الحميري يشخِّص واقع حركة ترجمة الشعر العربي في الجزيرة العربية

عبدالواسع الحميري يقيم واقع حركة الترجمة بغرض تقديم واقتراح بعض التوصيات التي من شأنها أن تساعد على النهوض بواقع هذه الحركة وتطويرها نحو الأفضل.
طبيعة الجهود الترجمية التي بذلت في دول الإقليم غلب عليها الطابع الفردي غير المؤسسي، فجاءت جهودا فردية محدودة الأثر والفاعلية
الباحث يلاحظ وجود ترجمات لمشاريع شعراء لم تكتمل ملامح تجاربهم الشعرية بعد

يهدف بحث الدكتور عبدالواسع الحميري المنشور في "التقرير الأول لحالة الشعر العربي 2019" الصادر عن أكاديمية الشعر العربي بجامعة الطائف السعودية، إلى تشخيص واقع حركة ترجمة الشعر العربي الحديث في اليمن ودول إقليم الخليج العربي (السعودية، الإمارات، عُمان، البحرين، الكويت، قطر) وتقييم واقع هذه الحركة بغرض تقديم واقتراح بعض التوصيات التي من شأنها أن تساعد على النهوض بواقع هذه الحركة وتطويرها نحو الأفضل.
فقد فطن العرب منذ عشرينيات القرن الماضي إلى ضرورة الإقبال على نقل الشعر الغربي إلى اللغة العربية، وأهمية ذلك لإثراء التجربة الشعرية العربية وتطويرها. وانعكست هذه الترجمات إيجابا على حركة الشعر الحديث، على الرغم من إشكالية ترجمة الشعر قديما وحديثا ورأي الجاحظ "الشعر لا يستطاع أن يترجم ولا يجوز عليه النقل، ومتى حوّل تقطع نظمه، وبطل وزنه، وذهب حسنه، وسقط موضع التعجب .."، بل ذهبت "اللسانيات" إلى القول باستحالة الترجمة الأدبية عامة، واستبعدت "البنيوية" إمكان ترجمة الشعر جملة، مؤكدة أن كل ترجمة هي خلق لنص جديد، وعلى الرغم من ذلك تُرجمت القصائد ودواوين الشعر، وأضحت تلك الترجمة ركنا ثابتا في بعض الدوريات العربية من "المقتطف إلى مجلتي شعر والأقلام"، وما يهمنا هنا هو ترجمة الشعر من اللغة العربية إلى لغات عالمية.
ويبدأ د. الحميري بواقع الترجمة في المملكة العربية السعودية مشيرا إلى أن د. عدنان جواد الطعمة ترجم في العام 1997 كتابا بعنوان "قصائد حب" للشاعر الأمير خالد الفيصل إلى اللغة الألمانية، وصدر الديوان متضمنا القصائد باللغتين العربية والألمانية. وفي إطار مشروع "حضارة واحدة" للترجمة الذي تبنته مؤسسة الفكر العربي التي يرعاها سمو الأمير الشاعر ترجمت قصائد ديوانه "حرف ولون" إلى لغات عالمية مختلفة منها اللغة الصينية، وصدرت الطبعة الصينية للديوان عام 2011 محتويا على أكثر من ثلاثمائة قصيدة بترجمة فريدة وانغ فو.
كما صدرت عن بيت الشعر في سان خوسيه وجامعة كوستاريكا الإسبانية في العام 2014 ترجمة ديوان "رأسه في الفجيعة / أصابعه في الضحك" للشاعر السعودي صالح زمانان، كما تُرجم للشاعر نفسه قصائد ضمن أنطولوجيا "شعراء حول العالم" باللغة الإسبانية عام 2016 صدرت عن دار "بيربوم" الإسبانية بمدريد.

