الخطاط الياباني هوندا يتابع حركة الخط عن طريق قلب القلم

الياباني المسلم فؤاد كوئيتشي هوندا: من الضروري متابعة حركة الخط عن طريق قلب القلم بدقة طوال الوقت بحذر شديد، وإلا سيصاب القلم بسكتة دماغية.

يتمتع الخطاط الياباني المسلم فؤاد كوئيتشي هوندا بحضور روحي وجمالي رائق مفعم بتجليات الفن، فن الخط العربي، هذا الفن الذي أنستنا إياه الكتابة على الكمبيوتر والأجهزة المحمولة، والتي خزنت كل أنواع الخطوط، فباعدت بيننا وبين روحانية خطنا وتشكيلاته الجمالية التي أبهرت العالم، حتى لنمر عليه محفورا في بين جنبات وزوايا وقباب المقابر والمساجد والكنائس قديمها وحديثها، فلا نراه، ولا نرى أنه يشكل جزءا حيويا من وجودنا كونه يرتبط بحروف لغتنا العربية وبتراثها.

هوندا قدم في جلسته التي نظمت أخيرا في معرض أبوظبي للكتاب في دورته الـ 31 عرضا مبهرا، خط لوحات كاشفة عن شغف وحب للقرآن الكريم، خط"الله جل جلاله"، "بسم الله والرحمن الرحيم"، "محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم" وآيات من القرن الكريم، وأهدى لحضور جلسته من الجمهور الكثير، تولد لوحته نقطة سوداء صغيرة يتم إسقاطها باستخدام طرف القلم على الورقة البيضاء. تبدأ في التحرك، تصعد وتهبط، تتشكل حتى تصل إلى الزاوية، إنها رحلة/ نص شعري/ دفقة حياة/ نفحة حب.

رحلة هوندا بدأت من فحص دقيق لمخططات الخط العربي، حيث وجد أن خطوطها تحمل عمقًا ثلاثي الأبعاد، ومنكانت بداياته كخطاط وباحث في فنون الخط العربي، أجرى سلسلة من التجارب لتحليل الأشكال المختلفة للخط العربي وفقًا لأنماطه بيانياً، ومن خلال تلك التجارب اكتشف أن شكل كل حرف من الخط العربي ليس سوى مجموعة من الصور الظلية المنعكسة، والتي يمكن إعادة إنتاجها عن طريق إلقاء الأضواء من زوايا مختلفة على جسم مصنوع عن طريق محاكاة شكل الأبجدية بأشرطة كرتون قابلة للانحناء، وهكذاأصبح من الواضح له أن التفاعل بين الحروف يمكن رؤيته في تكوين الحرف وأن يبدو ضعيفًا للوهلة الأولى أثناء التكوين الجمالي يمتلك عمقًا كبيرا.

يقول هوندا "أقوم بتدوير القلم باستخدام طرفي إصبعي الإبهام والسبابة، للتنبؤ بحركية الحرف، لا يمكن للمرء أن يرسم حركة جميلة في الخط العربي بمجرد الإمساك بالقلم واتباع شكل الحرف فقط. من الضروري متابعة حركة الخط عن طريق قلب القلم بدقة طوال الوقت بحذر شديد، وإلا سيصاب القلم بسكتة دماغية".

ويؤكد إن القلم يلعب دورًا مهمًا في فن الخط العربي، وبالمناسبة يعتبر القلم في الإسلام أداة مقدسة ففي الحديث النبوي إن أول شيء خلقه الله القلم، وهناك بعض الآيات القرآنية التي ذكر فيها القلم، ومنها: سورة العلق "اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم". وأيضا سورة القلم أقسم الله به " والقلم وما يسطرون". ووبالتالي فقًا للقرآن يمكننا أن نفهم أن القلم في الإسلام ليس مجرد أداة للكتابة، ولكنه يعتبر رمزًا للمعرفة والحكمة.

ويلفت هوندا إلى أنه في تقاليد الخط العربي يجب على الخطاط أن يصنع أقلامه بنفسه، على عكس تقاليد الخط الياباني أو الصيني، وهذا يعني أن جمال الخط العربي يعتمد إلى حد كبير على مدى قدرة الخطاط في صنع أقلامه.

