الدراما الرمضانية المغربية في أمس الحاجة لتنويع وتجديد الوجوه
الرباط - تضع شركات الإنتاج قيودًا صارمة على ميزانياتها ويدفعها إلى اختيار ممثلين يقبلون أجورًا منخفضة لضمان عدم تجاوز المصاريف، وتتحكم في مواردها، خصوصًا في موسم رمضاني تنافسي يتطلب إنتاج عدد كبير من الأعمال خلال فترة قصيرة، مبررة هذه الخيارات بتقليل التكاليف، ولكن هذا النهج غالبًا ما يأتي على حساب جودة العمل الفني، إذ يساهم هذا التوجه في خلق فجوة كبيرة بين ما يتطلع إليه الجمهور من حيث التنوع والجودة وما تقدمه هذه الأعمال التي تكرر نفس الوجوه، وهذا يخلف ضعف الثقة في الصناعة الفنية الوطنية، وغياب استراتيجيات طويلة المدى لتحفيز الإبداع والاستثمار في وجوه جديدة قد تضيف روحًا جديدة للمشهد الفني.
ويجد المخرجون في الاعتماد على نفس الممثلين وسيلة لتوفير الوقت وتسهيل التنسيق في مواقع التصوير، إذ يعتمد هذا النهج على فرضية أن التعامل مع طاقم مألوف يضمن سرعة تنفيذ العمل وتقليل الخلافات التي قد تنشأ عن اختلاف وجهات النظر بين المخرج والممثلين الجدد، ويرى المخرجون أن التفاهم السابق مع هذه الوجوه يجعل عملية توجيه الأداء أكثر سلاسة، ويسمح بالتركيز على الجوانب التقنية والإبداعية الأخرى، بينما يؤدي هذا الاختيار إلى تراجع الحماس الإبداعي لدى الممثلين أنفسهم، حيث يجدون أنفسهم محصورين في أدوار مشابهة لا تتطلب تحديًا جديدًا، كما أن هذا النهج يُقصي المواهب الجديدة التي قد تقدم زوايا أداء جديدى تُثري العمل الفني وتمنحه الاختلاف.
ويساهم اعتماد نفس الأسماء في تقييد التنوع الفني وإضعاف عنصر المفاجأة والإبداع في الأعمال الدرامية، إذ ينتبه الجمهور لتكرار الأدوار والممثلين، وهو ما يؤدي إلى شعور بالملل وفقدان الحماس لمتابعة هذه الأعمال، ويعتمد هذا النهج على اختزال الشخصيات الدرامية في قوالب نمطية، حيث يصبح من السهل توقع أداء الممثل بناءً على أدواره السابقة، وهذا الوضع يُفقد الأعمال الرمضانية جاذبيتها ويقلل من فرص اكتشاف وجوه جديدة قد تُحدث تغييرًا إيجابيًا في الساحة الفنية، كما أن غياب التنوع في اختيار الممثلين يُضعف من قدرة الدراما على تمثيل التنوع الثقافي والاجتماعي داخل المغرب، وهذا حقيقة يجعلها أقل ارتباطًا بالجمهور الذي يتطلع لرؤية نفسه وقضاياه في هذه الأعمال.
وتكرّس هذه السياسات ثقافة الاستسهال داخل صناعة الإنتاج الفني، حيث يركز المنتجون والمخرجون على الخيارات المضمونة بدلًا من البحث عن مواهب جديدة أو استثمار الوقت في تطوير شخصيات درامية معقد، ويعتمد الإنتاج على إعادة تدوير نفس العناصر الفنية، لتقديم أعمال تفتقر إلى الروح الابتكارية والإبداع الذي ينتظر من الدراما الرمضانية، وهذا التوجه يخلف مسلسلات وأفلامًا تبدو متشابهة في طرحها وأسلوبها.
وتحد هذه الظاهرة من قدرة الدراما المغربية على تمثيل التنوع الثقافي والاجتماعي داخل المجتمع، إذ يحصر المشهد الفني في وجوه محددة وأدوار متكررة، تفقدها قدرتها على عكس واقع المجتمع بكل أبعاده وتعقيداته، وتتسبب في تقديم أعمال درامية أحادية البعد، تفتقر إلى الجودة التي يمكن أن تخلق التنوع الغني للثقافة المغربية، ويسهم هذا الوضع في إضعاف العلاقة بين الدراما والجمهور، حيث يصبح من الصعب على المشاهد أن يجد نفسه أو قضاياه اليومية ممثلة على الشاشة، كما يعيق هذا النهج الدراما المغربية من لعب دورها كأداة للتعبير الثقافي والتغيير الاجتماعي، ويتركها محصورة في نطاق ضيق من المواضيع والشخصيات التي تكرر نفسها عامًا بعد عام.
وتفرض الحاجة إلى تنويع الوجوه كخطوة حاسمة لتطوير الدراما المغربية وإعادة الثقة لدى الجمهور، ويساهم إدخال ممثلين جدد ومواهب صاعدة في خلق أعمال درامية متنوعة تعكس تطلعات المشاهد المغربي، حيث يشعر الجمهور بأن الإنتاجات المحلية قادرة على تقديم قصص تحمل أفكارًا مختلفة وتبتعد عن القوالب المكررة والإيحاءات النمطية التي أصبحت سمة بارزة في الأعمال الحالية، بينما يمتد تكرار نفس الوجوه ليشمل نفس شركات الإنتاج، ونفس المخرجين، وحتى نفس الفنيين والتقنيين، وهذا هو ما يكرس صفة التكرار ، في حين أن التنوع في الطواقم والمواهب قد يخلق ديناميكية جديدة تثري الصناعة الفنية وتخرجها من دائرة الجمود والتقليد.