غلب على تلك الترجمات العلاقات الخاصة أو الطابع الجهوي. بالإضافة إلى غلبة الطابع الانكفائي

وإلى الفرنسية ترجم المغربي محمد العرجوني قصيدة للشاعرة السعودية نجلاء الرسول نشرت في كتاب "قطوف نسائية" عام 2018 الذي ضم ترجمات لاثنتين وثلاثين شاعرة تضمنها الكتاب.
ويشير الحميري إلى ترجمة قصيدتين للشاعر السعودي أحمد قران الزهراني هما "البعد أوغل في السراب"، و"تاج الكلام" إلى اللغة الأمازيغية عام 2017 ضمن كتاب "المصافحة الترجمية الثانية /  قصائد مترجمة من العربية إلى الأمازيغية" عن دار كتابات جديدة، وفي الكتاب نفسه قصيدتان نثريتان للشاعرة السعودية صباح حمزة فارسي.
أما الشاعر السعودي حسن الصلهبي فقد ترجمت له المغربية أمينة الصنهاجي مجموعة شعرية كاملة إلى اللغة الفرنسية قبل بضع سنوات، والمترجمة نفسها ترجمت أربع قصائد للشاعر إبراهيم الحملي، ونصا مشتركا للشاعرين طلال الطويرقي ومحسن يوسف بعنوان "عناقد الغياب" إلى اللغة الفرنسية.
هكذا يرصد د. عبدالواسع الحميري بدقة حركة الترجمة إلى لغات أخرى لبعض الشعراء السعوديين ومنهم: أحمد الملا، وعبدالله بيلا، وسعد عبدالله الغريني، وعلى الحازمي، ومالك بن عبّاد الوادعي، وعلي الدميني، ومحمد حبيبي، وإبراهيم زولي، فضلا عن ترجمات لعدد آخر ضمن أنطولوجيا الشعر العربي المعاصر بثلاث لغات (العربية والرومانية والإنجليزية)، وترجمات أخرى في أنطولوجيا "بوابة الشعر العربي".
ويشير الحميري إلى أن الشاعر والمترجم الفلسطيني منير مزيد أفرد للشعر السعودي أنطولوجيا مستقلة بعنوان "أنطولوجيا الشعر السعودي المعاصر باللغة الإنجليزية / حكايا من الضوء والرمل" نشرت ضمنها قصائد مختارة مترجمة إلى الإنجليزية لخمسة عشر شاعرا سعوديا في عام 2010.
أما في اليمن فقد ترجمت قصائد للشاعر اليمني عبدالله البردوني إلى لغات عالمية منها الإنجليزية والفرنسية، حيث ترجمت جامعة ديانا الأميركية له 20 قصيدة عمودية إلى الإنجليزية، كما ترجمت مقاطع من قصائد له إلى الإنجليزية أيضا، ونشرت في موقع المعهد الأميركي للدراسات اليمنية على الإنترنت، فضلا عن ترجمة ديوان "مدينة الغد" إلى اللغة الفرنسية.
كما ترجمت قصائد للشعراء د. عبدالعزيز المقالح، وشوقي شفيق، وفتحي  أبوالنصر، ومحيي الدين جرمة، وهدى أبلان، وأحلام الكثيري، وأحمد حسين الزراعي، وأحمد علوي، ورؤى الإرياني، ورينا يحيى، وصخري المنصري، وسوسن العريقي، ومها عبدالرحيم، وليلى إلهان، وعبدالغني المخلافي، وأحمد الفلاحي، وابتسام المتوكل، وهاني الصلوي، وجلال الأحمدي، وعبدالله عبيد، وغيرهم.
وتضمن كتاب "أنطولوجيا الشعر العربي المعاصر بثلاث  لغات" لمنير مزيد ترجمة قصائد لعدد 9 شعراء يمنيين. وقام المترجم اليمني عبدالوهاب المقالح بترجمة ديوان "الإنسان والفراشة" للشاعر عمار النجار، وكتاب "الفتوحات الهندية" للشاعر عبدالكريم الرازحي إلى الإنجليزية.
