقة الجنسية أو علاقة الحب مناسبة تماما للمهمة. وإذا كان لابد أيضا من أن تكون نمطية ويمكن التنبؤ بها ومعزولة، ففي هذه النواحي أيضا، يمكن تصميم علاقة الحب بشكل مثالي مع الغرض من الإدمان. يمكن لأي شخص غير راض عن نفسه أو عن وضعه أن يكتشف في مثل هذه العلاقة البديل الأكثر شمولا للرضا عن الذات والجهد المطلوب لتحقيقه. مثال ذلك عندما يذهب شخص إلى شخص آخر بهدف ملء فراغ في نفسه، تصبح العلاقة بسرعة محور حياته أو حياتها. إنه يوفر العزاء الذي يتناقض بشدة مع ما يجده في أي مكان آخر، لذللك يعود إليه أكثر فأكثر، حتى يحتاج إليه ليجتاز كل شيء في حياته المجهدة وغير السارة. عندما يكون التعرض المستمر لشيء ما ضروريا من أجل جعل الحياة محتملة، فقد نشأ الإدمان، مهما كانت الزخارف روماسية. يخلق الخطر الدائم للانسحاب رغبة دائمة.

ويقول الباحثان "لكي نظهر بشكل ملموس ما يعنيه أن تكون مدمنا على الحبيب، يمكننا أن نأخذ مثالا مشهورا وهو علاقة الحب بين ف. سكوت فيتزجيرالد وشيلا جراهام. في الفترة التي أعقبت الانهيار العاطفي الأخير لزوجته زيلدا، شعر فيتزجيرالد أن أمل حياته لم يتحقق إلى حد كبير، وأنه استنفذ طاقته الروحية والعاطفية. لقد حاول طوال حياته تحقيق شعور راسخ بمكانته في العالم لكنه فشل. كان يطمح إلى مكانة اجتماعية لم يكن يمتلكها من قبل، ومكانة مادية لم يتمكن من أن يكتسبها قط، ومكانة أدبية غالبا ما كانت موضع تساؤل في حياته.

ويؤكدان "كانت العلاقة إدمانا. عزل سكوت فيتزجيرالد وشيلا جراهام نفسيهما عن العالم الخارجي من خلال إهمال عملهما والتخلي عن جميع علاقتهما الشخصية الأخرى في هوليوود. بدا أن كلا منهما يشعر أن كل تجربة كانت ذات قيمة أو مسموحا بها فقط إذا تمت من خلال الآخر. وقد عبرت جراهام عن الاعتقاد الكامن وراء هذا الشعور ـ والعلاقة برمتها ـ عندما قالت إن "حياتي بدأت عندما جاء". إذا كانت هناك حاجة إلى المشاركة في كل جانب من جوانب حياة الآخر، فإن شكلها النهائي هو التحكم الكامل أو الاعتماد على الآخر، بحيث لا يوجد شخص منهما من دون وجود الآخر هناك. هذا هو التشابه الأساسي لإدمان المخدرات".

ستانتون بيلي
'الحب وسيلة مثالية للإدمان'

ويضيف الباحثان "لا يجب أن يكون الإدمان بين الأشخاص علاقة فردية. قد يشكل المدمن علاقات متتالية أو متزامنة، إما لأنه لا يسمح لنفسه أبدا بالمشاركة بجدية، أو لأنه لا يستطيع العثور على شريك يتقبله تماما. ومع ذلك في جميع الحالات يكون جوهر الإدمان هو الإحساس المتضائل بالذات. يستخدم المدمن العلاقات ليحمي ذاته الداخلية من بيئة مخيفة. في هذه العملية تتوقف الذات الضعيفة بالفعل عن التطور وتنكمش حياة المدمن بشكل كبير. لقد استخدم د.هـ.لورانس مصطلح "أنانية مزدوجة" لوصف الصلة المتضخمة وشبه الدائمة بين حبيبين. مثل أي شكل من أشكال الإدمان، فإن الأنانية المزدوجة تتضمن الأشخاص الذين لم يتلقوا من الحياة اكتمالا للذات، والذي يمكنهم من الوصول إلى خبرة متكاملة تجاه أنفسهم. والنتيجة هي أنهم ينجذبون إلى شيء ـ الحبيب ـ يمكنه تأمين ذواتهم الصغيرة أو المجزأة. لكنهم يقعون في شرك هذا الحبيب، لأنه في حين يعززهم، فهو يمنعهم من التوسع إلى الخارج لمقابلة أشخاص آخرين أو الذهاب إلى مناسبات اجتماعية تصادفهم. مع تفاقم قصورهم وتعنتهم، يجب أن يتكئ كل منهم بشكل كبير على الآخر. وهكذا يجذب بعضهم بعضا في علاقة متزايدة الانطواء، معزولة وتتميز بالحماية المتبادلة. ونظرا لأن الشركاء في علاقة إدمانية يكونون مدفعوعين باحتياجاتهم الخاصة للأمان أكثر من تقديرهم للصفات الشخصية بعضهم لبعض، فإن أكثر ما يريد بعضهم من بعض هو ضمان الولاء.

آرتشي برودسكي
'في جميع الحالات يكون جوهر الإدمان هو الإحساس المتضائل بالذات'

 ويقولان "أكثر ارتباطا بالإدمان هو مثال الرجل الذي يعيش مع امرأة أو يواعدها حتى يمرض أو يصبح مقهورا بسبب العلاقة. ثم يوقفها، ليجد بعد فترة أنه يشعر بالوحدة والاضطراب من دون امرأة. يعود إليها فتقبل به ثم يشرعان في الانفصال التالي. بصرف النظر عن عدد المرات التي تتكرر فيها الدورة، فإنهما لا يغيران معا طبيعة العلاقة عندما يكونان معا. إما لجعلها أكثر استدامة أو لحدها إلى القدر الذي يمكن احتماله. ولا يتوقع الرجل بمفرده المرحلة التالية من استيائه بما يكفي لتهدئة سلوكه سواء عندما يرى المرأة أو عندما يكون وحده. من ناحية أخرى ترفض مطالبة نفسها أو الرجل بأي دلالات تدل على صلاحيتها هي والعلاقة. وهكذا يستمران للأسف حتى نقطة تعسفية حيث يمكن حل الأمور أخيرا من خلال أحداث خارجية، غالبا مع صدمة كبيرة لأحدهما أو لكليهما.

يناقش الباحثان أوجه التشابه الجوهرية بين علاقة إدمان الحب وإدمان المخدرات عبر أفكار ورؤى فلاسفة ومفكرين وعلماء انفس واجتماع وروائيين وأناس عاديون أدت بهم علاقات حب إلى إدمان المخدرات، وكيف ينتقل الإدمان من عقار إلى آخر، وكيف تلعب الاختلافات الاجتماعية والثقافية دورا في آثار المخدرات.