الحرب التي تلوح بوادرها في الأفق: خطأ إيراني أم انقلاب أميركي؟

على إيران أن تعتبر من سابقتي العراق وأفغانستان. الشروط التي اعلنتها الولايات المتحدة ليست محل أخذ ورد.

اعتقد النظام الإيراني بصحة حساباته، حين التقى مع إدارة البيت الأبيض التي حكمها المحافظون الجدد، في احتلال أفغانستان والعراق، معتقدا أنه الشريك الدائم لها وإن تبدلت الوجوه، ولم يضع في ميزان رؤيته، أن يضحى الهدف المقبل لإدارة أميركية جديدة تعتنق المذهب الإنجيلي، وتختار لسياساتها أدوات جديدة، ووسائل أخرى تتلاءم مع برامجها الخارجية.

اعتقدت إيران في الاحتلال الأميركي للعراق، نصرا لها، يزيح أكبر قوة عربية، عطلت مشاريعها التوسعية، ومنعتها من تنفيذ خطط هيمنتها على الخليج العربي، فأعلنت في خطاب إعلامي وقوفها على الحياد عندما تبدأ أميركا بغزو العراق، لكنها أجرت اتصالات سرية مع واشنطن في أوائل ديسمبر 2002 في باريس تم بمقتضاها السماح للطائرات الأميركية والبريطانية باستخدام الأجواء الإيرانية، وتقديم معلومات عن الأسلحة العراقية، وقدرات الجيش العراقي، ووسائل الوصول لها في ضربات صاروخية.
ودعت إيران في نفس الفترة التي أعقبت الاتصال السري مع واشنطن، ما يعرف بالمعارضة العراقية الموالية لإيران والقوى السياسية الكردية، تمخض عنه تشكيل قيادة كردية شيعية للعراق بعد احتلاله، وتشكيل ميليشيات مسلحة "قوات بدر" وهي الجناح المسلح للمجلس الإسلامي الأعلى، وجيش المهدي التابع لمقتدى الصدر، وتوظيف المرجع الإسلامي الشيعي الأعلى القابع بمدينة النجف في الإفتاء بشرعية الغزو الأميركي، وتحريم مقاومته.
اليوم يواجه النظام الإيراني، ما لم يحسب له حساب من قبل، تصاعدت حدة التهديدات بين النظام الإيراني والولايات المتحدة الأميركية تنفيذا لسياسة الرئيس دونالد ترامب، الذي هد قاعدة الرئيس السابق باراك أوباما، القائمة على تأهيل طهران للعب دور بديل في الشرق الأوسط.

لم تكتف الولايات المتحدة بالعقوبات الإقتصادية على إيران، فهي من وجهة نظرها، ليست كافية لإسقاط مشروعها الإقليمي التوسعي في الشرق الأوسط، ويهدد سيادة دولها، بما يدعوها إلى اتخاذ خطوات عسكرية، تدخل في المرحلة التنفيذية لـ "إستراتيجية مواجهة إيران" التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب، أهمها:

  • بناء تحالف أوسع ضد المشروع الإقليمي الإيراني التوسعي في منطقة الشرق الأوسط.
  • منع تشكيل جسر برّي يصل مباشرة من طهران إلى ضفاف البحر المتوسط عبر العراق وسوريا.
  • إنهاء نفوذ إيران في العراق، وإسقاط دور المرجعية الدينية في النجف،وحل جميع الميليشيات الطائفية.
  • إنهاء الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبوموسى.
  • قطع الذراع الإيراني في اليمن، وإسقاط مخططها في السيطرة على مضيق باب المندب.
  • تواجد عسكري أميركي على الأرض السورية، لمنع إيران وحزب الله وميليشياتهما من التأثير على مستقبل سوريا.
  • التصدي للصواريخ الباليستية الإيرانية، في مراحلها التجريبية.
  • نقل قطع من الأنظمة المتطورة المضادة للصواريخ إلى دول الخليج العربي.

وضعت إدارة الرئيس دونالد ترامب، عدة نقاط بدافع ما تراه التصدي لـ  الخطر الإيراني" الذي ترى أنه قائم عالميا بينها ضمان امتلاك الولايات المتحدة لإستراتيجية خاصة بفترة ما بعد القضاء على تنظيم "داعش" وقوات تابعة لها على الأرض في سوريا لمنع إيران والميليشيات التابعة لها من تحديد مصير مستقبل ذلك البلد.

واتجهت نحو بناء تحالف أوسع على المستوى الإقليمي ضد إيران، من خلال تعزيز مذكرة التفاهم الدفاعية مع إسرائيل وإزالة القيود التي وضعتها إدارة أوباما على مساعدة إسرائيل ببرامج الدفاع الصاروخي على أن يكون ذلك مجرد مقدمة لتوسيع أكبر للتعاون بين الطرفين بمواجهة إيران وحزب الله.

أما الشروط التي وضعها مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي لتطبيع العلاقات مع النظام الإيراني، فهي لا تنهي مشروعه الطائفي التوسعي فحسب، بل تنهي وجوده، وتستبدله بنظام جديد:
1 - وقف تخصيب اليورانيوم وعدم القيام بتكرير بلوتونيوم، بما في ذلك إغلاق مفاعلها العامل على الماء الثقيل.

2 - تقديم تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية حول البعد العسكري لبرنامجها النووي والتخلي بشكل كامل عن القيام بمثل هذه الأنشطة.

3 - منح مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إمكانية الوصول إلى كل المواقع في البلاد.

 4 - وقف نشر الصواريخ الباليستية والتطوير اللاحق للصواريخ القادرة على حمل الأسلحة النووية.

 5 - إخلاء سبيل كل المحتجزين من الولايات المتحدة والدول الحليفة والشريكة لها، الذين تم توقيفهم بناء على اتهامات مفبركة أو فقدوا في أراضي إيران.

6 - التعامل باحترام مع الحكومة العراقية وعدم عرقلة حل التشكيلات الشيعية المسلحة ونزع سلاحها.

7 - سحب جميع القوات، التي تخضع للقيادة الإيرانية، من سوريا.

8 - وقف تقديم الدعم لـ"التنظيمات الإرهابية"، الناشطة في الشرق الأوسط، بما في ذلك "حزب الله" اللبناني، وحركة "حماس"، وحركة "الجهاد الإسلامي"، ووقف الدعم العسكري للحوثيين في اليمن، ولحركة "طالبان" و"الإرهابيين" الآخرين في أفغانستان، وعدم إيواء مسلحي "القاعدة".

9 - وقف "دعم الإرهاب" بواسطة قوات "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني.

10 - التخلي عن لغة التهديد في التعامل مع دول مجاورة لها، كثير منها حلفاء للولايات المتحدة، بما في ذلك الكف عن التهديدات بالقضاء على إسرائيل والهجمات الصاروخية على السعودية والإمارات.

11 - التخلي عن تهديد عمليات النقل البحرية الدولية.

12 - وقف الهجمات السيبرانية.

هل وضعت إيران هذه المعطيات الراهنة في حساباتها، وهي تتفاخر بدورها في الاحتلال الأميركي لأفغانستان والعراق، مطمئنة لبقاء سياسة الرئيس السابق باراك أوباما الرامية إلى إعادة تأهيل دورها في الشرق الأوسط، دون أن يخطر ببالها سماع تهديد رئيس أميركي إنجيلي لها: بأن ترى خرابا قل رؤيته في التاريخ؟

وهو تهديد لا يختلف عن تهديد جيمس بيكر وزير خارجية جورج بوش الذي تضمن نصا يقول: سنعيد العراق إلى القرون الوسطى.