وفي الإمارات قام د. شهاب غانم بترجمة "50 قصيدة عربية من القرن العشرين" ويتضمن الكتاب ترجمة إلى الإنجليزية لشعراء رحلوا في القرن العشرين من ضمنها ترجمة قصيدتين لشاعرين إماراتيين هما: سلطان العويس، وأحمد أمي المدني. وقبل ذلك كان شهاب غانم قد ترجم لشاعرات من الإمارات وبريطانيا، كما صدرت له ترجمة باللغة الإنجليزية في كتاب بعنوان "قهوة وتمر" تضمن قصائد مترجمة لشعراء إماراتيين، فضلا عن ترجمته لقصيدة "موت بائع الصحف مديكال" للشاعر حبيب الصايغ، بالإضافة إلى كتب أخرى مترجمة قام بها غانم مثل "أصداف ولآليء" و"لآليء وتمر"، و"مع الحبارى والبجعات" والأخير ترجمة لعدد 12 شاعرة إماراتية صدرت باللغة الإنجليزية.
ويشير د. عبدالواسع الحميري – في بحثه الذي جاء في أكثر من أربعين صفحة - إلى أنه في العام 2007 صدرت عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات "أنطولوجيا الشعر الإماراتي المعاصر" باللغة الفرنسية قام بترجمتها واختيار قصائدها رجاء ملاح وشاكر نوري لعدد 22 شاعرا إماراتيا من المعاصرين والحداثيين.
كما صدرت ترجمات أخرى لشعراء إماراتيين من أمثال: علي الشعالي، وخلود المعلا، كما صدر باللغة الفرنسية كتاب بعنوان "تأملات في أقوال وأشعار الشيخ زايد"، وضمن "أنطولوجيا الشعر العربي المعاصر" ترجمة لقصائد ستة شعراء إماراتيين، كما قامت الناقدة والمترجمة د. أمنية أمين في عام 2018 بإصدار كتاب مترجم إلى الإنجليزية بعنوان "أنشودة الصحراء الأخيرة" تضمن ترجمة لنصوص 20 شاعرا وشاعرة من الإمارات.
وفي سلطنة عُمان تُرجمت للشاعر العماني سيف الرحبي قصائد ومختارات شعرية إلى لغات عالمية منها: الإنجليزية والفرنسية والألمانية والهولندية والبولندية والإسبانية. ويشير الحميري إلى اختيار قصائد للرحبي ضمن أول أنطولوجيا للشعر العماني المعاصر بالإسبانية سنة 2011 والأنطولوجيا ذاتها نشرت قصائد مترجمة لثمانية شعراء عمانيين آخرين إلى جانب الرحبي.
هناك أيضا ترجمات لقصائد شعراء آخرين من عُمان من أمثال: حسن المطروشي ومحمد قراطاس وعبدالله العريمي وعبدالرزاق الربيعي وإبراهيم السالمي وهشام بن ناصر الصقري ونصرة العدوي وهلال الحجري وسعيد الصقلاوي ومبارك العامري وبدر الشيباني وسماء عيسى وخميس قلم وعبدالله الريامي وسعيدة خاطر الفارسي وغيرهم. كما أصدر د. خالد بن محمد البلوشي كتابا بعنوان "الشعر العماني المعاصر مترجما إلى الإنجليزية". 

The case of Arabic poetry
الترجمة الاحتفائية

وفي البحرين يُعد الشاعر قاسم حداد من أكثر الشعراء البحرينيين الذين ترجمت أشعارهم إلى لغات عالمية، إذ تُرجمت له قصائد إلى الإنجليزية والفرنسية ولغات عالمية أخرى.
