الحوثي واليمن والتهديدات: كأس السم هو الحل

الأمل بالتوصل الى تسوية مع جماعة الحوثي هو مجرد وهم.
تجربة العراق هي البرهان. هذا النمط من الكائنات لا يفهم غير لغة القوة
العقائدية تحكم ميليشيات ايران التي تملك شهادات موقعة من عزرائيل لدخول الجنة

يوفر الغطاء العقائدي، كائنا ما كان، أساسا للعيش في عالم آخر، لا تعود فيه مفاهيم الموت والحياة هي ذاتها المفاهيم المألوفة. وهي لهذا السبب، نوع من عمى البصيرة، أشد وطأة من عمى البصر.

الخطأ الذي ارتكبه العراق في العام 1980، هو أنه حارب نظاما كان ما يزال في حالة ثورة. ولأجل التدقيق، فقد كان ذلك "خطأ المضطر" الذي لم تُترك له الفرصة لكي يختار سبيلا آخر. وحالة الثورة كانت تعني أن السياق العقائدي الذي ولجته إيران عام 1979 بنشوء "الجمهورية الإسلامية" كان ما يزال حارا، ولم تنكشف فضائحه بعد، على نظامِ فسادٍ واستبدادٍ وقهرٍ جماعي.

العراقيون حققوا انتصارات ميدانية مبكرة. ولكنها سرعان ما ارتدت عليهم بشيئين. الأول، رفض إيران كل عروض السلام. والثاني، قيام نظام الخميني بتجنيد مئات الآلاف من المقاتلين تحت ذلك الستار العقائدي الذي أرخص لهم قبول الموت، مجانا، ومن دون أي مبرر عسكري جدير بالاعتبار.

لاحظ أن هذا الشيء نفسه سوف يتكرر في اليمن. فما حصل هو أن الخميني صار يوزع شهادات دخول الجنة على الذين يرسلهم الى ساحات الموت. وصار الآلاف يتقدمون الى الجبهات كما لو أنهم جراد.

ويقول مقاتلون عراقيون، أنهم بينما كانوا يعرفون من أين تأتي الحشود في معظم الأحوال، فان طلقات مدافعهم الرشاشة وبنادق الكلاشينكوف، والألغام لم تكن لتكفي في الحصاد، حتى صارت الجثث تتكوم فوق بعضها لتتحول هي ذاتها الى سواتر، فيضطر الذين يحملون تلك الشهادات، الى ارتقاء جثث الذي سبقوهم في دخول الجنة، حتى ازدحمت بنحو مليون قتيل، ثلاثة أرباعهم كان يمكن أن يدخلوا الجنة بوسائل أخرى أكثر نفعا.

الحرب طالت الى ثماني سنوات على هذا الأساس.

بالمعايير العسكرية، كان إرسال أكداس البشر الى الموت مجرد حماقة. وبالمعايير الاقتصادية كان الأمر مجرد تعبير عن سخف وجهل لا حدود له. ولكنه بالمعايير العقائدية كان توظيفا بديهيا لنظامٍ تلك هي طبيعته.

هذا الواقع، دفع العراق الى تبني استراتيجية أخرى، اُبتكرت لها صواريخ غايتها الحصاد. الكثير منها كان صناعة محلية، وكانت هي التي صنعت الفارق الأهم في المعركة. ومن تحرير شبه جزيرة الفاو، الى باقي الجبهات على مسافة امتدت لنحو 1200 كم، كان القصف العراقي لحشود الراغبين بدخول الجنة، قد مهد السبيل لهزيمة منكرة، أضطر الخميني أن يشرب لها ما قال إنه "كأس السم". ومات هو نفسه بعد وقت قصير بالحسرة، تاركا الحقد لغيره لكي يبحث عن شفاء. ولكن الحرب انتهت، وعاد العراق، ليبحث عن سبل لإعادة البناء.

العقائدية هي ذاتها بالنسبة لجماعة الحوثي، ولكل المليشيات الأخرى التابعة لإيران التي تملك شهادات موقعة من عزرائيل لدخول الجنة.

هذه العقائدية ترفض المنطق، لأن لديها منطقا آخر. وترفض دعوات السلام، لأنها لا تؤمن به أصلا، وتضع سواتر عقائدية شتى بينها وبينه. وما لغة الشتائم والتنديد ودعوات "الموت لإسرائيل والولايات المتحدة"، إلا جزءا من هذه السواتر التي تجعل من غير المقبول للذين يحملون الشهادات أن يحصلوا على شيء أقل من مواصلة القتال الى ما لا نهاية.

ما من عاقل، أو حتى نصف عاقل، يمكنه أن يقبل استمرار حرب تبلغ كلفتها الإنسانية ما تبلغ في اليمن. ولكن هذا أمرٌ ليس موضوعا يؤخذ بعين الاعتبار للذين تتصادم عقائدهم مع الحياة نفسها، كما تتصادم مع معايير المنطق، أو المصلحة الاقتصادية أو غيرها.

