الحوار الليبي وتجاوز عقبة اردوغان

ما سُمي بالاتفاق الاستراتيجي بين السراج واردوغان قد انتهى إلى الفشل. وكان ذلك الفشل ضروريا لكي تعيد حكومة الوفاق ترتيب أوراقها ليبياً.
ما فعله اردوغان أنه وضع ليبيا على خارطة تدويل تفتح أمامها أبواب جحيم لا نهاية له
الحوار الليبي الداخلي بكل زخمه وشروطه وصداماته سيكون جدارا أمام أردوغان
الدول الأوروبية وضعت في حساباتها ما يجري في ليبيا كمقياس لما يمكن أن ينتهي إليه التدخل التركي

الليبيون تعبوا من حروبهم العبثية. ذلك ما يكشف عنه اقبالهم على استئناف الحوار الداخلي بمعزل عن أية ضغوط خارجية.

لقد ارتكب فايز السراج خطأً كبيرا حين فتح أبواب طرابلس لأردوغان. فالرئيس التركي الذي مثل دور المنقذ أثبت أن لديه مشرعا يتجاوز ليبيا.

ما جلبه التدخل التركي من مشكلات يفوق بضرره ما كان من الممكن أن يقع لو أن الحكومة المعترف بها دوليا قدمت بعض التنازلات من أجل أن تصل إلى تسوية سياسية تحفظ ماء الوجه للجميع.

ما فعله اردوغان أنه وضع ليبيا على خارطة تدويل تفتح أمامها أبواب جحيم لا نهاية له، بسبب تعدد التدخلات واختلاف وجهات النظر والمصالح.

كانت لدى حكومة الوفاق مشكلات تتعلق بالميليشيات التي سعت إلى رعاية مصالحها تحت غطاء عقائدي زائف. ذلك ما كان يقف حائلا بين حكومة السراج والوصول إلى رؤية ليبية خالصة.

اما حين أدخل اردوغان مرتزقته إلى ليبيا فقد اتسعت حدود المشكلة حيث صار هناك مَن يقاتل من غير أن يكون لقتاله هدف سوى الحصول على المال. لقد تم إفراغ المشكلة من محتواها الوطني. هذا على المستوى المحلي المباشر. اما على المستوى العام فقد أدخل اردوغان ليبيا في حلبة صراع لا علاقة لها به. حيث صارت ليبيا محورا لأطماع تركية مبيتة في منطقة شرق المتوسط.

لقد اتخذ اردوغان من اتفاقيته مع حكومة الوفاق مناسبة لفتح ملفات كانت مغلقة، ما كان من الممكن أن تفتح لولا الجسر الذي شيده الاتفاق الغريب من نوعه بين انقرة وطرابلس.

صحيح أن اليونان وقبرص وهما أكثر البلدان الأوروبية تضررا من مشاريع اردوغان التوسعية لم تلتفتا إلى ليبيا بل ظل غضبهما منصبا على تركيا فإن الدول الأوروبية التي يعنيها الوضع في شرق المتوسط وضعت في حساباتها ما يجري في ليبيا باعتباره مقياسا لما يمكن أن ينتهي إليه التدخل التركي.

يمكننا أن ننظر إلى الامر من زاويتين. الأولى ليبية حيث صار التدخل التركي ثقيلا ولا تقوى ليبيا على اعتباره جزءا طبيعيا من تطور الاحداث فيها والثانية تركية حيث صارت تركيا تظهر علامات عجزها عن مقاومة الضغوط الأوروبية التي تمثل نوعا من التضامن مع اليونان كونها عضوا في الاتحاد الأوروبي.

وهكذا فإن ما سُمي بالاتفاق الاستراتيجي بين السراج واردوغان قد انتهى إلى الفشل. وكان ذلك الفشل ضروريا لكي تعيد حكومة الوفاق ترتيب أوراقها ليبياً. وهو ما دفع السراج إلى التلويح باستقالته.

ذلك موقف يمكن قراءته من جهة كونه رسالة إلى اردوغان.

لقد انتهى العمل المشترك الذي حاول اردوغان أن يستفيد منه على مستوى تنفيذ أطماعه على حساب ليبيا. ولهذا صارت العودة إلى الحوار الليبي ــ الليبي هي العمل الوطني الوحيد الممكن في مواجهة توقع انهيار الجبهات المحلية التي لم تعد السيطرة عليها ممكنة بالأدوات المتاحة.

سيختلف الليبيون كعادتهم على الواردات النفطية. ذلك ما جرى في أوقات سابقة وما يمكن توقع حدوثه. غير أن ذلك الخلاف سيتم تحت غطاء المقتربات الوطنية التي تجمع ولا تفرق من غير أي شعور بالاستقواء إلى السلاح. لا حد يفرض على أحد شروطه. وهو ما سيدفع الأطراف كلها إلى أن تتوخى الحذر حين تدافع عن مصالحها التي لن تكون مصالح فئوية.

هل تجاوز الليبيون عقبة أردوغان التي صنعوها بأنفسهم؟

أعتقد أن الحوار الليبي الداخلي بكل زخمه وشروطه وصداماته سيكون جدارا أمام أردوغان. ذلك مؤكد. غير أن المؤكد تماما أن ليبيا ستكون في منجى عن التدخلات الدولية إذا ما نجح الليبيون في الوصول إلى خطوط تفاهمهم الوطني.