الدراما المغربية تفوّت فرصا ثمينة للانتشار في غياب الدبلجة

صعوبة الدارجة ومشاكل التوزيع يعرقلان تسويق الافلام والمسلسلات في الأسواق العربية والعالمية.

الرباط - يشكل غياب دبلجة الأفلام والمسلسلات المغربية إلى لهجات عربية مثل السورية، المصرية، اللبنانية، والخليجية، أو حتى إلى لغات عالمية، إشكالية ثقافية وإعلامية تعرقل انتشار هذه الإنتاجات على نطاق أوسع، فعلى الرغم من غنى الدراما المغربية بالمضامين الأصيلة والقصص التي تعكس الهوية المغربية، يبقى حاجز اللغة واللهجة عائقًا أمام فهم الجمهور العربي والدولي لها، وهذا الغياب يُضيِّع فرصة ثمينة للتعريف بالثقافة المغربية في العالم العربي والعالمي، خاصةً في وقت أصبحت فيه الدبلجة وسيلة فعالة لخلق التفاهم الثقافي وزيادة التفاعل مع الأعمال الفنية، فهل يمكن اعتبار الدبلجة حلاً استراتيجيا للترويج للإنتاجات المغربية، أم أن هذا الغياب يعزى إلى غياب رؤية واضحة لتصدير الثقافة المغربية إلى الخارج؟

وتعتَبر صعوبة فهم اللهجة المغربية تحديا كبيرا يواجه الجمهور المشرقي والخليجي عند متابعة الإنتاجات الفنية المغربية، فاللهجة المغربية تتميز بتنوعها اللغوي الناتج عن التداخل بين العربية والأمازيغية وتأثيرات لغات أجنبية كالفرنسية والإسبانية، وهذا يجعلها أحيانًا غير مألوفة أو معقدة بالنسبة للمشاهدين خارج المغرب، ويعيق هذا التحدي انتشار الأعمال المغربية في الدول العربية الأخرى، حيث يجد المشاهد صعوبة في متابعة الحوارات والتفاعل مع الأحداث، الشيء الذي يؤدي إلى تقليص فرص الأعمال المغربية في تحقيق انتشار أوسع وشعبية أكبر.

ويتمتع المغاربة بقدرة فريدة على التكيف مع مختلف اللهجات العربية وحتى اللغات الأجنبية، وهذا يبرز مرونتهم اللغوية والثقافية، فعلى سبيل المثال نجحت شركات الدبلجة المغربية في تقديم الأعمال التركية والعالمية للجمهور المغربي بلغة دارجة مفهومة، ساهمت في انتشار هذه الأعمال ونجاحها دون أي عقبات تذكر، وهذه المرونة تظهر الفجوة بين قدرات الجمهور المغربي على استيعاب المحتوى المترجم، وصعوبة تقبل الجمهور العربي الآخر للأعمال المغربية، وهنا تطرح تساؤلات حول إمكانية خلق التفاهم الثقافي عبر استراتيجيات مثل الدبلجة أو الترجمة.

وتعد دبلجة الأفلام والمسلسلات المغربية إلى لغات ولهجات أخرى ضرورة ملحة في زمن المنصات الرقمية، حيث أصبح التنافس على جذب جمهور عالمي أكثر شراسة، إذ توفر هذه المنصات فرصا ذهبية للإنتاجات المغربية للوصول إلى جمهور واسع ومتنوع، لكن حاجز اللغة قد يعيق هذا الانتشار، والدبلجة خاصة إلى لهجات عربية مألوفة مثل المصرية أو السورية أو اللبنانية، أو إلى لغات عالمية كالإسبانية والإنكليزية، تساهم في كسر هذا الحاجز، وهذا يتيح للمحتوى المغربي التفاعل مع جمهور عالمي وإبراز خصوصياته الثقافية وقصصه الأصيلة، كما تساعد الدبلجة في تقدم الصناعة السينمائية والتلفزيونية المغربية عبر خلق فرص للتصدير والانتشار ولدعم الهوية الثقافية المغربية ويرسخ مكانتها على الساحة الدولية.

ويشكل غياب اهتمام الجهات المسؤولة بدبلجة الدراما والسينما المغربية إشكالية حقيقية تحد من انتشار الإنتاجات الوطنية على المستويين العربي والدولي، وهذا الإهمال يعكس غياب رؤية استراتيجية واضحة لتصدير الثقافة المغربية وإثباث حضورها على المنصات الرقمية وفي الأسواق الخارجية، بينما نجد دولاً أخرى تستثمر بفعالية في دبلجة أعمالها لتتجاوز حدودها اللغوية، ويمنحها فرصة للتفاعل مع جمهور عالمي، حيث إن تجاهل أهمية الدبلجة يحرم الإنتاجات المغربية من استحقاقها في المنافسة الإقليمية والدولية، ويضعف من قدرتها على تحقيق الانتشار والتأثير.

قدرة فريدة على التكيف مع مختلف اللهجات العربية

ويغيب عن الساحة المغربية دور شركات التوزيع والإنتاج الخاصة التي تمتلك علاقات خارجية، رغم أهميتها الكبيرة في دبلجة الأفلام والمسلسلات المغربية وتسويقها عالميا، فهذا الغياب يفاقم التحديات التي تواجه الإنتاجات الوطنية في الوصول إلى جمهور عالمي، حيث تفتقر الصناعة إلى وسيط متخصص يستطيع الترويج لهذه الأعمال على المستوى الدولي، بينما شركات كهذه تعد عنصرا حاسما في كسر حاجز اللغة عبر الدبلجة، وفي تقديم المحتوى المغربي في أسواق جديدة ومنصات رقمية عالمية، كما أن العلاقات الخارجية التي تمتلكها مثل هذه الشركات تسهل بناء شراكات دولية ترسخ مكانة الإنتاجات المغربية وتساعد في تحسين فرصها للتنافس عالميا، إن استمرار هذا الغياب يعني بقاء الإنتاجات المغربية محصورة في نطاقها المحلي، وهذا يضيع فرصًا ثمينة لتثبيت الحضور الثقافي والفني للمغرب عالميا.

وتواجه الهيئة العليا للسمعي البصري بالمغرب انتقادات حادة لعدم اهتمامها بدبلجة الأفلام والمسلسلات المغربية وتوزيعها وتسويقها في الوطن العربي والعالم الغربي، رغم الجهود المبذولة لتحفيز الإنتاج الفني محليًا، فإن غياب رؤية استراتيجية لنقل هذه الأعمال إلى جمهور عالمي يثير تساؤلات حول جدوى الإنتاج الكمي إذا كان يفتقر إلى الانتشار الدولي، إذ كيف يمكن للإنتاجات المغربية أن تنافس إقليميا ودوليا دون استثمار فعلي في كسر حاجز اللغة وتوسيع قاعدة الجمهور عبر الدبلجة والتسويق الاحترافي؟ إن غياب هذا التوجه يعرقل تطور الصناعة ويحجم من تأثيرها، محولا الإنتاجات إلى مشاريع تستهلك الميزانيات دون أن تحقق القيمة المضافة المأمولة على الصعيد الثقافي أو الاقتصادي.