العيش في حياض عالم العقيدة، يستعين بمعايير أخرى، مختلفة كليا، ولا يمكن حتى التحاور معها. لأنه لا توجد منطقة وسطى يمكن الوقوف عليها لبلوغ الحلول السلمية. فهل توجد منطقة وسطى بين الجنة والنار؟

الحرب في اليمن، يمكن أن تستمر، على هذا الأساس، الى ما لا نهاية. إلا إذا تم الأخذ باستراتيجية الحرب التي اتبعها العراق في مواجهة إيران.

الأمل بالتوصل الى تسوية مع جماعة الحوثي هو مجرد وهم. ومحاولة إقناعه بقبول الحلول السياسية وهم آخر. ومنحهم الفرصة للسيطرة على نصف الحكومة أو ثلاثة أرباعها، لن يريضهم، ولن يضع حدا للازمة، وقد يستبدلها بأزمة أخرى، تظل قابلة للانفجار في أي وقت. وفي النهاية لن يتمكن اليمن من الحصول على فرصة لإعادة بناء نفسه. وإذا توفرت فإنها لن تدوم.

الحرب قاسية ومؤذية لكل المشاعر الإنسانية. ولكن التعامل مع الحوثي بمنطق الرأفة والسعي الى تسوية ثبت، ولسوف يظل يُثبت أنه قاسٍ ومؤذٍ وضارٍ باليمنيين وبمستقبلهم أكثر.

الخيار الصحيح، هو الحصاد. يجب العمل على انتهاج كل الوسائل التي تجعل هذه الجماعة تشرب كأس السم. لا يوجد خيار آخر، على الإطلاق. لأن كل خيار بديل هو في الواقع مزيج من الأوهام والآمال والتصورات التي لا تأخذ عالم العقيدة بعين الاعتبار.

التجربة كانت هي البرهان. هذا النمط من الكائنات، لا يفهم غير لغة القوة، ولن يفهم معناها إذا انطوت على مقدار شعرة واحدة من الرأفة. لأنه سوف يظنها ضعفا، فيتمادى. أو لأنه سوف يقدم لها تأويلات لا تعلم من أين تهبط، إلا أنه يتلقفها بوصفها وحيا يوحى، فيتمادى.

هذه قصة لا تنتهي إلا بسحق الحوثي في كل مكان، من أقصى شمال اليمن الى أقصى جنوبه، وبأقسى ما يمكن من الضربات. وبغارات تغطي السماء. وقصف صاروخي ومدفعي لا يتوقف إلا لتعبئة المزيد من الذخيرة.

يقول المثل: "وجع ساعة، ولا كل ساعة".

التهديدات التي يطلقها الحوثي ضد الإمارات والسعودية لن تتوقف. وإذا ما حدث أن أفلت صاروخ من صواريخ إيران ليضرب برج خليفة على سبيل المثال، كما هددوا بالفعل، فان كارثة إنسانية ومعنوية كبرى سوف تقع.

هذا التهديد ضد أيقونة عالمية لا يمكن الاستخفاف به. ولا سبيل للدفاع عنه بالسعي الى تسويات. العقيدة لا تسمح بذلك أصلا. وتأويلاتها سوف تذهب في كل مذهب، إلا مذهب المنطق أو العقل.

وكل شبر في الإمارات والسعودية، إما أيقونة اقتصادية أو معمارية. ولا يمكن حمايتها من دون أن يشرب الحوثي "كأس السم"، لاسيما وأنه سُمّه هو، وسُمّ من اختياره.

العراق قدم النموذج القتالي الصحيح الأول في مواجهة إيران. وقدمت إسرائيل في مواجهة حزب الله في لبنان النموذج الثاني، في حرب يوليو 2006. ومنذ ذلك الوقت وهذا الحزب يعرف الكلفة. ويعرف أن مقاومته الفارغة توقفت هناك عند ذلك الحد، ولم يبق منها إلا الهذيان.

34 يوما من القصف المتواصل، والتدمير الشامل، كفلت أن تُقنع حسن نصرالله بأن يشرب كأسه الخاص من السم. فصار عاقلا، إلا من باقي الهذيان، الذي صار يوظفه ضد اللبنانيين.

صحيح أن المعاني السياسية تأتي كلٌّ من مسار مختلف، إلا أن هاتين التجربتين تثبتان الشيء نفسه، بالمعنى العسكري، لخوض الحروب مع ذوي العقائد.

كأس السم هو الحل. وهو على أي حال، خدمة إنسانية نبيلة للذين يحملون مفاتيح الجنة، ولا يريدون دخولها إلا عن هذا الطريق.