الخريف الايراني القاتل

من حق طهران أن تنظر بقلق نحو التطورات الجارية على صعيد العلاقات الاميركية ـ الاوروبية مع روسيا والتي تزداد تدهورا مع مرور الايام بحيث إنها لا تبدو مسألة عارضة أو مرتبطة بقضية أو مسألة محددة كقضية الجاسوس المزدوج الذي هوجم كيمياويا في بريطانيا، بل هي أبعد وأوسع شمولا من ذلك، ذلك إن المخططات الايرانية الاكثر خطورة قد تم تنفيذها منذ أن دخلوا الروس سوريا بطلب من طهران نفسها. وكما إن الدور الروسي لم يعد مريحا للغرب في المنطقة خصوصا بعد أن دست روسيا أنفها في الاوضاع بالمنطقة بصورة غير مسبوقة وتجاوزت الحدود المألوفة بكثير، فإن التوسع "الورمي" لإيران في المنطقة صار تحت المجهر الدولي خصوصا بعد أن صار معلوما بأن الايرانيين يسعون لجعل تواجدهم في بلدان المنطقة من خلال أذرعهم وعبثهم بالامن الاجتماعي لبلدان المنطقة أمرا واقعا!

الروس الذين يواجهون ضغوطات غربية غير مسبوقة وتعيد الى الذاكرة أيام الحرب الباردة بين القطبين الدوليين أيام الاتحاد السوفياتي، تتناغم وتتزامن مع ضغوطات وعقوبات دولية متزايدة على إيران مع إحتمال أن تتوسع دائرة الخيارات التي يمكن إتخاذها والعمل بها ضد الدور الايراني في المنطقة، ومع الاخذ بنظر الاعتبار الفرق الكبير بين قدرات وإمكانيات روسيا في مواجهة الضغوطات والعقوبات المفروضة عليها، وبين إيران التي تبدو كبناية تضعضع أساسها ولم تعد جدرانها تقف بقوة وتماسك.

الانتفاضة الاخيرة التي إندلعت بوجه نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية في اواخر العام الماضي ولازالت آثارها وتداعيتها ماثلة على طهران، والرفض الواضح الذي أبداه الشعب المنتفض من "الدولة الدينية" ومطالبته بإنهائها عندما رفع شعار"الحرية الاستقلال الجمهورية الايرانية" والدعم والترحيب الدولي بالانتفاضة، أعطت وتعطي لطهران أكثر من إشارة ومغزى من إن المسألة قد لا تبقى عند مستوى الترحيب والدعم المعنوي مستقبلا خصوصا وإن القادة الايرانيين بأنفسهم يتحدثون جهارا عن إمكانية إندلاع الاحتجاجات من جديد، هذا في وقت بدأت أوساط برلمانية غربية تضغط على حكوماتها مطالبة إياها بالاعتراف بالمجلس الوطني للمقاومة الايرانية الذي سبب ويسبب أرقا للنظام وصل الى الحد الذي طلب فيه الرئيس الايراني من الرئيس الفرنسي في مكالمة هاتفية أن يعمل من أجل الحد من نشاطات وتحركات هذا المجلس ضد طهران.

هل هو خريف نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية؟ سؤال وجيه إذا ماتأملنا في عموم الاوضاع في إيران والتي لا نجد جانبا وناحية واحدة منها تبدو جيدة أو تبعث على شيء من الامل والتفاؤل، بل إن الرفض الشعبي الايراني عندما يصل الى بعد أمتار من بيت المرشد الاعلى الايراني، فإن ذلك يبين فعلا بأن أوراق شجرة الجمهورية الاسلامية الايرانية بدأت تتساقط الواحدة تلو الاخرى، إنه الخريف القاتل.