ويشير الحميري إلى أنه صدرت بالإنجليزية "باقات من الشعر البحريني" ضمن أنطولوجيا "حصاد الموج" أو "حصاد المد" وهي بصيغة ترجمية أخرى "أنطولوجيا الشعر الحديث لشعراء الخليج العربي" ضمَّت من البحرين الشعراء: قاسم حداد وفوزية السندي وعلى الشرقاوي وعبدالحميد القائد وعلي عبدالله خليفة وكريم رضي وأحمد العجمي وحمدة خميس وعلي الجلاوي. وقامت بنشر هذه الأنطولوجيا جامعة فرجينيا في قطر، وهي من تحرير د. باتي بين ود. جيف لودج وسامية تواتي.
ويضيف الحميري أن مركز عيىسى الثقافي في البحرين أصدر في 2017 كتابا بعنوان "مختارات من قصائد مترجمة للدكتور محمد علي الخزاعي" تضمن قصائد متنوعة مترجمة إلى الإنجليزية لشعراء بحرينيين وعرب ومن دول أجنبية، ومن شعراء البحرين: إبراهيم العريض وإبراهيم بوهندي وعلي الشرقاوي وقاسم حداد ومحمد حسن كمال الدين.
أما في الكويت فقد تُرجمت قصائد من الشعر الكويتي إلى لغات عالمية منها الألمانية والرومانية، ومن الشعراء الذين تُرجمت قصائدهم: د. سعاد الصباح وسعدية مفرّح وفهد العسكر. ويرى الحميري أن ترجمة "مختارات" لسعاد الصباح من قبل المترجم د. عدنان جواد الطعمة تأتي في سياق جهوده الترجمية للتعريف بمختارات من الشعر العربي المعاصر باللغة الألمانية.
وفي قطر تُرجمت قصائد للشاعرة د. زكية مال الله، بالإضافة إلى عبدالله السالم وسعاد الكواري، ويبرز الحميري ترجمة ديوان "مدى" لزكية مال الله التي صدرت في عام 2016 عن إدارة البحوث والدراسات الثقافية بوزارة الثقافة القطرية، واحتوت على 47 قصيدة مترجمة إلى اللغة الإنجليزية، منها 20 قصيدة مترجمة إلى الفرنسية، وتتراوح قصائد المجموعة بين التفعيلة وقصيدة النثر وقصيدة الومضة.
ولا يغادر د. عبدالواسع الحميري بحثه قبل أن يضع بين أيدينا جملة ملاحظات على واقع حركة الترجمة في الجزيرة العربية من أهمها: أن اللغات الأكثر ترجمة إليها هي اللغة الإنجليزية، وأن طبيعة الجهود الترجمية التي بذلت في دول الإقليم غلب عليها الطابع الفردي غير المؤسسي، فجاءت جهودا فردية محدودة الأثر والفاعلية، وربما غلب عليها الطابع النفعي، وأن هناك ترجمات لمشاريع شعراء لم تكتمل ملامح تجاربهم الشعرية بعد، وأنه غلب على تلك الترجمات العلاقات الخاصة أو الطابع الجهوي. بالإضافة إلى غلبة الطابع الانكفائي، مؤكدا أن تلك الجهود الترجمية منكفئة على الذات العربية، وليست ذات طابع انفتاحي على الآخر، مشيرا إلى أنها جهود جاءت بمثابة ردة الفعل على فعل الاخر الغربي (العنيف) وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001. يضاف إلى ذلك الطابع الاحتفائي (الدعائي / الإشهاري) لهذه الجهود، أو ما يمكن تسميته بالترجمة الاحتفائية.
وفي النهاية يقدم د. عبدالواسع الحميري عدة مقترحات عملية لتطوير حركة الترجمة منها: إنشاء مؤسسات متخصصة بإعداد الدراسات المتخصصة عن الشعر نقدا وترجمة، وعليه يقترح توسيع صلاحيات الأكاديميات الموجودة فعلا ومنها أكاديمية الشعر العربي بجامعة الطائف، والشروع في إنجاز الدراسات الأكاديمية المتخصصة لمجمل المنجز الشعر العربي، والعمل على ترجمة أهم الأعمال والنصوص التي تجسد حضور التجارب الشعرية التأسيسية إلى أهم لغات العالم الحية.