الدبلوماسية الثقافية العنصر المفقود في آليات الاتصال الدولي

الدبلوماسية بين الثقافات ليست جديدة على الإنسانية. فقط هي تكتسب بعدا آخر بالاتصال الجماهيري التقني اليوم.
المستكشفون والتجار أمثلة حية لـ"الدبلوماسيين الثقافيين" الأوائل
لا تعد الدبلوماسية الثقافية شكلا من أشكال الدعاية ما دامت حوارية تبادلية
الدبلوماسية الثقافية مجال بحث أكاديمي نشط ومبتكر ونجحت كنظرية وممارسة قائمة بذاتها

تعززت السياسة الخارجية بقدرة معاصرة، ترتقي بالتواصل المرن ما بين الشعوب دون عوائق تذكر، في تعزيز مبادئ السماح والانفتاح في عالم إنساني تجمعه القواسم المشتركة عبر بوابة "الدبلوماسية الثقافية" التي تعد نوعا من الدبلوماسية العامة بقوتها الناعمة في تبادل الأفكار والمعلومات والفن واللغة وغيرها من جوانب الثقافة بين الدول وشعوبها من أجل تعزيز التفاهم المتبادل.

الدبلوماسية الثقافية مصطلح جديد تمامًا في مجال السياسة الخارجية، على الرغم من أن هذا المصطلح يستخدم بشكل متزايد من قبل علماء السياسة وخبراء الاتصالات وكذلك السياسيين، إلا أنه لا يزال مجالًا غير معروف نسبيًا، رغم أهمية دور الفن والثقافة في الارتقاء بقيم الحياة، واحتلالهما صدارة الجهود الترويجية في بلدان العالم، التي تدرك أن إظهار تراثها الثقافي يوفر لها فرصة لإظهار التعريف بدورها الحضاري التأريخي أو المعاصر، وخلق صورة إيجابية عن وجودها، وبالتالي المساعدة في تحقيق أهدافها السياسية. لذا، يجدر التفكير في الدور الذي يمكن أن تلعبه الثقافة والفن في السياسة الخارجية للمهاجرين.

تبرز أهمية الدبلوماسية الثقافية في عالم تزداد فيه العولمة والاعتماد المتبادل، حيث يضمن انتشار تكنولوجيا الاتصال الجماهيري أن نتمتع جميعًا بوصول أكبر لبعضنا البعض أكثر من أي وقت مضى، من هنا تظهر أهميتها خاصة في ظروف العالم المتحرك كفاعل مؤثر لتعزيز السلام والاستقرار في جميع أنحاء العالم.

المؤهلات التي ترتقي بها الدبلوماسية الثقافية، عند تعلمها وتطبيقها على جميع المستويات، تعزز قدرة فريدة في التأثير على الرأي العام العالمي وأيديولوجية الأفراد أو المجتمعات أو الثقافات أو الأمم، والتي يمكن أن تسرع في تحقيق السلام والاستقرار العالميين.

"الدبلوماسية بين الثقافات"، المصلح الأقرب عمليا للدبلوماسية الثقافية معمول بها منذ قرون، وهذا ما يثير غرابة عدم اعتمادها كبرنامج وكمصطلح إلا مؤخرًا، والأدلة على ممارستها يمكن رؤيتها عبر التاريخ.

يمكن اعتبار المستكشفين والمسافرين والتجار والمدرسين والفنانين جميعًا أمثلة حية لـ "السفراء غير الرسميين" أو "الدبلوماسيين الثقافيين" الأوائل. في الواقع، أي شخص يتفاعل مع ثقافات مختلفة، (حاليًا أو في الماضي)، يسهل نوعًا من التبادل الثقافي، والذي يمكن أن يحدث في مجالات مثل الفن والرياضة والأدب والموسيقى والعلوم والأعمال والاقتصاد وما وراءها. 

عبر التاريخ أيضا، أدى التفاعل بين الشعوب وتبادل اللغة والدين والأفكار والفنون والهياكل المجتمعية إلى تحسين العلاقات بين المجموعات المتباينة باستمرار، اذن، فالدبلوماسية الثقافية أوسع من ان تحصر في محيط تخصص العلاقات الدولية، فهي اليوم مجال بحث أكاديمي نشط ومبتكر وقد أثبتت نفسها بنجاح كنظرية وممارسة قائمة بذاتها.

لا تعد الدبلوماسية الثقافية شكلا من أشكال الدعاية، فهي عملية اتصال ثنائية الاتجاه تتضمن جهودًا لإبراز صورة الأمة وقيمها على الدول والشعوب الأخرى بالإضافة إلى تلقي المعلومات ومحاولة فهم ثقافة وقيم وصور البلدان الأخرى ودولهم.

تقوم الدبلوماسية الثقافية الحقيقية على عنصري التبادل والتبادلية، ربما يكون الحوار بين الثقافات المثال الأكثر وضوحًا حاليًا كما تعالج الآن برامج الدبلوماسية الثقافية، على الصعيدين الوطني والمتعدد الأطراف، قضايا مثل التماسك الاجتماعي، والعنصرية، وعدم المساواة، والتمييز ضد الأقليات والمهاجرين، والبعد الثقافي للقضايا بين الأديان، وحل ما بعد الصراع، فكرة التعددية والحوار بين الثقافات والمدن متعددة الثقافات.

تمتلك وسائل الاتصال بكافة أنواعها تأثير كبير في تطوير الدبلوماسية العامة والدبلوماسية الثقافية على الرغم من صعوبة تحديد طبيعة هذا التأثير بالضبط، نظرًا لوتيرة التغيير السريعة.

وغالبًا ما تستخدم المنظمات المشاركة في ممارسات الدبلوماسية الثقافية شبكات التواصل في المقام الأول ليس فقط كامتداد لأنشطتها التسويقية أو المعلوماتية كأداة رئيسية للرؤية والنشر، إنها ليست مجرد نافذة فقط، ولكنها أداة رئيسية مصممة لزيادة الرؤية، ولجمع معلومات فورية حول تأثير رسالتهم عبر التوسع في مساحات إيصالها.

تعزز ذلك الاتجاه من خلال التحرك التدريجي نحو الوسائط الرقمية، حيث تتضمن الدبلوماسية العامة والثقافية الفعالة على المسرح العالمي حوارًا بين الثقافات تنطوي على مستوى متزايد من التفاعل، ويمكن تحقيق هذا التفاعل عبر الفضاء الافتراضي بشكل فعال وبتكاليف مناسبة للغاية.