تشبيه الأمثال بين الرمزي والفعلي

لا التشبيه بالثور، ولا حتى بالكلب، يفترض أن يثير انزعاج أردوغان. طالما أن الحكمة هي مقصد المثل.
"الأمثال تُضرب ولا تُقاس" فالمثل هو الحكمة التي تقف خلفه وليس الالفاظ
حبس الصحافية صدف كاباش لن يعوض الخليفة العثماني عن إهانته ولا عن جهله

لو كان السيد رجب طيب أردوغان يفهم في مغازي الأمثال، لما وجد نفسه يحارب الصحافية التركية صدف كاباش لأنها ضربت فيه مثلا، فساقها الى السجن.

أهل الأمثال وصُنّاعها يقولون إن "الأمثال تُضرب ولا تُقاس". بمعنى أنه إذا ما قارن المثل بينك وبين الثور، فلا تقيس به على نفسك. فالمثل هو الحكمة التي تقف خلفه، والتشبيه به رمزي. إلا إذا شعر المرء بأنه على صلة قربى مع الثور، فيجوز له أن يتحسس. وهذه قضية من نوع آخر.

السيدة كاباش، قالت في مقابلة تلفزيونية إنه "لو راجع أردوغان حياته السياسية، لوجد أن هذا الوطن والشعب منحه فرصاً كثيرة، وأوصله إلى مناصب عدة ودعمه بأصواته وأكسبه سلطات كثيرة".

وضربت بمثلين لأجل إيضاح ما تعتقد. الأول يقول "إن الشخص المتوج يصبح أكثر حكمة"، وقالت إن هذا غير صحيح، إذ أن هناك مثَلا آخر يقول "إن الثور لا يصبح ملكاً بمجرد دخوله القصر، ولكن القصر يتحول إلى حظيرة".

والحقيقة هي أنه لا التشبيه بالثور، ولا حتى بالكلب، يفترض أن يثير انزعاج أردوغان. طالما أن الحكمة هي مقصد المثل.

ولقد عرف تاريخ الأدب العربي، شاعرا هو علي بن الجهم، عاش بين 804 و863م وكان خشن البداوة. وحدث أن جاء الى مجلس الخليفة العباسي جعفر المتوكل، فوقف ليمتدحه، فقال:

أنت كالكلب في حفاظك للود

وكالتيس في قراع الخطوبِ

أنت كالدلو، لا عدمناك دلوًا

من كبار الدلا، كبيرَ الذَنوبِ

وبرغم أن ندماء الخليفة استهجنوا الأوصاف، إلا أن الخليفة نظر إليها من حيث ما قصدت. وأدرك أن هذا البدوي لو عاش في بغداد، لما بقي على خشونته. فأمر له بمنزل على ضفاف دجلة. وصار يجوب حواضر المدينة وأسواقها. ومنذ ذلك الوقت يقول مثل تركي: "لا حبيبة مثل أمك، ولا مدينة مثل بغداد". ولم تمض أشهر حتى عاد ابن الجهم الى مجلس الخليفة، لينشده القصيدة الشهيرة التي يقول في مطلعها:

عيون المها بين الرصافة والجسر

جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري

أَعَدنَ لِيَ الشَوقَ القَديمَ وَلَم أَكُن

سَلَوتُ وَلكِن زِدنَ جَمراً عَلى جَمرِ

سَلِمنَ وَأَسلَمنَ القُلوبَ كَأَنَّما

تُشَكُّ بِأَطرافِ المُثَقَّفَةِ السُمرِ (أي الرماح حادة النصول)

وَقُلنَ لَنا نَحنُ الأَهِلَّةُ إِنَّما

تُضيءُ لِمَن يَسري بِلَيلٍ وَلا تَقري

وذلك الى أن يقول:

وَما كُلُّ مَن قادَ الجِيادَ يَسوسُها

وَلا كُلُّ مَن أَجرى يُقالُ لَهُ مُجري

وَلكِنَّ إِحسانَ الخَليفَةِ جَعفَرٍ

دَعاني إِلى ما قُلتُ فيهِ مِنَ الشِعرِ

فَسارَ مَسيرَ الشَمسِ في كُلِّ بَلدَةٍ

وَهَبَّ هُبوبَ الريحِ في البَرِّ وَالبَحرِ

فقال المتوكل لندمائه: "انظروا كيف تغيرت به الحال، والله خشيت عليه أن يذوب رقة ولطافة".

سوى أن إلقاء صحافية مرموقة مثل صدف كاباش في السجن، لن يعوض الخليفة العثماني عن إهانته ولا عن جهله. وهي عندما تخرج من السجن، فسوف تظل تعتقد أنه ثور. بالمعنى الفعلي لا بالمعنى الرمزي.