ويشير إلى وجوب أن يحتفظ طرف القلم بما يكفي من الحبر لتمكين الخطاط من كتابة خط أطول بسلاسة وبضربة واحدة دون توقف لإعادة ملامسته الحبر. هذا لأننا إذا توقفنا عن الكتابة في منتصف طريق سطر طويل لأسفله أو أعلاه لإعادة ملء الحبر، فإن الحركة السلسة والحيوية للخط سوف تفسد. إن أقلام القصب أو الخيزران لا يمكنها حمل المزيد من الحبر مقارنة بفرش الخط الياباني/الصيني الذي يحتفظ بكمية كبيرة من الحبر. وللتعويض عن هذا النقص في القلم العربي، قمت بحفر أخاديد صغيرة على جانب القلم من ناحية المنقار بحيث يمكن الاحتفاظ بالحبر داخل الأخاديد إلى حد ما بسبب "التوتر السطحي" لسائل الحبر. كما قمت بتثبيت شفرة رقيقة من المعدن على جانب واحد من المنقار محافظا على المسافة بين الشفرة وسطح المنقار، وفتحها قليلاً بحيث يمكن الاحتفاظ بالحبر في الفراغ.، وهكذا أصبحت قادرًا على كتابة طويلة دون التوقف لإعادة تعبئة الحبر.

ويوضح هوندا أنه دائم البحث عن إمكانات وأبعاد جديدة في فن الخط العربي، ويضيف"أرغب في تعزيز جمال الخط العربي بشكل أكثر وضوحًا من خلال وضعه في أنسب سياق ممكن، لإنشاء فن تركيبي للخط العربي من خلال دمج اللون والشكل والتصميم، وأتمنى أن أشارك الكثير من الناس في جميع أنحاء العالم جمال فن الخط العربي.

وعن علاقته بالقرآن واللغة العربية يقول "عندما تقرأ القرآن باللغة العربية تجد فيه الكثير من الكلمات ذات المعاني العميقة ولذلك فإن فني هو وسيلة لإبراز معانى تلك الكلمات وأحاول على أساسها أن أجد الألوان والتصاميم الملائمة .وكذلك أستوحي التصميم من الطبيعة في الشرق الأوسط والتي تختلف عن اليابان. فمنظر البرق في الصحراء مذهل للغاية. فعندما يلمع البرق في السماء ينذر بالخير، فهو ينذر بسقوط المطر بعده، إن مثل هذه الأشياء تجعلك تشعر بوجود الله عز وجل.إن حياتي في الشرق الأوسط غيّرت نظرتي للعالم وجعلتني أعقد العزم لأنقل هذه النظرة وأعبرعنها من خلال فني وهذا ما يدفعني للعمل أكثر والاستمرار في الإنتاج.

ويتابع هوندا إن "السؤال الأبدي الذي يراودني ويشغل تفكيري عن "سبب وجودي على الأرض وغايتي في هذه الحياة" هو ما يدفعني للعمل باستمرار للإجابة عن هذه الأسئلة. وهو أمر كنت قد فكرت فيه بالعشرينات من عمري ولكني لم أستطع الإجابة عنه والآن قد حظيت بهذه الفرصة لأعبر عنه من خلال الخط العربي. ولدي الكثير من الأفكار التي أريد إبرازها وتوصيلها للعالم وسأعمل على ذلك طالما بقيت حياً.

وتوضح مديرة الجلسة ومترجمتها هبة نايل أن جميع أشكال وتكوينات حروف خط العربي في أعمال هوندا تستمد تجلياتها منالطبيعة على اختلاف حضورها الذي تعيشه حواسنا حركة وسكونا بالعين والأذن واليد والتذوق والحس، تتدفقالحروفكنهر، وتتمايل كأغصان النباتات، وترتفع كطائر، تلال لكثبان الصحراء، ومنحنيات لحركة الجسم الإنساني والحيواني، لا يوجد خط مستقيم تمامًا في عالم هوندا كما لا يوجد خط مستقيم في الطبيعة، لأن ما قد يبدو كخط مستقيم هو منحني بالمعنى الحقيقي للكلمة، فإن كل حركة من الخط العربي هي أيضًا منحنى. لا يوجد خط مستقيم مطلق. بمعنى آخر، والحد هو مزيج من أجزاء من خطوط الدوائر التي لها أنصاف أقطار مختلفة.

وقالت أن هوندا يستخدم في لوحات خطوطه اللون الأسود، فيما اللوحات التشكيلية فهو يلجأ للون الأزرق حيث يرى أن اللون الأزرق يقارب لون السماءوينسجم مع لون البحار والمحيطات والكثبان الرملية والأشجار وغيرها.

يذكر أن هونداولد في طوكيو عام 1946م، وتخرج من جامعة طوكيو لدراسة اللغات الاجنبية/ قسم اللغة العربية 1973م، التحق بشركة باسفيك اليابانية للمساحة الارضية والجوية، وسافر إلى السعودية كمندوب ومترجم، وبقي هناك خمس سنوات في العمل المضني عبر الوديان والجبال والصحارى مروا بالتجمعات السكانية في المملكة، وهناك انبهر بكتابات بعض الخطاطين، وطلب تعليمه وارشاده في مجال الخط العربي، وعند رجوعه إلى اليابان واصل دراسته للاسلام عن طريق القران وبعض الكتب المترجمة واعتنق الاسلام.